بعد أيام تحتفل الامم المتحدة بيوم مولدها الـ 65. لا أعرف ما هي الاستعدادات التي تجرى للاحتفال بهذا اليوم في العالم، ولكن يصعب عليّ أن اصدق بانهم في البلاد سيجعلون أهمية كبيرة لذلك. رغم أن الامم المتحدة أنجبتنا، فقد سارعنا الى التنكر لها. بن غوريون حرص دوما على التأكيد بان هذه كانت حرب الاستقلال هي التي ولدت الدولة، ولكن هذا هو جانب واحد فقط من الحقيقة. صحيح أنه لولا نجاح اسرائيل الشابة في الدفاع عن نفسها في وجه الجيوش العربية، ما كان ليجدينا نفعا أي قرار من الامم المتحدة. ولكن صحيح أيضا انه لو كان البريطانيون أنهوا الانتداب، وكانت الجيوش العربية تحاول السيطرة على اراضي الانتداب، واستطاعت اسرائيل التغلب عليها لتضمن سيطرة على معظم اراضي الانتداب، مثلما فعلت في حرب التحرير، لكانت بقيت بحاجة الى ان يعترفوا بها كدولة. لو لم تعترف الامم المتحدة بها دولة، لكان مشكوكا جدا أن تفعل دول العالم ذلك. الامم المتحدة هي جبنة صفراء مع ثقوب كثيرة. كنا نفضل منظمة مختلفة بعض الشيء. منفتحة، ليبرالية، مستعدة للاستماع والاقتناع، تمنح أولوية لقيم الحرية والمساواة وحقوق الانسان. منظمة قادرة على أن تلفظ من داخلها دولة احمدي نجاد هو رئيسها، تقبل في صفوفها دول ديمقراطية، لا تساهم في أطر مثل مجلس حقوق الانسان، وليس فيها كتل تعمل تلقائيا. منظمة أمينها العام ليس فقط موظفا منتخبا بسبب كونه يمثل القاسم المشترك الأدنى، بل زعيم، مخول بأن يعرب عن رأيه، يكافح ضد كل ظلم، ضد الازدواجية الاخلاقية، ضد المس بحقوق الانسان، ضد قمع المرأة الفظيع في معظم شعوب العالم وضد استغلال الاطفال. الامم المتحدة هي منظمة معقدة تعكس واقعا صُمم فور نهاية الحرب العالمية الثانية. القوى العظمى التي انتصرت في الحرب نظمت لنفسها عالما جديدا، حازت فيه الاحتكار على قرارات شن الحرب، استخدام السلاح النووي وغيره وغيره. ليس لديها أدوات حقيقية لتحديث نفسها. عشرات السنين مرت حتى حلّت الصين محل تايوان، ولكن دول ضخمة مثل الهند والبرازيل لا تنجح بعد في أن تصبح اعضاء دائمين في مجلس الامن. مئات قرارات مجلس الامن هي مجرد رفع عتب تقريبا في كل موضوع. وعندنا توجد زاوية الغضب. حتى بعد أن ألغت الامم المتحدة قرارها الذي يُشبه الصهيونية بالعنصرية، لا يمكننا أن ننسى لها هذا القرار المجنون من العام 1975. اسرائيل ليست وليّا صالحا، وليست نقية من ايحاق الظلم، ولكن اذا كان من يحاكمها هو دولة مثل ليبيا (الرئيس الدوري لمجلس حقوق الانسان في جنيف)، عندها فلا توجد حدود للازدواجية الاخلاقية. توجد في الامم المتحدة مجموعة من 77 دولة "غير منحازة" تصوت ضد اسرائيل بشكل تلقائي (مثلما يوجد في الامم المتحدة دولة واحدة تستخدم حق النقض الفيتو التلقائي على كل قرار إشكالي من ناحيتنا في مجلس الامن). ومع ذلك، لم ينجح الجنس البشري أبدا في أن يُقيم شيئا مماثلا للامم المتحدة. برج بابل، الذي كان محاولة تشبه ذلك، انهار. عصبة الامم، التي تشكلت بالهام من الرئيس الامريكي توماس وودرو ولسون، جمعت فقط جزءا من دول العالم (الولايات المتحدة لم تكن عضوا فيها في اعقاب قرار مجلس الشيوخ الذي رفض انصمامها، في كانون الثاني 1919؛ الاتحاد السوفييتي كان عضوا في المنظمة فقط بين 1934 و1939)، وفشلت في مهمتها إحلال الأمن الجماعي في عالمنا. الحرب العالمية الثانية كانت الفشل الأكبر للعصبة، فانهارت. في 24 تشرين الاول 1945 وقعت 51 دولة على وثيقة الامم المتحدة. اليوم، مع انضمام مونتونيغرو، يوجد في الامم المتحدة 192 عضوا، وهذا ليس ناديا حصريا، وميزته في أنه لا يوجد أحد خارجه. حقيقة انه في اول مرة في التاريخ تلتقي كل دول العالم الواحدة مع الاخرى، بما في ذلك الأعداء الألداء الذين لا يتبادلون كلمة مع بعضهم البعض، هو التطور المذهل الذي حصل في القرن العشرين بعد أن ذُهل العالم بالوحشية والدمار اللذين حصلا في الحرب العالمية الثانية. يوجد مجال لاجراء اصلاحات كثيرة في الامم المتحدة غير الترميم الذي يجرى في مبناه هذه الايام. ولكن مع كل الصدق، اذا كان علينا ان نختار بين عالم ليس فيه منظمة دولية ولا يمكن أن نوجد فيه حتى منصة لأن نُسمع صوتنا أمام الآخرين، وبين عالم توجد فيه مثل هذه المنظمة، يُخيل لي أن قلة فقط منا كانوا سيختارون الخيار الاول.