أسرائيل تريد دولة فلسطينية ولا تريد ، تريد سلطة ولا تريد ، تريد حلا ولا تريد ، تريد سلاما ولا تريد ، أسرائيل تريد أنهاء الصراع والتسليم بحقها فقط فى الوجود ، وتريد ألأرض كلها دون أشخاص عليها . فمن منظورها يمكن أن تتحكم فى ألأرض ، لكنها لا يمكن ان تتحكم فى ألأشخاص ، أو حتى تعيلهم وتتحمل مسؤوليتهم ، فالفسطينيون يتوالدون بنسبة مرتفعة لدرجة أن عدد سكانهم يزيد الى درجة لا تقلق أسرائيل فقط بل قد تهددوجودها وبقائها كدولة يهودية . تعرف أسرائيل قبل غيرها ان السلام يعنى أستحقاقات سياسية على ألأرض ، فلا يوجد سلام بدون حقوق أو بدون أرض ، وكيف ذلك وهى ترفض فى داخلها الدولة الفلسطينية ، وتسعى للأحتفاظ بالأرض . وتدرك او هى ترى كذلك أن العرب والفلسطينيين يضمرون غير ما يعلنون عنه ، وحتى لو سلموا بيهوديتها فإنهم ينتظرون اليوم الذى يتخلصون منها ، ولذلك تصر أسرائيل على ألترتيبات ألأمنية ، وعلى فرض سياسة القوة ، وألأحتفاظ بالقوة ألأكبر فى المنطقة ، هذا هو الخيار الوحيد لضمان أمنها وبقائها ، أسرائيل تعانى من عقدة نقص فى المسائل ألأمنية ولا تثق ألا فى قدراتها الذاتية ، حتى تحالفها مع الولايات المتحده تدرك أنه قد يأتى الوقت الذى قد ينهار فيه هذا التحالف . القاعده ألأمن بالمفهوم الذاتى ، ولذلك لن يسمح للدولة الفلسطينية أن تقوم ألا فى سياق هذا الفهم . إنها إذن مشكلة أنعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين وهذا ما تؤكده أستطلاعات الراى فى الجانبين الفلسطينى وألأسرائيلى ، فالأسرائيليون لا يثقون بالفلسطينيين وقدرتهم على قيام دولتهم وعدم تحولها فى المستقبل ألى نقطة أنطلاق لقوى التشدد والأرهاب حسب توصيفها ـ ولحل هذه المشكلة لا بد من تواجد أسرائيلى عسكرى فى بعض المناطق التى ستقوم عليها الدولة الفلسطينية وتحديدا منطقة ألأغوار التى تربط فلسطين بالأردن وهذا التواصل والتكامل يتعارض مع بقاء أسرائيل وامنها ، ومن يضمن أن تقيم هذه الدولة تحالفات مع دول معادية لأسرائيل ، والحل أيضا عدم السماح لهذه الدولة ان تقيم علاقات عادية مع الدول ألأخرى ، أو تقيم تحالفات أمنية . وقد يكون الرد على ذلك بسيط وهى أن الدولة الفلسطينية ليست معنية بإمتلاك قدرات عسكرية هى فى غنى عنها لسبب واحد وهى أن قوة الفلسطينيين مهما وصلت لن ترقى الى واحد على عشرة من قوة أسرائيل ، والبديل لذلك تخصيص ألأموال للبناء والتنمية ، وهذه وجهة نظر سليمة الى حد بعيد ، يمكن تصور القبول بترتيبات أمنية ، لكن قد يكون من الصعب تصور تواجد عسكرى أسرائيلى ،بسبب انعدام الثقة ، وبسبب ان الفلسطينيين يحملون صورة ألأحتلال لأى تواجد أسرائيلى ، وهنا البديل الثالث قد يكون مقبولا , والنقطة المهمة أين المصلحة الفلسطينية ، ؟ . أعتقد ان قيام دولة فلسطينية بحدود معروفة ومعترف بها يشكل أنجازا سياسيا كبيرا ، يفوق اى ترتيبات أمنية ، بمعنى المفاضلة هنا لدولة الفلسطينية وليس للترتيبات ألأمنية ، المهم أن تقوم الدولة وتقبل بها أسرائيل ، لأن قيام الدولة يعنى تسليم أسرائيل بحدودها غير المعلنة حتى ألأن بطريقة رسمية ، بعدها أسرائيل حرة فى تسمية نفسها ما تريد . والفلسطينيون من ناحيتهم لا يثقون فى سياسات أسرئيل ،ونواياها الحقيقية ،ألم يفاوضوا لأكثر من ستة عشر عاما ، ووعدوا بدولة ، وحتى ألأن لم تظهر هذه الدولة ، ,أسرائيل مستمرة فى سلطة ألأحتلال ، وفى مصادرة ألأرض ، وفى ألأستيطان ، وفى رفض أى تعامل مع قضية أللاجئيين او غيرها كالقدس، وحتى ألأسرى بدلا من أن يتناقصواوتفرج عنهم ، يتزايد عددهم كل يوم . إنها مرة أخرى مشكلة ألأمن من منظور أسرائيل ومشكلة أنهاء ألأحتلال ألسرائيلى وقيام الدولة ، هذه ألأشكالية هى فى حاجة الى حل ، والحل هنا ليس صعبا ،اما وضع الشروط المسبقة التى تنسف اى معنى حقيقى للمفاوضات من الجانبين ، ستعنى أستمرار ألأحتلال ،وأستمرار معاناة الشعب الفلسطينى ، وعدم قدرته على ممارسة حقوقه المشروعة من خلال دولته المستقلة . ويتطلب الوصول الى حل الى هذه ألأشكالية التخلص من حالة انعدام الثقة ، ومن المدركات والتصورات السلبية الت يحملها كل طرف أزاء الآخر ، واحتواء لكل الأتجاهات العدائية والمتشدده ، وووضع حد لحالة الكراهية والرفض ، وعدم التسامح ، والبحث فى حلول واتفاقات مصلحة مشتركة ، وبعده يمكن تصور التغير فى هذه المدركات والتصورات . ولعل الخطوة ألأولى فى هذا الطريق الطويل تكمن فى انهاء ألأحتلال ومساعدة الفلسطينييين على قيام مؤسساتهم وبنيتهم التحتية تمهيدا لقيام الدولة الفلسطينية ، وعلى الطرفين الفلسطينى والأسرائيلى أن يدركا أن كل الخيارات البديلة للمفاوضات والسلام ، أو لأنهاء ألأحتلال وقيام الدولة الفلسطينية سيكون ثمنها عاليا ، وستعنى أستمرار الصراع بكل ابعاده وتداعياته الخطيرة ، فلا أسرائيل يمكن أن تظل سلطة أحتلال الى ألأبد ، ولا الفلسطينيين يمكنهم أن يعيشوا فى هذه المعاناة الى ألأبد . أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com