في مقال, بالكاد التفت اليه أحد من العاملين في وسائل الإعلام العربية والفلسطينية, كتب وزيرا خارجية فرنسا واسبانيا, برنار كوشنير وميغيل موراتينوس, ما يشبه الاعلان السياسي لموقف اوروبا حيال المفاوضات المتوقفة عملياً على الملف الفلسطيني – الاسرائيلي, كان ذلك في صحيفة لوموند الباريسية في الحادي والعشرين من شباط هذا العام, اسرائيل رفضت ما جاء في هذا المقال – البيان, بينما السلطة الوطنية الفلسطينية التي يبدو لم تطلع عليه, تجاهلت, وبقيت عند حدود الترحيب بالموقف الاوروبي بشكل عام, لكنها – السلطة الوطنية الفلسطينية, وفي خطوة غير مسبوقة, تبنت ما جاء في هذا البيان – المقال, عندما اعتبرت مضمونه احد اهم الخيارات في مواجهة انسداد العملية التفاوضية جراء استمرار الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية بما فيها القدس (في هذا السياق ننصح بعدم استخدام مصطلح "الضفة الغربية والقدس" بل "الضفة الغربية بما فيها القدس".استند المقال المشار اليه الى ان الوقائع التي نجمت عن التوسع الاستيطاني في المناطق المحتلة لم تترك سبيلاً واقعياً أمام استمرار عملية تفاوضية جادة, وإخفاق الادارة الاميركية في اقناع اسرائيل بالكف عن هذه السياسة, سيطيح بخيار الدولتين الذي بات موقفاً دولياً, إذ ان ذلك سيحول دون ان يبقى للفلسطينيين ما يقيمون عليه دولتهم القابلة للحياة, وعليه لم يتبق سوى خيار دعم اعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد في الامم المتحدة.الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي, لم يعلق على أفكار وزير خارجيته, وفهم من ذلك ان الرئيس الفرنسي يدعم هذا الموقف, إن لم يكن وراءه فعلاً, وقد تعزز هذا الفهم, عندما نشرت صحيفة "الكنارانشينه" ان ساركوزي علق أمام اجتماع مجلس وزرائه قبل ايام قليلة من جولة وزير خارجيته في الشرق الاوسط, ان مهمة المبعوث الاميركي الخاص الى المنطقة جورج ميتشل "ليست نافعة" وان المبادرات الاميركية المتتالية لم تنجح ولم تحرز أي تقدم طيلة عشر سنوات.تعليق الرئيس الفرنسي, ربما جاء بعد الحديث المطول الذي أجراه مؤخراً مع الرئيس الفلسطيني ابو مازن في الإليزيه, الذي قال ان مساهمة اوروبا في العملية السلمية يجب ان لا تقتصر على تمويل الدولة الفلسطينية, ومن حق اوروبا وفرنسا ان تكون حاضرة في العملية التفاوضية, ذلك ان الصراع العربي – الاسرائيلي ينعكس أمنياً وسياسياً على كل اوروبا, وهذا ما استند اليه كوشنير عندما تحدث الى "الأيام" مستبقاً مباحثاته مع الجانبين, قائلاً "ان الاسرة الدولية لن تقبل باستمرار الانسداد في المفاوضات الى ما لا نهاية, وأعتقد أننا لن نستبعد خيار اللجوء الى مجلس الأمن" ووصول كوشنير مع وزير الخارجية الاسباني الى المنطقة له دلالته في هذا السياق, كون اسبانيا تترأس الاتحاد الاوروبي, وبالتالي فإن هذا الجهد سيكون برسم الاتحاد الاوروبي وليس مجرد مواقف لدول محددة, ومن هنا ايضاً تصف بعض وسائل الإعلام هذه الجولة الاوروبية "بأبعادها التاريخية" مع أننا قد نتحفظ على هذا الوصف بالنظر الى ردة الفعل الاسرائيلية الغاضبة على الجهد الاوروبي, وتحفظ ادارة اوباما على هذا الجهد الذي تشير اوساط سياسية وإعلامية انه لم يأت بالتنسيق معها!واذا كان مصدر قوة وزير الخارجية الاسباني, كون بلاده تترأس الاتحاد الاوروبي حالياً, فإن مصدر قوة وزير الخارجية الفرنسي تعود الى ان بلاده هي التي ترعى "الاتحاد من أجل المتوسط", والدعوة التي وجهها الرئيس الفرنسي لأبو مازن ونتنياهو وحسني مبارك, للقاء رباعي في باريس, هي دعوة في اطار التحضير لمؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط الذي سيعقد في الثالث والعشرين من تشرين الثاني المقبل في برشلونة – اسبانيا. فرنسا ومعها اسبانيا, ستتخذان من هذا المؤتمر, مركزاً موازياً للجهد الاميركي المتعطل حيال العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني – الاسرائيلي, خاصة ان الادارة الاميركية المنشغلة والقلقة ازاء الانتخابات التشريعية النصفية, لن يكون لها دور مؤثر في هذا الجهد, رغم فترة الشهر التي منحتها لها لجنة متابعة المبادرة العربية في سرت مؤخراً, البديل الاوروبي سيكون اكثر نشاطاً في هذه الفترة, لكنه لن يكون بهذا القدر من التأثير بنتيجة الموقف الاسرائيلي المتزمت حيال هذا الجهد غير المرغوب فيه اسرائيلياً وأميركياً.وعند قيام "الاتحاد من أجل المتوسط" اعتبر بعض العرب ان هدفه هو ايجاد اختراق اسرائيلي, لكل من المنظومتين, العربية والاوروبية, وهذا صحيح الى حد ما, ذلك ان مشاركتها في هذا المنتدى الدولي وبمشاركة عربية, وبرعاية اوروبية كاملة, بالنظر الى ان عضويته الاوروبية لا تقتصر على الدول المطلة على البحر المتوسط, يشكل اختراقاً دولياً وعربياً لإسرائيل, غير ان حدود فاعلية هذا الاتحاد, وربما بسبب من عضوية اسرائيل فيه, لم تجعل لهذا المنتدى الدور المؤثر الذي فكرت فيه فرنسا عندما طرحت ورعت هذه الفكرة في اطار من التنافس مع الكومنولث البريطاني, وكبديل نسبي عن الفرانكوفون المتراجع على صعيد الدول التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي, دون تجاهل الاسباب الاخرى العديدة لفشل هذا الاتحاد في لعب دور مؤثر, بالنظر الى الخلافات المتعلقة بالحدود البحرية والهجرة غير الشرعية والقوانين والتشريعات المتخذة في مواجهة الإسلام السياسي, الا ان وجود اسرائيل في هذا المنتدى, ظل العلامة الفارقة في اسباب قصور دور الاتحاد في أن يتخذ مكانته على الصعيد الدولي على الرغم من اهمية الدول الاوروبية المنضوية تحت لوائه!ومن بوابة العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني – الاسرائيلي, وفي ظل عجز أميركي واضح عن التأثير فيه, تدخل كل من باريس ومدريد على خط هذه العملية, المقدر لها ان تشكل أداة موازية – مساعدة, للدور الاميركي المتراجع, ومحاولة إنعاش لدور مفقود للاتحاد من أجل المتوسط, غير المتحد وغير المؤثر, لكي يضع نفسه على خارطة التأثير على الرغم من الموقف الاميركي – الاسرائيلي المعارض بكل شدة لمثل هذا الدور.بقي على الجانب الفلسطيني, وبعيداً عن أية أوهام, أن يمنح هذا الجهد فرصة أكبر ودعماً مستمراً, على الأقل حتى لا ينفرد التحالف الاميركي – الاسرائيلي بالقبض على كل الأوراق!!.