لمن لا يعرف لاعب كرة القدم الأرجنتيني الشهير ألفريدو دي ستيفانو فهو يعتبر من أحد أفضل اللاعبين في العالم، وقد ساعد ريال مدريد هو وزميله فيرينك بوشكاش على السيطرة على بطولة دوري أبطال أوروبا في الخمسينات، حيث فازوا في الكأس خمس مرات منذ عام 1956، وقد لعب دي ستيفانو مع ثلاثة منتخبات، الأول منتخب بلاده منتخب الأرجنتين لكرة القدم ومنتخب كولومبيا ومنتخب إسبانيا ، كان دي ستيقانو يلعب كرة القدم كقائد سياسي محنك يلعب بأوراق السياسة وله قدرة على تحليل المواقف واختيار الأماكن ونقل الكرة وتسجيل الأهداف بذكاء نادر التكرار. ولي الحق أن أطلق على الرئيس أبو مازن لقب "دي ستيفانو العرب" حين ينقل الكرة بذكاء إلي الملاعب الثلاث ، الملعب الأميركي والملعب الإسرائيلي والملعب العربي في وضع سياسي خطير يمر على القضية الفلسطينية التي اختلطت فيه الأوراق وغابت الرؤية والرسالة والتكتيك عن هواة السياسة في فلسطين، فمنهم من أدخل نفسه والبلاد في مأزق لا فكاك منه وله من الآثار المدمرة على النسيج الاجتماعي وعلى القضية بمجملها ومنهم من ذاب في إعصار التغيير الثقافي والاجتماعي الذي يغزو الحالة الفلسطينية بقوة الأمر الواقع والإرعاب وتقليص هامش الحرية والديمقراطية والعدالة على قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، تلك الحالة التي سطحت دور الهيئات والتجمعات والمؤسسات السياسية والحزبية في وقت كان دي ستيفانو العرب أبو مازن يجلس في مقعد المنقذ لكل هؤلاء بمن فيهم الشاطحون من حزبه. فقد حافظ أبو مازن على كل العلاقات العربية وإن كانت متفاوتة إن لم نقل متآمرة بماكينة إعلامها أو وضع العقبات أمام المصالحة الوطنية التي ما انفك يحاولها هذا الرجل ولم يكتف أبو مازن بهذا فقط بل حاول الإمساك بتلابيب العرب الهاربون من مسؤولياتهم بدبلوماسية هادئة أقرب إلي المعجزة . أبو مازن حافظ على مسافة تحميه وتحمي قضية شعبه من التنازل للإسرائيليين رغم صلف وعدوانية السياسة والآلة العسكرية الإسرائيلية المجرمة، ولم يوقع أي اتفاق يمس القضايا الجوهرية . أبو مازن حافظ على علاقة فلسطين بالعالم وطور التزام أوروبا بمجملها نحو مسؤولياتها الأخلاقية عن صناعة دولة إسرائيل فتحسنت العلاقات بأصدقاء إسرائيل الحميمين من بريطانيا إلي فرنسا مرورا بألمانيا . أبو مازن غير الموقف الأميركي بإدارته لدفة الأمور ولو قليلاً فأصبحت إسرائيل تتهم أميركا بتخريب المفاوضات الأخيرة على خلفية عدم تشجيعها للاستيطان أو الأصح أنها تجاوبت مع موقف أبو مازن من أن الاستيطان هو عقبة في طريق السلام ويؤدي إلي تغيير الوقائع على الأرض وهذا منافي لعملية التفاوض والسلام، وهذه حقائق واضحة وان لم تصل مواقف الولايات المتحدة إلي الحياد على الأقل. أبو مازن حافظ على إدارة الأزمات في المحافل الدولية بكل اقتدار رغم ما وجه إليه من اتهامات . أبو مازن أولاً وأخيراً هو الذي حمى ويحمي الشعب الفلسطيني من آتون الحرب الأهلية التي اشتعلت نارها لولا حكمة هذا الرجل . أبو مازن أعاد إلي حزبه المترهل إبان الأزمة التي قسمت الوطن وأعاد إليه الحياة رغم الصعوبات الخانقة التي عصفت بتنظيم فتح وأعاده بقوة إلى الصدارة . نعم أبو مازن حمي الجميع من الجميع داخلياً ووقع على الورقة المصرية ولازال يسعى للمصالحة. أبو مازن انتصر في معركته على الفساد في السلطة فالنظام المالي الفياضي لا تخر منه نقطة ماء. أبو مازن انتصر ولو مؤقتاً في معركته التفاوضية الصعبة جداً مع الإسرائيليين وهذا يحسب للرجل بقوة. أبو مازن بذكاء خارق لعب السياسة كما لعب دي ستيفانو الكرة وإن كان دي ستيفانو ينقل الكرة في ملعب الخصم في ملعب واحد فما بالكم وأبو مازن ينقل الكرة في ملعب الخصم والأشقاء وملعب حماة إسرائيل الولايات المتحدة الأميركية. T8sharif@hotmail.com www.dtalal.jeeran.com