حتى الحزب الديمقراطي، والرئيس أوباما نفسه، ومعظم المتفائلين المقربين منه، كل هؤلاء في الأغلب الأعم، باتوا اكثر اقتراباً من توقع هزيمة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الجزئية للكونغرس بعد اسبوع من الآن، الحملة الانتخابية التي يقودها الحزب في كافة الولايات باتت تهدف الى الحد من درجة الهزيمة اكثر ميلاً الى تحقيق انتصار على الحزب الجمهوري، واستطلاعات الرأي، تساعد كثيراً في الوصول الى هذا الاستنتاج المبكر، والقلة فقط باتت تراهن على فشل استطلاعات الرأي، ومعجزة قد تقلب كل التوقعات رأساً على عقب.وتصل الامور الى منح هذه الانتخابات اهمية قصوى باعتبارها "بروفة" للانتخابات الرئاسية بعد عامين، مع ان هناك قاعدة – لم تخطئ حتى الآن – في ان الحزب الحاكم في الولايات المتحدة، يخسر دائماً مقاعد في انتخابات التجديد النصفي التي تجري في منتصف الولاية الرئاسية، وبالرغم من هذه القاعدة، فإن الامر قد يتعدى خسارة بعض المقاعد، الى خسارة الاغلبية في الكونغرس، بحيث تصبح الامور اكثر صعوبة في تمرير البرنامج الرئاسي لأوباما في ظل افتقاره للأغلبية الديمقراطية.ويعيد بعض المنظرين الاميركيين، هذه النتيجة المتوقعة، الى افتقاد رئاسة أوباما الى قوة الدفع التي حظي بها بنتيجة الانتخابات التي أوصلته الى البيت الابيض، وهي نتيجة مذهلة بكل المقاييس، فقد حصل أوباما على أصوات اكثر من اي مرشح رئاسي ديمقراطي باستثناء الرؤساء الديمقراطيين: جاكسون وروزفلت وجونسون، وتزيد الاصوات التي حصدها عن الرؤساء الديمقراطيين: كندي وولش وكارتر وكلينتون.. الا ان ادارة أوباما لم تنجح في تحويل هذا الفوز الكبير الى دينامية تكفل الحفاظ على هذه المنجزات اذا لم نقل تعزيزها وزيادتها، والأمر يتساوى في هذا السياق، سواء في الأمور المتعلقة بالسياسة الخارجية أم في السياسة الداخلية، علماً ان محددات العملية الانتخابية تنحصر تقريباً في السياسات الداخلية.فما أسباب عدم قدرة ادارة أوباما على الإفادة من قوة الدفع هذه والحفاظ عليها وصولاً الى الانتخابات الجزئية؟ ترجع هذه التراجعات بنظر العديد من المراقبين الاميركيين الى جملة من الاسباب في طليعتها ما يقال عن ان هذه الادارة، "حشرية" اي انها حشرت نفسها وتدخلت في شؤون المواطن اكثر من غيرها من الإدارات السابقة، ديمقراطية أم جمهورية، ويعود ذلك الى الشبهة "اليسارية" لهذه الإدارة، وسياسة التدخل، بشكل مباشر اكثر مما مضى في تنظيم الحياة الاقتصادية للمواطن الاميركي، والاستفادة من الدرس التاريخي في عهد الرئيس روزفلت، حين أيدته الجماهير الاميركية على الرغم من الاجراءات القاسية التي اتخذتها ادارته في مواجهة الكساد العظيم، وحدث أن مرت ادارة أوباما، بكساد مشابه ورثته من ادارة بوش السابقة، غير ان هناك تطورات أصابت المجتمع الاميركي خلال العقود الخمسة الماضية، أخضعت هذه القاعدة لتعديل لم يلتفت له الذين نظروا لتكرارها المحتمل.ولهذا السبب، ووفقاً لهذه النطرية اليسارية التي حاولت استرجاع التاريخ شكلاً، أقر الديمقراطيون رزمة بقيمة 787 مليار دولار لتحفيز النمو الاقتصادي، ورفد الإدارات الحكومية بالأموال لتعزيز بنيتها والحد من البطالة. وفي ذات السياق، أقدمت ادارة أوباما على استصدار قانون العناية الصحية الذي افتقد الى الشعبية.لم يدرك منظرو "اليسار الأوبامي" ان ثلاثينيات القرن الماضي تختلف عن العقد الاول وبداية الثانية من الألفية الجديدة، وان مياهاً كثيرة زاخرة جرت في أنهار المجتمع الاميركي منذ ذلك الوقت حتى الآن، وهناك فرق كبير بين مجتمع من المهاجرين الاوائل تعيش معظم أسره في مدن صناعية، كرقيق لدى الشركات الصناعية العملاقة، ودون القدرة على التملك، الى مجتمع اميركا الحالي، الذي راكم فيه افراده ثروات لا بأس بها من خلال الاستثمار في العقارات والاوراق المالية، في الحال الاول، كان تدخل الدولة من شأنه ان يخفف ويقلل من فروق الثروات بين اصحاب رؤوس الاموال، والرقيق الذي يجني لهم هذه الاموال، أما في الحال الثاني، فإن تدخل الدولة، حتى في حال توفر الإرادة والنوايا الحسنة، قد تأتي على بعض ما احرزه الاميركي العادي من تكوين للثروة وملكيته للمسكن وامتلاكه للسندات والاوراق المالية.. الى درجة ان الإعفاءات الضريبية بواقع 400 دولار، ليست كافية للحفاظ على هذه المكتسبات.وقد لا يتوقف الامر على خسارة الاغلبية في الكونغرس، او على الاقل إضعافها، إذ ان ذلك يتعلق فقط في صعوبة تمرير سياسات الإدارة المالية، إذ قد يزيد الأمر خطورة وتفاقماً، اذا ما فقدت الادارة الديمقراطية عدد حكام الولايات المتحدة التي يسيطرون عليها من خلال الحكام، لأن ذلك له تأثير مباشر في معظم الاحيان على الانتخابات الرئاسية، فحكام الولايات يلعبون دوراً مهماً في تعزيز تأثير أحزابهم على الناخبين في ولاياتهم، وعادة ما أثر هؤلاء على نتائج الانتخابات الرئاسية، وتشير استطلاعات الرأي الى ان الجمهوريين قد يقلصون الفارق في عدد الولايات لصالحهم، ولكن من دون ان يفوزوا فوزاً كاسحاً بالفوز في معظم الولايات.وحتى بعض السلبيات التي احاطت بالحملة الانتخابية للحزب الجمهوري بعد انقسامه من خلال تشكيل واهٍ لتجمع "تي بارتي – حفلة الشاي" فإن هذا الانقسام قد يؤدي الى التأثير على طرف على حساب طرف آخر في اطار الحزب الجمهوري من دون ان يؤثر ذلك بشكل مباشر على الحزب الديمقراطي، اي ان الاخير لن يستفيد من حالة الانقسام داخل الحزب الجمهوري، هذا الانقسام اذا لم تتم معالجته، ربما يؤثر سلباً على الحملة الانتخابية الرئاسية اكثر من ان يؤثر على نتائج الحملة الانتخابية الحالية.ومن المؤكد ان نتائج هذه الانتخابات ستؤثر وبشكل مباشر على السياسات الاميركية اللاحقة، من هنا يأتي الاهتمام بها على الصعيد الدولي، أما فيما يخصنا في فلسطين، فإن انعكاس هذه الانتخابات بنتائجها سيكون له تأثير مباشر، خاصة فيما يتعلق بالمسألة التفاوضية والصراع العربي – الاسرائيلي بشكل شامل، ومن الصعب الحديث عن أفضليات في ضوء ان تجربة عامين على ادارة أوباما، كانت كفيلة بالتروي قبل الرهان على شعارات ورغبات، إذ ان الامر يتعلق بالإرادة والقدرة، وما علينا سوى الانتظار!!.