الانقسام وبدون أدنى شك سينتهي , والمصالحة وإن طال انتظارها ستأتي , والأمل بالرغم من كل الظروف النكدة سيبقى هو الأقوى , لأننا وباختصار شديد نعتقد بأن هذا الانقسام هو حدث طارئ على الشعب الفلسطيني وليس من عميق الثقافة الفلسطينية , وبالتالي لابد أن نستعد لمرحلة ما بعد المصالحة ولن تبقى كتاباتنا وتحليلاتنا أسيرة الوضع الراهن والتعامل معه وكأنه وضع طبيعي دائم , ويجب أن يسوقنا تفكيرنا لمحاولة صياغة المستقبل وما هي الخيارات المتوقعة لمرحلة ما بعد التوقيع على ورقة المصالحة الفلسطينية ؟ , كثيرون هم الذين كتبوا وحللوا الوضع الراهن بكل تفرعاته وتشعباته , ولكن ماذا عن المستقبل , وما هو شكل وطبيعة المرحلة القادمة والخيارات الماثلة أمامنا . عند الحديث عن الخيارات المستقبلية – حسب معطيات الواقع المعاش – فهي فى مجملها لا تبشر بكثير من الخير , ولكن باعتبار أننا نعيش فى منطقة تحمل عوامل التغيير فى ذاتها والتوقعات متناقضة والمواقف سريعة التغيير حسب سرعة الأحداث العاصفة , ولأن منطقة الشرق الأوسط حبلى بأحداث كبيرة متوقعة قد تساهم فى تغيير خارطة المنطقة بأكملها سواء من ناحية التحالفات السياسية أو متغيرات أكبر من ذلك وتحمل فى طياتها بذور إسقاط أنظمة وزوال كيانات قائمة , وهذا بالتأكيد سيعكس ذاته على مجريات القضية الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية الداخلية سواء سلبا أو إيجابا . ونستطيع وفق المعطيات الجارية أن نضع عدة خيارات متوقعة حول مستقبل الوضع الفلسطيني بعد توقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية , وسنلاحظ فى كافة الخيارات وجود عنصر دائم الحضور ومؤثر بشكل مباشر فى كل خيار وهو الموقف الإسرائيلي من مجريات الأحداث وسيبقى عاملا أساسيا ومحورا ولاعبا مهما فى المعادلة الحالية . الخيار الأول /هذا الخيار الذي يتمناه ويعمل على تحقيقه كل مواطن فلسطيني وهو أن تنجح الجهود المبذولة حاليا فى التوصل الى حالة من التوافق الوطني بين الفريقين الأساسيين المتخاصمين – فتح وحماس – ويتم التوقيع على الوثيقة المصرية للمصالحة مع وجود توافق دولي على إتمام بنود المصالحة وستلعب مصر والجامعة العربية دور محوري أساسي مع موافقة أمريكية وأوروبية لعدم إفشال تطبيق بنود المصالحة على الأرض خاصة من الطرف الإسرائيلي .وفى هذه الحالة سيؤدي الي تشكيل حكومة وفاق وطني من أكاديميين ومهنيين لمدة محددة لا تتجاوز العام يكون مهمتها الإشراف على توحيد مؤسسات السلطة وإتمام إعادة الأوضاع الى سابق عهدها ومعالجة كافة السلبيات ووضع خطة متابعة مشروع إعمار غزة , والإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية .وهذا الخيار فى حال نجاحه سيؤدي الى إعادة رسم الوضع الفلسطيني من جديد , وهناك عدة احتمالات لهذه الصورة منها /تحقيق كلا من حركتي فتح وحماس نتائج متقدمة فى الانتخابات التشريعية القادمة تؤدي الى تحالف بينهما لتشكل الحكومة , أو عدم قدرة أي منهما لتشكيل الحكومة وظهور قوة ثالثة أو مجموعة قوى جديدة يمكن التحالف بينها لتشكيل الحكومة سواء مع فتح أو حماس وهذا الاحتمال الأقوى / أو قدرة أحد القوتين لتحقيق أغلبية برلمانية يمكنه تشكيل الحكومة بشكل منفرد وهذا خيار ضعيف . الخيار الثاني /نجاح الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة والتوقيع على الوثيقة المصرية ولكن بدون دعم دولي وهذا سيؤدي الى استمرار الوضع الراهن ولكن بصورة أفضل مما عليه اليوم , وهناك احتمالين وهو إما بقاء حكومة فى غزة وأخرى فى رام الله مع تشكيل لجنة عليا لتنسيق المواقف بدرجة ما بينهما كما ورد فى الورقة المصرية – وهذا الاحتمال الأرجح - .أو النجاح فى تشكيل حكومة متفق عليها للسلطة مع عدم القدرة على إجراء الانتخابات , بسبب رفض حكومة اليمين الإسرائيلي أن تشمل القدس أو أسباب أخرى وبالتالي تأجيل الانتخابات الى فترة لاحقة والاتفاق على تفعيل المجلس التشريعي الحالي والتمديد للرئيس ضمن توافق وطني عام . الخيار الثالث /بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه وفشل الحوار وازدياد القطيعة , واستمرار المناكفات الحالية مع الارتهان الى حالة الانقسام العربي , وتنفيذ ما يريده الكيان الإسرائيلي من مخططات على الأرض من خلال المكابرة الحزبية وتحقيق أهداف ذاتية والاكتفاء بالإنجازات الوهمية لدى طرفي الانقسام , حكومة رام الله ستستمر بالتغني بتحقيق المشاريع الاقتصادية والخدماتية وتدريب الأجهزة الأمنية والمفاوضات السياسية بين مد وجزر , وكذلك حكومة غزة ستتغنى بتحدي الحصار وتحقيق الأمن الداخلي وإدارة الأمور بطريقتها ولديها ما تقوله فى هذا الجانب , وسيستمر هذا الوضع الى أن يحدث متغيرات إقليمية صعبة مثل الحرب مع إيران أو العدوان على غزة بهدف تغيير الوضع القائم بعد أن يكون الكيان الإسرائيلي قد استنفذ أغراضه من الوضع القائم , واللجوء لسياسة الفوضى الخلاقة , وهذا الخيار ليس قويا لأنه أصبح هناك مصلحة مشتركة بين الأطراف المعنية بإنهاء الوضع القائم فى قطاع غزة من خلال عودة السلطة برئاسة الرئيس محمود عباس حتى لو تحت شعار الشراكة السياسية , لأن هناك خشية أن يتحول قطاع غزة الى ثكنة لا يمكن السيطرة عليها مستقبلا إلا بدفع ثمن باهظ كما هو الحال مع حزب الله اللبناني , ولم يعد استمرار الوضع فى قطاع غزة يلاقي ارتاح أطراف إقليمية فى المنطقة لأنه يسبب تهديد أمني وسياسي لبعض الأنظمة , ومن هنا فإن هذا الخيار لن يصمد طويلا بالرغم أنه يستهوي بعض الأنظمة العربية - ومحور الممانعة – لأنه يحقق أهدافا مرحلية . الخيار الرابع /الحرب على غزة من جديد وضرب أهداف محددة لإضعاف الجهاز العسكري لحركة حماس وليس إسقاطها كليا , وقد يؤدي هذا الى اضطرار حركة حماس لتجاوز خلافاتها مع فتح , وتشكيل قيادة وطنية موحدة لمواجهة الحالة الجديدة , وهذا الخيار بدأت بوادره فى الأفق عند متابعة التصريحات العسكرية الإسرائيلية والحديث المتكرر حول امتلاك حماس لأسلحة متطورة ونجاحها فى امتلاك صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي وقدرتها على استهداف مواقع عسكرية بشكل أكثر دقة من السابق , توحي بقرب توجيه ضربة عسكرية قوية بعد تهيئة الأجواء لدى المجتمع الدولي والمحلي مثلما فعلت فى مرحلة ما قبل العدوان الأخير على قطاع غزة , وقد يكون الكيان الإسرائيلي أكثر حاجة لهذا العدوان فى هذه المرحلة بهدف إعادة بعثرة الأوراق بعد الانتكاسة التى أصابت المفاوضات المباشرة مع القيادة الفلسطينية وحاجتها لتخفيف الضغوط المتوالية عليها وصرف الأنظار عن قضية الاستيطان لمرحلة جديدة ودفع حزب كاد يما للانخراط فى الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو تحت حجة أمن إسرائيل فى خطر .هذا الخيار منسجم مع كثير من المعطيات الراهنة ولكن قد يكون نتائج هذا الخيار غير ما تريده إسرائيل وهو دفع الفصائل الفلسطينية على تنسيق المواقف لمواجهة التحديات التى تواجه المجموع الفلسطيني , وهو خيار ممكن الحدوث واحتمالاته تزداد قوة . الخيار الخامس / فوضى فى الضفة الغربيةقد تلجأ إسرائيل الى قلب أوراق اللعبة من خلال رفع يدها وغض الطرف عن تصاعد قوة حماس العسكرية فى بعض مناطق الضفة الغربية – كما حدث فى قطاع غزة – واستغلال أخطاء قد تقع بها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية مثل استشهاد أحد معتقلي حماس جراء التعذيب أو حدث ما شبيه بذلك – سيكون لإسرائيل اليد في فعله - وهنا قد تنفجر الأوضاع في بعض قرى أو مدن الضفة الغربية , وتتمكن حماس من السيطرة على بعض المواقع الأمنية والمدنية هناك , وتتعامل إسرائيل مع الأوضاع وكأنه شأن فلسطيني داخلي , وهنا تحقق أحد أهم أهدافها وهو غياب الشريك الفلسطيني وعدم قدرة الرئيس محمود عباس السيطرة على مناطق السلطة وبالتالي إعلان وقف المفاوضات السياسية مع الجانب الفلسطيني وطلب مساعدة الدول الصديقة للتدخل لمنع الحرب الأهلية الفلسطينية , وتجد الحجة لفرض حصار جديد على مناطق الضفة الغربية مع السماح فقط بإدخال المساعدات الإنسانية عبر وكالة الغوث وتوسيع صلاحيات مدير الوكالة جون كينغ ليصبح المندوب السامي ليس فقط لقطاع غزة بل ستمتد نفوذ الإغاثة الى الضفة الغربية , مع الموافقة للمملكة الأردنية من لعب ذات الدور أيضا .هذا الخيار احتمالات حدوثه ضعيفة , وإن حدث سيكون بشكل محدود جدا ولوقت محدود لتحقيق أهداف سريعة وهي مجرد رسائل فقط , بسبب التداخل الأمني والجغرافي لمناطق السلطة مع الأمن الإسرائيلي وخاصة المستوطنات الكبرى المتاخمة لكافة محافظات الضفة الغربية بعكس الحال فى قطاع غزة .هذا السيناريو فى حال حدوثه يكون الهدف منه فقط ابتزاز موقف سياسي من الرئيس محمود عباس ونجاحه مرتبط بالخيار السادس . الخيار السادس / موافقة حماس على خوض مفاوضات مع الجانب الإسرائيليهذا الخيار وإن كان احتمالاته ضعيفة حتى هذه اللحظة ولكن فى عالم السياسة كل شيء ممكن , فهذا قد يكون مفتاحه المفاوضات الجارية حاليا بشكل غير مباشر بين حماس والحكومة الإسرائيلية حول قضية شاليط وعملية تبادل الأسرى وقد يكون أحد أسباب إطالة هذه القضية هو عمل ترويض لحركة حماس فى ممارسة المفاوضات الغير مباشرة , وقد تتوسع مفاوضات شاليط لتدخل فى عالم الحلول السياسية وإشراك حماس بها عبر منحها نجاح تفاوضي بهذه القضية مع وعود بنجاح تفاوضي لم تنجح به السلطة على المستوى السياسي , وقد توافق إسرائيل على منح حماس بعض الحلول مقابل هدنة طويلة الأمد قد تكون الحل المرحلي الذي تقبل به إسرائيل .هناك مقدمات لإمكانية نجاح هذا الخيار إذا تابعنا تفاصيل اللقاءات المتواصلة بين قادة الحركة وممثلين عن دول من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وقد تلعب تركيا وروسيا دورا مهما فى هذا الاتجاه والاستفادة من التجربة التركية خاصة وأن نموذج أردوغان أصبح مطروحا لدى الكثير من قادة الحركة والقناعة بسياسته البراغماتية فى التعامل مع المجتمع الدولي , والنجاح فى إيجاد مخارج ممكنة لإشراك حركة حماس فى العملية السياسية بشكل مقنع لها , وهنا قد يتكرر ما حدث مع حركة فتح فى السابق ولكن يمكن على إثر هذا الخيار سرعة التوافق على برنامج سياسي مشترك يحدد التحرك السياسي المشترك والاتفاق على تشكيل وفد مفاوض جديد بمشاركة جماعية . تلك خيارات كلها ممكنة بدرجات متفاوتة فى ظل المتغيرات المتسارعة فى المنطقة , وكل خيار منها يحتاج الى وقفة تحليلية أكير وأشمل حتى يستطيع صناع القرار التصرف وفق هذه المعطيات واختيار القرار السليم لتجنب شعبنا وقضيتنا المزيد من التدهور , وهذا دور المحللين السياسيين ومراكز الأبحاث المختصة . رئيس مركز آدم لحوار الحضاراتwww.imadfalouji.ps