الاختزال علم قائم بذاته ، وفي عصر السرعة اعتمد عليه اعتماداً كليا قبل اكتشاف الوسائل الحديثة المريحة في التسجيل والتقاط الأحرف والكلمات والوسائل التي اختصرت الوقت ووفرت الجهد الكبير ورغم ذلك بقي دون الاستفتاء عنه . ولكنه في البعد الآخر مضر فله معنى تسطيح الأمور والقضايا وتصغيرها إلى حد الاستهتار رغم أهميتها ، ومركزيتها فالانحراف عنها وعدم إعطائها ما تستحق من الاهتمام الخالص والخاص ووضعها في إطارها الصحيح تصبح قضية خاسرة وعالة وتنزل إلى المستوى الأدنى ، ولم تعد أولوية من الأولويات .وهذا يقودنا إلى قضيتنا الفلسطينية ، وعملية التلاعب بها والعبث فيها ، واعتبارها ورقة يسهل طيها ووضعها في هذا الجيب أو ذاك .ولم يبق أحد إلا وحاول استخدامها في الخير والشر ، فإذا أراد الحكم قفز باسم القضية المقدسة ، وسطى على تراث من سبقه ، وليس له هدف سوى إعادة الحقوق إلى أصحابها ، وإنقاذ المقدسات ويده على كتاب الله ، ثم تبدأ مسيرة التسلط على شعبه والعبث في القضية ، والزج بكل من يخالفه الرأي في غياهب السجون ، هذا إذا لم تكن هناك وجبات إعدام وقتل ، ولكن مادام ذلك في سبيل القضية فلا ضير فالقضية أكبر من الأشخاص ، والمطبلون والمزمرون كثر، فهم أصحاب مصلحة وجزءٌ من التوجه وشكلوا طبقة مستفيدة لأن مصالحهم تتحقق من خلال التصاقهم بهذا الوجه الجديد ذي الشعارات التي لم يسبقه إليها أحد ، وتبدأ الجماهير تمضغ الشعارات الجديدة غير القابلة للبلع أو الهضم ، وتبقى تنتظر الخلاص إلى أن يأتي شخص آخر أكثر ثورية من خلال إضافة كلمة على كلام من سبقه سواء من ذات القطر أي انقلب على سلفه ، أو من قطر آخر ، ارتأى أن الحاجة أصبحت ملحة لظهوره وأن الأجواء متاحة ، والناس عطشى لمقولات جديدة ، وتبدأ الآلة الإعلامية والأبواق من كل حدب وصوب ، والمريدون كذلك كثر .أما عن عملية التسليح التي تفرض عليهم فحدث ولا حرج فباسم تحرير الأرض تبدأ صفقات الأسلحة التي لم تستخدم وغير مسموح باستخدامها، واعتلاها الصدأ وشاهدناها أعشاشاً للغربان والبوم ، والشعوب جائعة ومتخلفة وليس لها نصيب من الازدهار والتقدم كبقية شعوب الأرض التي حققت الانجازات عبر قفزات لم يكن أحد يتصور أو يتوقع السرعة المذهلة القياسية التي لزمت لذلك .ولأن أصحاب القضية كشفوا زيف الجميع أمسكوا بقضيتهم بأيديهم فقد نالهم ما نال الأعداء بتهمة التفريط بالقضية المركزية والمقدسة.لا داعي بالتذكير ونكء الجراح خاصة بعد أن أصبح للفلسطينيين ممثلون وللشعب ممثل شرعي وحيد وبموافقة الجميع وإن كان ذلك على مضض والقضية معروفة 1 .ورغم الحضور الفلسطيني المتمثل في المحافل الدولية كافة إلا أن البعض مازال يراوده الأمس، ويقتنص الفرصة ويتمنى التعثر والعثرات ، ويسعى للتشكيك بكل الانجازات ويتآمر على المشروع الوطني ، بدعوى أنه ليس في أيد أمينة ، رغم أن هناك بعض العقلاء من القادة الأشقاء يتمنون لنا النجاح ولا يألون جهداً في دعمنا وإسنادنا ولو بالحد الأدنى ، ونحن من جانبنا كفلسطينيين لسنا جاحدين ولا ناكرين للجميل .البعض جاءت الرياح بما تشتهي سفنهم ، فعصفت بنا الأيام وحلت بشعبنا كارثة الانقسام ، قادتنا إلى حوار وطني شامل وبرزت أهمية الورقة من جديد ، وقد نزلت عليهم من السماء فالبعض يريد التقافها ليسدد ثارات مصطنعة والبعض الآخر يسعى للانتقام من الآخر ، ولكن من خلالنا ، البعض يتذكر المشاحنة في مؤتمراتهم ولقاءاتهم ، ويعزو ذلك أننا المتسببون ، والآخر يحملنا فضلاً كبيراً أنه خسر الآخر بسببنا ، ونحن في حيرة نرضي من ؟ وعلى حساب من ؟ ورغم أننا الضحية فلا استفاقة من جانبنا.المتعاطفون معنا كثر والمتضامنون معنا في تزايد ، والذين قضوا على أرضنا وهم ليسوا من أبناء جلدتنا يعتز أهلوهم بهذا الموقف والدم الذي سال على أرضنا ، ونذكر بالمناضلة البريطانية راشيل كوري . ومازالت حالات التضامن قائمة في مواجهة الاجتياحات الإسرائيلية ، ومصادرة الأراضي ، وجدار تقطيع الأوصال والاستيطان وليس كما يحلو للبعض منا تسميته بؤراً استيطانية ، فالبؤر الحقيقية هي مدننا وقرانا ومضاربنا إذا ما قيست بحجم المستعمرات مساحة .ولكن مجموع المتضامين ينحون علينا باللائمة قائلين : تضامننا ، واصطفافنا ودعمنا لا يجدي نفعاً ما دمتم في حالة الانقسام هذه .ردنا على ذلك أننا نبحث في الورقة ولكن أين ؟ يأتي الجواب على أرض أي دولة شقيقة .ولكن من يضمن لنا أن هذه الدولة الشقيقة لا تريد الورقة في جيبها ؟لا أحد يضمن إلا نحن . ولكن كيف ؟ بالحوار الوطني الشامل على أرضنا ، وحتى تبقى الورقة في أيدينا ونمسك بتلابيب قضيتنا ونحن القادرون على ذلك فهلموا إلى أرض الوطن وتحاوروا ، وغادروا صفات النزق والعنتريات ، وأنقذوا شعبكم وقضيتكم ، وقولوها بصوت عالٍ . الورقة هي فلسطينية ، ولا تسعها جيب أحد وبصوت عالٍ واحدٍ موحدٍ .شكرنا لكل من يقف إلى جانبنا من أجل إعادة اللحمة وإتمام المصالحة .أما القضايا الصغيرة المختلف عليها فقادرون أن ننهيها إذا عدنا إلى ذاتنا .فنذكر هنا بوثيقة الوفاق الوطني وثيقة أسرانا الأبطال وقد أصبحت مرجعية نستحضرها في كل حواراتنا وهذا بفضل أننا قررنا إنجاحها على الأرض الفلسطينية 2 .والأسماء والتواقيع عليها مازالت قائمة وبحوزة الأطراف كافة .فعودوا إليها وأنقذوا قضيتكم وسمعتكم وارحموا شعبكم ، لتبنوا وطنكم وتستعيدوا المبادرة .