خبر : حماس و"المشروع الحضاري الإسلامي" ومطاردة المرأة! .. د. خالد الحروب

الخميس 14 أكتوبر 2010 02:38 م / بتوقيت القدس +2GMT
حماس و"المشروع الحضاري الإسلامي" ومطاردة المرأة! .. د. خالد الحروب



 أدبيات الإسلامويين وتنظيراتهم, كما هي أدبيات وتنظيرات الأدلجة عند غيرهم, تعج وعودها وتعبيراتها الكبيرة باليوتوبيا المتعالية. من التعبيرات الشائعة التي تتردد في تلك التنظيرات مقولة "المشروع  الحضاري الإسلامي" بكونه جوهر ما تستهدف تحقيقه, أو إستعادته, الحركية الإسلاموية الراهنة. تنتسب هذه المقولة إلى قاموس طويل من التعبيرات الفضفاضة الجذابة للجمهور العام والبراقة المظهر في الخارج, ورأسها "الإسلام هو الحل", لكنها الفقيرة من ناحية الجوهر. بيد أن محاكمة الإسلامويين يجب أن لا تتم تبعا لمقولاتهم وشعاراتهم التي يطالبون بها ذاك أن من حقهم إطلاق ما يريدون من شعارات والدعوة إليها, من ناحية ديموقراطية صرفة. الأهم والأدق موضوعيا هو المحاكمة على الممارسة وأرض الواقع. وما أتاحته الممارسة الإسلاموية حتى هذه اللحظة لا يشير إلى أي إنجاز حقيقي على الأرض في تحقيق "مشروع حضاري ما" أو حتى التوجه نحوه. ما بين ايدينا هو تجارب عملية متعددة: إسلاموية حركية وصلت إلى الحكم والسيطرة في منطقتها مثل إيران, افغانستان, وبعض أقاليم الحكم الذاتي في ماليزيا وأندونيسيا, وقطاع غزة, وإسلاموية حركية وصلت إلى التأثير في القوانين بشكل مباشر (برلماني) أو غير مباشر (حشد شعبي وإعلامي) مثل العديد من الدول العربية والإسلامية (الكويت, اليمن, الأردن, مصر, المغرب, باكستان, الجزائر, اليمن, الخ).         من الحركات الإسلاموية المسيطرة في بعض أندونيسيا إلى الحكم (الإسلامي) في السودان وحتى حماس في قطاع غزة, يكاد يبتلع هاجس المرأة كل شعارات "المشروع الحضاري الإسلامي" ويقزمه في عيون مؤيديه إلى كيفية مطاردتها ومحاصرتها وفرض القيود عليها. في السودان يتجه البلد نحو التمزق والتقسيم تحت ظل "الحكم الإسلامي" لأن الولع بالإمساك بفرض القيود على المجتمع يتقدم على أولوية الوحدة الوطنية. ففي اكثر من مرحلة, وكما يؤرخ عبد الوهاب الأفندي المطلع على التجربة السودانية, رفضت حكومة البشير (ومنذ مفاوضات الإيقاد سنة 1994 وحتى الآن) القبول بشراكة وطنية تحفظ الوحدة الترابية للسودان مع الجنوب مقابل عدم تطبيق الشريعة والقبول بنظام علماني في البلد يحفظ حقوق الجميع. منظري "المشروع الحضاري الإسلامي" فضلوا الحرب وتقسيم البلد بدعوى تطبيق الشريعة, التي اختزلت هي الأخرى في مطاردة مرتديات البنطال في الخرطوم, إضافة إلى إتساع طبقة المنتفعين والقطط السمان من اسلامويي القطاع الخاص. وفي وقت قد تلحق فيه عدوى التقسيم التي حلت بالجنوب غرب السودان ودارفور ترتفع أصوات وعقائر الإسلامويين متهمة الغرب بالتآمر لتقسيم السودان, دفعا للتقصير الذاتي والمسؤولية الحقيقية دوما إلى الخارج.           في قطاع غزة لا يحتاج الزائر إلى دقة ملاحظة كي تكرار حماس ببلاهة ما قام به إسلامويون عديدون في أكثر من مكان – الإنهماك في أمور ثانوية وهامشية محطها مطاردة المرأة, على حساب أولويات كبرى وضاغطة. لا يعني هذا أن تحقيق تلك الأولويات يشرعن فتح المجال للقبول بما يتم فرضه على النساء هناك, فهي سياسات مرفوضة أيا كان زمنها ومكانها وظرفها. لم يعد للتساؤل الذي رافق سيطرة حماس على الحكم في قطاع غزة وفيما إن كانت ستنهج نهجاً أردوغانيا أم طالبانيا أي معنى عملي, إذ حُسمت الإجابة عنه بالخيار الثاني. ما يحدث في قطاع غزة من ناحية الأسلمة المفروضة وقمع الحريات الإجتماعية والثقافية والإعلامية التي لا تنسجم مع رؤية حماس هو أمر خطير ومرفوض ويكرر تجربة الأنظمة الشمولية والإستبدادية ولكن برداء ديني.           في ظل حصار همجي وغير إنساني يمثل جريمة ضد الإنسانية تشارك فيها دول العالم الكبرى, تزيد حماس من معاناة الناس في مطاردة مظاهر إجتماعهم العفوي, وتغيير ما تعودوا عليه لقرون طويلة. أعراسهم ولقاءاتهم وإختلاطهم ووضع المرأة بينهم هي توافقات إجتماعية وطبقية وظرفية لا دخل للقانون في تحديد شكلها. عندما يضطر الأزواج والخاطبون إلى الإحتفاظ بعقود الزواج في جيوبهم أثناء تنقلاتهم خشية إقتحام مسلح ما جلستهم والسؤال عن علاقتهم ببعضهم البعض, فإن ذلك معناه إنحدار مخيف في قيم ونمط الحياة الفلسطينية لم يكن موجودا على الإطلاق. عندما تُطاردُ دراجات هوائية سيارة عائلية تجلس فيها إمرأة بجانب رجل يمد ذراعه على متكىء الكرسي خلف رأسها وتوقفها وتقودها إلى مركز الشرطة فإن ذلك "عسس" سخيف على حياة الناس. وعندما يتم إيقاف شقيق وشقيقته في طريقهما للبيت ليلا لأنهما لا يحملان هوية بما يثبت "العلاقة الشرعية" بينهما فإن ذلك ممارسة طالبانية لا مماراة فيها. سلسلة طويلة من الممارسات تبدأ بفرض غير مباشر للحجاب على طالبات المدارس (من دون مستمسكات إدارية وتعليمات مكتوبة), إلى مطاردتهن في المطاعم والمقاهي, إلى حظر تدخين النرغيلة, وصولا إلى "تفتيش" الكمبيوترات الخاصة بحثا عن صور وأفلام مخلة بالأخلاق.   قدرات طالبان التقنية لم تتح لهم ما تتيحه قدرات حماس التقنية الآن. فحماس التي طورت الكثير من تلك القدرات بإبداع ينتزع الإعجاب في مجال تصنيع الصورايخ وصد الإختراقات الأمنية الإسرائيلية وأستخدام التكنولوجيا الحديثة, تستخدم الآن الكثير من تلك القدرات لضبط ومراقبة المجتمع الغزي بأبوية تثير الإشمئزاز. لماذا تقوم حماس بذلك وهي تدرك ما يجره عليها من نقد وخسارات؟ كيف يمكن أن نفهم أولوية فرض الأسلمة في حين يتم تأخير أن اولوية إعمار قطاع غزة بعد الحرب, مثلا, وإنفاق مئات الملايين وبناء مئات البيوت المدمرة لا تلح على حكومة حماس بسبب المناكفة مع حكومة رام الله حول من يسيطر على المال وآليات الإنفاق؟ هل يُختزل "المشروع الحضاري الإسلامي" في فهم حماس إلى مطاردة المرأة والأسلمة المفروضة, في جزء مقسوم من الوطن الكل؟ هل السيطرة والأسلمة تُقدم على الوحدة الوطنية جريا وتساوقا مع المثال السوداني المدمر؟           هناك تفسيران قد يُساعدان في فهم مآلات حماس الطالبانية على المستوى الإجتماعي. الأول هو تآكل الفكر الإخواني المعتدل في داخل حماس لصالح الفكر السلفي المتشدد. خلال ثلاثة عقود أو أزيد تصاعد تأثير السلفية الوهابية داخل حماس نتيجة ذلك أن عددا متزايدا من المتنفذين فيها الآن هم من خريجي الجامعات السعودية الذين التحقوا بها في منح دراسية وتسهيلات مالية, وعادوا إلى القطاع بعد سنوات عدة متشربين الفكر السلفي. لذلك فإن من يحاول نقض "طلبنة" حماس لقطاع غزة على أساس ان الحركة تنتمي إلى فكر الإخوان المسلمين الإجتماعي لا يعرف ماذا يحدث على الارض. الأمر الثاني هو ان ظروف الحصار والمواجهة التي فُرضت على الحركة بعد فوزها في الإنتخابات, ثم توقف "المقاومة" بعد الحرب الإسرائيلية الوحشية, وبروز مظاهر فساد عند بعض مسؤوليها, ثم ما يرافق تجربة أي حكم من محسوبيات وسواها, قاد بمجمله إلى زيادة وتائر نقد الجماعات الصغيرة الأكثر تشددا لحماس, ونقد كثير من أفراد حماس لها أيضا, واتهامها بالإبتعاد عن "النهج الإسلامي وعدم إقامة حكم الله في الأرض". للرد على ذلك تتشدد حماس في الأسلمة الإجتماعية لتثبت أنها الأكثر أسلمة وتمسكاً بالشعارات التي كانت ترددها. لكن خلاصة ذلك كله مريرة وهي أن "المشروع الحضاري الإسلامي" والمقولات الكبيرة التي يرددها الإسلامويون هنا وهناك ليقولوا بأنهم البديل لما هو قائم, يتأكد يوما إثر يوم أن جوهرها لا يتخطى الغرق في الهامشيات, وهذه الهامشيات يحتل لباس المرأة وسلوكها يحتل رأس الأولويات فيها.  –كامبردج Email: khaled.hroub@yahoo.com