العاصفة السياسية – الاجتماعية التي تشغل بال الرأي العام الالماني في أعقاب نشر كتاب يحمل عنوان "Germany does away with itself" بقلم: العضو في ادارة البنك الالماني، والذي يطرح عدة نظريات موضع جدال تتعلق بمصاعب تمثل (استيعاب) المهاجرين المسلمين، وانجازات حزب اليمين الراديكالي في السويد، الذي في مركز برنامجه السياسي يوجد تقييد دخول المهاجرين المسلمين – هما النموذجان الاخيران، اللذان يركزان الاهتمام على مسألة الهجرة الاسلامية الى اوروبا. استعراض الخريطة السياسية لدول الاتحاد يفيد بانه تقريبا بلا استثناء تحولت أحزاب اليمين ذات الطابع الراديكالي والمتزلف للجماهير والتي تحاول رفع علم الصراع ضد الهجرة، الى جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي الاوروبي. في بعض من الدول (مثل هولندا، الدنمارك وهنغاريا)، اصبحت عناصر مركزية في الخريطة السياسية. في دول اخرى وزنها السياسي (لا يزال) أصغر أو (لا يزال) غير صلة (مثل المانيا، اسبانيا وبريطانيا). رغم الاختلاف القائم بين الاحزاب آنفة الذكر (والذي ينبع في قسم من الظروف السياسية الداخلية)، فان القاسم المشترك بينها جميعها هو "انتقاد قصورات الاحزاب الراسخة (سواء كانت في الحكم ام في المعارض) على معالجتها لمواضيع الهجرة والى جانب الانتقاد دعوة الى اتخاذ خطوات تقيد الهجرة الاسلامية؛ استخدام الاراء المسبقة، العنصرية وتشجيع الاستياء (resentment) ضد المعارضة؛ اللاسامية تشكل لدى قسم منها جزءا لا يتجزأ من برامجها السياسية حتى لو لم يكن الامر يجد تعبيره دوما في الادبيات؛ وجود زعيم كاريزماتي. ما هي الاسباب التي تجعل احزابا ذات مذاهب اجتماعية – سياسية مناهضة للديمقراطية، قوية متطرفة، شوفينية، تشعل الكراهية ضد الاقليات بشكل عام والمهاجرين المسلمين بشكل خاص، تكسب لها سيطرة في دول الاتحاد الاوروبي، التي يفترض بها أن تكون استوعبت دروس الكارثة والاسباب التي أدت اليها؟ لا ريب أن الظاهرة اعلاه هي عرض من أعراض المشاكل التي لم تتصدى لها حتى الان دول الاتحاد كفرادى وكاتحاد بشكل عام، بالقدر الجدي اللازم. احدى المشاكل تتعلق بالمعالجة العملية لعملية تمثيل المهاجرين المسلمين أولا وقبل كل شيء. المشكلة الثانية، الاعمق، تتعلق باثار التمثيل على الهوية الاوروبية في عصر التغييرات الديمغرافية، والتي ستترك أثرها على الطابع الثقافي – الديني – الاجتماعي والسياسي للقارة. وهنا سأفحص السبيل الذي تتصدى فيه المانيا مع المسائل اعلاه. حتى لو لم يكن فيه ما يعكس الواقع الاوروبي بأسره فان في هذا التصدي (او عدم التصدي) ما يشير الى المشاكل المتعلقة بمحاولة التصدي للتحدي المزدوج. لدواعي الاضطرار للايدي العاملة الرخيصة أكثر من تلك التي كان يمكن الحصول عليها في جنوب القارة (اسبانيا، البرتغال وايطاليا)، جندت ألمانيا الغربية (في بداية الستينيات من القرن الماضي) عمالا أتراك في هضاب الاناضول لتجسيد المعجزة الاقتصادية. "العمال الضيوف" الذين يفترض بهم مع ختام مهمتهم العودة الى منازلهم، هو التعبير الذي أطلقه الالمان على الاتراك الذين وصلوا الى المانيا. ولاحقا انضمت اليهم عائلاتهم. وهكذا، مع مرور الوقت، اصبح الضيوف جزءا من مشهد المدن الالمانية الصناعية. في عشرات السنين منذ وصولهم، ازداد عدد السكان المهاجرين المسلمين بشكل عام والمهاجرين الاتراك بشكل خاص. العدد الاجمالي للمسلمين في المانيا حسب المعطيات الرسمية يتراوح اليوم بين 3.8 و 4.3 مليون، حيث أن 2.5 مليون منهم أتراك. نحو 1.8 مليون منهم حصلوا على الجنسية الالمانية. ويشار الى أن عدد المسلمين من سليلي دول الشرق الاوسط يصل الى نحو 330 الف. التجاهل والاهمال ميزا علاقات المجتمع والقيادة السياسية تجاه المهاجر الاجنبي الذي يعيش بلغته، بدينه، وبثقافته، منقطعا عن الحاضر الذي يحيط به. وهكذا نشأ مع مرور السنين مجتمع يوازي المجتمع الالماني (الوضع في دول غربي اوروبا لا يختلف كثيرا). المفهوم السائد في أوساط دوائر اليمين، كان أن المانيا ليست دولة هجرة. "يجب تحويل المانيا الى مجتمع متعدد الثقافات" كان شعار اليسار والخضر. سنوات غير قليلة استغرق المجتمع والسياسة للتخلص من المفهومين اللذين لا يوجد أي صلة بينهما وبين الواقع الذي تعيشه المانيا اليوم. صحوة مشابهة من الاوهام كانت من نصيب هولندا في أعقاب القتل الوحشي لمخرج الافلام فانكوخ في أمستردام على يد ابن لمهاجرين مغربيين كان تمتع بكل ما وفرته هولندا كمجتمع مفتوح، متسامح وبشوش الوجه للمهاجرين، ولبريطانيا – في أعقاب العمليات في القطار التحتي والتي كشفت عن فشل عملية التمثيل لابناء المهاجرين من شبه القارة. الازمة الاقتصادية – النقدية الاخيرة شكلت خلفية لكتاب الاشتراكي – الديمقراطي والسناتور السابق للمواضيع المالية ببرلي سارتسين. المسلمون هم مصيبتنا – اذا عبرنا عن الامر بتطرف – هو السطر الاخير لكتابه، الذي بيع منه حتى الان قرابة 700 الف نسخة. العدد الاخذ بالازدياد بالنسبة للمجتمع الالماني الذي يقل، والاحتمال بان بمرور عدة اجيال سيصبحون القوة السائدة في المجتمع الالماني، مصاعب انخراط المسلمين في المجتمع الالماني، دونيتهم البنيوية والعبء على المنظومة الاجتماعية الالمانية، كانت رسائله الاساس. يوجد في هذا الكتاب، مثلما أيضا في العطف الشديد الذي تحظى به رسائله ما يوضح عمق المشكلة التي يقف أمامها المجتمع وأولا وقبل كل شيء السياسة الالمانية. الكتاب لا يساعد على معاجة الموضوع، كان رد فعل المستشارة ماركيل. فالمبررات الجينية التي قدمها كي يشرح دونية المهاجرين المسلمين من جهة وموقفه من اكتشاف جين يهودي أدت الى اصدار دعوة لرئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي لطرد سارتسين من صفوفه. مشكوك أن يكون في ردود الفعل اعلاه ما يتصدى للتحدي الذي يفرضه تمثيل المهاجرين المسلمين على المجتمع الالماني. ورغم علامات الاستفهام بالنسبة لقدرة التمثيل للمسلمين في المجتمعات الاوروبية، فانه حتى الان لم تتمكن السياسة الالمانية (والاوروبية) على اجيالها، من تصميم استراتيجية شاملة (في مجال التعليم، سوق العمل والقيم)، تسمح لاولئك من بين المهاجرين المسلمين المعنيين بالاندماج (والذين حسب الاستطلاعات هم معظمهم)، في التغلب على العوائق التي تقف في طريقهم. الرغبة في الحفاظ على انجازات دولة الرفاه من جهة، والتوقعات الديمغرافية البشعة التي تتوقع تقليصا كبيرا في عدد العاملين الالمان في سوق العمل من جهة اخرى، لا يتركان أي مفر غير زيادة عدد المهاجرين. ولما كانت المجتمعات الشرق اوروبية (بما فيها المجتمعين الروسي والاوكراني) تعاني هي ايضا من مشاكل الشيخوخة، تشكل قوة العمل من الجنوب – الشرق الاوسط وافريقيا – المخزون الوحيد الذي يمكن ان يساعد اوروبا للتغلب على النقص في الايدي العاملة. عندما ستخلق ألمانيا ومعها باقي رفاقها في الاتحاد الظروف التي تسهل على المهاجرين الاندماج، سيتعين على المجتمعات المستوعبة ان تتصدى للاثار التي ستكون لذلك على مسألة هوية اوروبا. في مقابلة منحتها الاسبوع الماضي أشارت المستشارة ماركيل الى أن الالمان سيتعين عليهم أن يعتادوا على ان تتحول المساجد الى جزء لا يتجزأ من المشهد في المدن الالمانية. واضافت بانه ستكون حاجة للايضاح لاولئك الذين جاءوا لتوهم ما هي واجباتهم. رئيس الحزب الاشتراكي – الديمقراطي جبريئيل، أكد بعدها الامر حين ادعى بان اولئك الذين لا يرغبون في الاندماج سيتعين عليهم أن يغادروا. هذه التصريحات تشير الى هجر لغة الاستعداد السياسي في صالح لغة واضحة تطالب من المهاجرين بان يقبلوا على أنفسهم القوانين والمعايير الاوروبية. في أساس هذه التصريحات (وعلى سبيل الفرق – في أساس تأييد جمهور لا بأس به في أحزاب اليمين الراديكالي) يقبع التخوف من فقدان الهوية الاوروبية. فضلا عن العامل الديني (المسيحي) يهم الكثيرين الحفاظ على قيم الديمقراطية، الثقافة والاخلاق الغربية. التخوف هو أن هذه لا تستوي مع قيم الاسلام وأنه محظور على الغرب التخلي عن قيمه. هذا الصراع على القيم يوجد في بدايته. فهل سيتمكن المهاجرون والمجتمع المستوعب من تسوية التناقضات بالطرق السليمة؟ ماذا سيكون عليه جوهر الحل الوسط الذي سيصلون اليه؟ في خلاصة الامر فان تغيير وجه اوروبا في الأجيال القادمة سيحدث تغييرا في هويتها. هذا التغيير سيحمل آثارا سياسية أحدها هو إمكانية ظهور أحزاب اوروبية – اسلامية. من السابق لاوانه التقدير للمعاني التي ستكون لذلك على علاقات اسرائيل – اوروبا ولكن الواضح هو اننا سنقف امام واقع أكثر تركيبا وقسوة من ذاك الذي نواجهه اليوم.