"لا يجوز للحكومة أن تفعل شيئا يسبب عدم ارتياح الجمهور. قلت مرارا كثيرة إن أسعار الماء والكهرباء مرتفعة جدا، واقترحت ألا يرفعوا الأسعار، واذا لم يكن مناص من الرفع، فينبغي بيان ذلك للجمهور وإقناعه". هذا ما قاله آية الله احمد جناتي في خطبة يوم الجمعة في المسجد الكبير في طهران. ليس جناتي اصلاحيا ليبراليا، بل العكس. فعندما أعدمت الحكومة في كانون الثاني من هذا العام متظاهرين، صرح هذا الفقيه بأنه ينبغي الاستمرار على اعدام ناس حتى يختفي الاحتجاج بعد الانتخابات. انه يرأس مجلس حُراس الدستور العظيم القوة، الذي عمله الفحص عن نفاذ القوانين التي يسنّها البرلمان، وهو مُقرّب جدا من احمدي نجاد وأيد سياسته حتى الآن. لكن يبدو أنه حتى جناتي ورفاقه المحافظون المتطرفون يسمعون صيحة الجمهور، ويخشون من أن يُضر الاصلاح الاقتصادي الذي يبادر اليه احمدي نجاد باستقرار نظام الحكم. عندما خطب احمدي نجاد خطبته في بنت جبيل أمام آلاف مؤيدي حزب الله، ولا سيما بعد أن تبيّن أن ايران تنوي منح لبنان قرضا بعيد الأمد قدره 450 مليون دولار، هب في ايران الخصوم والأشياع على السواء، وقالوا كيف يمكن أن تساعد الدولة لبنان في حين يقف الناس في شوارع طهران في صفوف في محطات الوقود لملء أوعية استعدادا للاقتطاع المرتقب من الدعم. إن خطة احمدي نجاد للاقتطاع من دعم الجمهور، الذي يقف اليوم على نحو من 100 مليار دولار كل سنة، أصبحت تثير انتقادا لاذعا في الدولة وفي خطب يوم الجمعة يذكر الخطباء خوف الجمهور من التضخم. على سبيل المثال يقف سعر البنزين للمستهلك اليوم على نحو من عشرة سنتات للتر، وقد يرتفع الى 40 – 80 سنتا. بهذا تنوي ايران الالتفاف على تأثير العقوبات الاقتصادية وتقليل تعلقها بالبنزين المستورد ومنتوجات الاستهلاك من خارج البلاد. ومن اجل تسهيل مواجهة ارتفاع الأسعار تنوي الحكومة، في السنة الاولى على الأقل، تحويل جزء من المال الذي سيتم توفيره الى الجمهور مرة اخرى بواسطة هبات لتركيب معدات وأجهزة توفر الطاقة. وبرغم أن سعر البنزين لم يرتفع بعد، بدأ جو التقسيط يُبدي علاماته، وعلى حسب معطيات وكالة الطاقة الدولية انخفض استيراد البنزين بنسبة 15 في المائة في تموز، ويتوقع أن ينخفض أكثر في الاشهر القريبة. وفي الآن نفسه قررت الحكومة فرض ضريبة قيمة مضافة تبلغ 3 في المائة، وهو قرار جعل تجار بازار طهران يعلنون اضرابا استمر بضعة ايام، طالبين إلغاء الضريبة الجديدة. بحسب تقارير إخبارية من ايران، تمتد في الايام الأخيرة صفوف طويلة أمام آلات الصرافة. يُسارع مواطنون الى إنفاق مال نقدي يشترون به دولارات وذهبا خشية أن تهبط قيمة الريال الايراني أكثر بعد أن انخفضت بنسبة 13 في المائة. يعرض صرافون غير مرخصين دولارات بأسعار أعلى كثيرا من سعر المصارف، لمن يريد الالتفاف على الصفوف هناك، ويشتري الجمهور منهم ايضا. للدولة في الحقيقة احتياطي ضخم من العملة الاجنبية، لكن الجمهور يريد الدولارات في جيبه. سبب عدم استقرار الريال ارتفاع الأسعار، ومن اجل شراء منتوجات استهلاك كبيرة مثل الثلاجات ومكيفات الهواء، يجب التسجيل في الحوانيت وانتظار في الصف الطويل. في الحقيقة أن التضخم مراقب يبلغ نحوا من 10 في المائة، لكن يُخشى أنه اذا استمر الخوف الاقتصادي فسيرتفع مرة اخرى الى النسب العالية التي عرفتها ايران في الماضي. يضمن احمدي نجاد كعادته ألا تؤثر العقوبات في الدولة، ويُبيّن أن مخاوف الجمهور تنبع من دعاية غربية. ويزعم أن ذوي القدرات المحدودة سيحظون بحماية الدولة وأنه توجد خطة مساعدة مفصلة للمحتاجين، لكنه لم تنشر هذه الخطة حتى الآن، وتطلب صحف المعارضة من الرئيس ايضاح تفاصيلها. لا يأتي الانتقاد فقط من صفوف معارضي احمدي نجاد الساسة التقليديين. لانه حتى محافظ مثل محسن رضائي، الذي كان قائد الحرس الثوري ونافس في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، يدعو الحكومة الى الفحص من جديد عن خطة الاصلاحات، لانها اتُخذت قبل أن فُرضت على ايران العقوبات الجديدة. ويقترح رضائي بدل مساعدة الجماعات الفقيرة على نحو مباشر، إنفاق المال على إحداث اماكن عمل جديدة لكن يُشك في أن يُقبل اقتراحه. فخطة احمدي نجاد تتمتع في هذه الاثناء بتأييد الزعيم الأعلى، علي خامنئي، وإن كانت تتضح له ايضا التأثيرات السياسية لوضع لا يستطيع فيه فقراء ايران دفع حساب الماء والكهرباء. بحسب استطلاع عن قسم الابحاث في مجلس النواب الامريكي، تتوقع الخطة الخمسية الايرانية حتى سنة 2015 استثمار نحو من 200 مليار دولار في تطوير حقول نفط وبناء مصافٍ، تحتاج ايران منها الى استثمارات اجنبية تبلغ نحوا من 125 مليار دولار والباقي من مال محلي. لكن العقوبات المفروضة على ايران تُشكك الآن في قدرتها على احراز هذه الأهداف، وعندما يُضاف الى ذلك سياسة احمدي نجاد الاقتصادية الهوجاء، يتوقع لايران فترة اقتصادية صعبة قد تُفضي ايضا الى تحولات سياسية. لن يؤثر كل هذا في الحقيقة في الأمد القريب في استثمارات ايران في لبنان أو في دول امريكا اللاتينية، ولا في التبرعات لمنظمات مثل حماس أو الجهاد الاسلامي، تأتي من صناديق خاصة للحرس الثوري. لكن احمدي نجاد لا يستطيع الاكتفاء بتأييد الجماهير في لبنان، وسيضطر الى أن يفكر كيف لا يخسر تأييد الجمهور العريض في ايران.