خبر : الإدارات الأميركية .. والمسألة الاستيطانية! .. هاني حبيب

الأحد 17 أكتوبر 2010 11:21 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الإدارات الأميركية .. والمسألة الاستيطانية! .. هاني حبيب



عندما أرسلت إدارة أوباما مع بداية الشهر الجاري "خطاب الوعود والنوايا" لتعزيز مطالبتها إدارة نتنياهو بتجميد البناء في مستوطنات الضفة الغربية لشهرين، ذلك الخطاب الذي صاغته إدارة أوباما بحضور وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، كان الهدف منه ــ الخطاب ــ إغراء نتنياهو وحكومته كي تستجيب لهذا الطلب ويقال إن طاقم أوباما فوجئ بالرفض الإسرائيلي لهذا الإغراء الهائل، وقد تم تفسير هذا الرفض، بالفلسفة الإسرائيلية القائمة على مبدأ، ان مَن لديه مثل هذا العرض السخي لديه عرض أكثر سخاء، استخدمت إسرائيل هذا المبدأ خلال عشر سنوات وأكثر من عمر المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وها هي تستخدمه بنجاح كبير مع حليفها الاستراتيجي الإدارة الأميركية!وهذا المبدأ الذي يقوم على أرخص أشكال الابتزاز، كونه يتم مع حليف استراتيجي، كالولايات المتحدة، وليس مع عدو كما هو الحال مع منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها الوطنية، هذا المبدأ، وكما فسرته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، مبرر تماماً من وجه نظر نتنياهو، فعوضاً عن أنه يؤهلها لطلب المزيد من المنح والعطايا والالتزامات، إلا أنه أيضاً، يشير إلى أن القبول بخطاب العطايا والمنح، في هذه المرحلة الأولية من المفاوضات، قد يفقد حكومة نتنياهو الاعتراض وقول "لا" للإدارة الأميركية عندما تصبح المفاوضات أكثر جدية لدى تناولها الملفات العالقة والمعقدة، إذاً من الأفضل عدم مجاراة واشنطن منذ البداية، وكي تعرف أن إسرائيل لا تساق وراء الحليف الاستراتيجي، وبإمكانها دائماً أن تقول: "لا"!ورغم معرفة نتنياهو وطاقمه الوزاري، ان هذا العناد سيوتر العلاقات مع الحليف الاستراتيجي، بل ويزيد من عزلة إسرائيل على النطاق الدولي، ذلك ان الرأي العام كما الحكومات باتت تستشعر عدم توفر إرادة حقيقية لدى إسرائيل للمضي قدماً في عملية تفاوضية جدية، رغم ذلك لم تتراجع إدارة نتنياهو عن التمسك بمبدأ الابتزاز المتتالي للإدارة الأميركية الحليفة’ بل توجيه الصفعات المتلاحقة لها، وجرها بالمعنى الزمني حتى بداية شهر تشرين الثاني القادم، موعد الانتخابات التشريعية النصفية في الولايات المتحدة، حيث هي فرصة زمنية لمزيد من الابتزاز المترافق مع التصلب والعناد، وتجاهل ما يسببه ذلك من إحراج مخز وإضعاف لإدارة أوباما، داخل الولايات المتحدة كما في خارجها.ويقال إن هذه الإدارة، منحت إسرائيل من خلال خطاب النوايا، أكثر مما منحته أية إدارة أميركية سابقة، خاصة إدارتي بوش الثاني وريغان، الجمهوريتين، فإضافة إلى هذه المنح الهائلة والالتزامات الكبرى، هناك ما يشبه الاعتراف من قبل إدارة أوباما بشرعية العملية الاستيطانية، خاصة في مدينة القدس المحتلة، عندما تراجعت إدارة أوباما سابقاً عن مطلبها بوقف –وليس تجميد- الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، والإشارة فيما بعد إلى ضرورة وقف الاستيطان، ثم تجميده في الضفة الغربية فقط، والتراجع عن هذا الموقف، بمطالبتها بتجميد جزئي مؤقت لمدة عشرة أشهر في الضفة الغربية، ثم تراجعها عن هذا للمطالبة بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية لمدة شهرين فقط.وهذا المطلب الأخير، اقترن بخطاب النوايا والالتزامات الهائلة، والذي لم يجد آذاناً صاغية لدى حكومة نتنياهو.. خلال كل تلك الفترة، ظلت العملية الاستيطانية بنظر إدارة أوباما مجرد عقبة أمام العملية التفاوضية، وكانت تتناول عدم شرعيتها بكثير من التردد والخجل، وهذا المسلسل من التراجعات الأميركية إزاء المسألة الاستيطانية، يمكن ترجمته عملياً من خلال إدارة نتنياهو، بأن الاستيطان شرعي وحق من حقوق الدولة العبرية، وان المطلب الأميركي "بالتنازل" عن هذا الحق، يبرر لها عدم "التنازل"، رغم ان هذه الحكومة قد وعدت مراراً وتكراراً بتنازلات مؤلمة (!) تعاطي إدارة أوباما مع العملية الاستيطانية وفقاً للسياق الذي حدث يوفر لحكومة نتنياهو المزيد من التصلب والعناد، ولو كان الأمر غير ذلك، أي اعتبار الاستيطان غير شرعي، وعدم الاكتفاء بوقف أو تجميد الاستيطان فحسب، بل إزالة المستوطنات والانسحاب من الأراضي المحتلة، لكان الأمر مختلفاً تماماً، حتى لو لم تستجب إسرائيل لمثل هذا الأمر، كل سياق الضغط الأميركي سيختلف تماماً عما هو الأمر عليه الآن.والواقع أن المسألة الاستيطانية، ظلت مدار تباين إزاء الموقف منها من قبل مختلف الإدارات الأميركية السابقة، وعندما حدث الخلاف حول هذه المسألة بين بوش الأول وحكومة شامير في التسعينيات، اعتمدت إدارة بوش على اتخاذ موقف من هذه المسألة على المادة 49 من ميثاق جنيف الرابع، وعلى تفسيره من قبل العميد السابق لكلية الحقوق في جامعة "بيل" ونائب وزير الخارجية في عهد إدارة الرئيس جونسون, "يوجين روستو"، وذلك شرح مصطلح نقل Transfer، بمصطلح الإبعاد القسري، وهناك خلاف باللغة العربية بين المصطلحين كما هو واضح، مشيراً إلى عدم شرعية الاستيطان، وفي عهد كارتر كان الأمر مشابهاً، لذلك صوتت الولايات المتحدة، سواء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو مجلس الأمن، لصالح قرارات اعتبرت المستوطنات غير قانونية، وهناك قرار من قبل مجلس الأمن، صوتت إلى جانبه الولايات المتحدة ويأخذ الرقم 465، يدعو إلى فك المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس، إلاّ أن الرئيس ريغان فيما بعد لم يعتبر المستوطنات غير شرعية، بل مجرد: "استفزاز زائد"، وتبنت الإدارات اللاحقة هذا الموقف، على الرغم من أن كافة الإدارات لم تلتزم بوعود قدمتها للوبي الصهيوني بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.وباعتقادي أن المسألة الأهم في هذا السياق، هي ما يتعلق بالرأي العام الإسرائيلي، الذي أصبح مؤيداً أكثر من أي وقت مضى، للعملية الاستيطانية، ويشار بهذا الصدد، إلى أن سكان المدن الكبرى في إسرائيل، كانوا في غالبيتهم ضد الاستيطان والمستوطنين، إلا ان العمليات الاستشهادية، جعلتهم تحت نيران المقاومة، مثلهم مثل المستوطنين، ولو أن الامر اقتصر من الناحية التكتيكية على مواجهة مع المستوطنات والمستوطنين، لكان الأمر على خلاف ذلك.وقول على قول، فإن أحد القواسم المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ان قيامها تم على اساس الاستيطان، هما دولتان استيطانيتان بامتياز، وهو ما يوحدهما من الناحية النفسية في عديد من الأمور، وربما يفسر نسبياً بعض المواقف التي نجدها أحياناً مستغربة!!www.hanihabib.net هاني حبيب