خبر : الليبرمانية كظاهرة في إسرائيل..! .. أكرم عطا الله

الأحد 10 أكتوبر 2010 09:48 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الليبرمانية كظاهرة في إسرائيل..! .. أكرم عطا الله



لم تخضع ظاهرة ليبرمان بما يكفي للتحليل والتشريح بعد صعودها المدوي في انتخابات الكنيست الثامنة عشرة في إسرائيل، فقد اقتصرت القراءات الفلسطينية التي تقدمت على النظر للظاهرة باعتبارها حالة نجومية لزعيمها أفيغدور ليبرمان وبدت كأنها غير مرتبطة بتطورات وتغيرات شهدها المجتمع الإسرائيلي من سياسية واثنية عكست نفسها على النظام السياسي في إسرائيل.حين تعلن السياسة الإسرائيلية عن تطرفها بهذا السفور الفاقع الذي لم يكن سابقاً ينبغي البحث عن تأثير الليبرمانية كظاهرة ومدى تأثيرها، وحين تجهز الحكومة الإسرائيلية نفسها لإقرار قانون لتعديل قانون الجنسية ليتلاءم أكثر مع شعارات ومواقف حزب "إسرائيل بيتنا" الذي أعلن منذ انتخابات العام 2003 عن دعوته للفلسطينيين من سكان إسرائيل إلى الإعلان عن ولائهم للطابع اليهودي للدولة وأصبح هذا شعاراً مركزياً في انتخابات 2006، حينها يجب البحث عن دور تلك الظاهرة في السياسة الإسرائيلية .منذ إقامتها كانت التكتلات في إسرائيل منقسمة في توجهاتها بين اليهود الإشكناز "الغربيين" والسفارديم "الشرقيين" هذا الانقسام على الهوية استمر لعقود ثلاثة فيها حتى مطلع الثمانينات برز للواجهة انقسام جديد عبر عن نفسه بإقامة حزب شاس، حيث اتخذ الصراع الديني العلماني الوجه الجديد للتكتلات في تلك الدولة، وقد اتخذ المتدينون اليهود موقفاً متطرفاً من الصراع ضد الفلسطينيين أكثر من أقرانهم في الكتلة العلمانية.أما الكتلة اليمنية القومية فقد انقسمت إلى كتلتين ما بين يمين الوسط الذي مثله حزب الليكود واليمن المتطرف الذي مثلته أحزاب مثل "كاخ" و"المفدال" و"تسومت" وهؤلاء جميعا لم يتجاوزوا عشرة مقاعد على مدار تاريخ الانتخابات في إسرائيل.عند توقيع اتفاقية واي ريفر كان ليبرمان مدير عام مكتب نتنياهو فانسحب احتجاجا على "اعتدال نتنياهو" ثم زاول لفترة قصيرة الأعمال التجارية لكنه قرر العودة للسياسة في ضوء ما وصفه "بالخط السياسي المساوم" لنتنياهو ليفوز في انتخابات عام 99 بأربعة مقاعد، وتوحد مع حركتي "موليدت" التي كان يرأسها رحبعام زئيفي وكذلك "تكوما" التي شكلها المتطرف بني بيغن عضو مجلس الوزراء الآن ليشكلوا معاً الكتلة الأكثر تطرفاً والتي عرفت باسم "الاتحاد الوطني" ككتلة قومية بدت تجسد الفكر الأكثر عنصرية واقصائية تجاه الفلسطينيين كبديل عن حركة كاخ ولكن هذه المرة بقوة أكبر لكنها لم تصل إلى عشرة مقاعد.وباغتيال رحبعام زئيفي على يد عناصر من الجبهة الشعبية عام 2003 وظروف الانتفاضة وانزياحات الرأي العام وانسحاب بني بيغن من الحياة السياسية انفرد ليبرمان كرمز للتيار القومي المتطرف في إسرائيل وبدون منافسين. صحيح أن ليبرمان من مواليد الاتحاد السوفييتي السابق وقد دخل الحياة السياسية متكئاً على أصوات اليهود الروس لكن ما حصده بالانتخابات الأخيرة تجاوز كثيراً القوة الانتخابية للروس، ما يعني أن الأمر تجاوز رمزية الطائفة الاثنية في إسرائيل وتجاوز حدودها إلى المجتمع الإسرائيلي.صحيح أن اليهود الروس انتموا لليمين منذ تهجيرهم إلى إسرائيل وإن لم تكن دوافع تلك الهجرة أيدلوجية بل اقتصادية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي لكن ردة الفعل من حياة قاسية تحت النظام الشيوعي الاشتراكي دفعتهم لليمين بل وأقصى اليمين.حزب إسرائيل بيتنا ليس حزباً دينياً ولا حزباً شرقياً، وفقد انتمى اليهود الشرقيون بغالبتهم لليمين لتعويض للانتماء بمقابل التهميش الذي عانوه على يد النخبة الاشكنازية المؤسسة للدولة، والتي استقدمت المهاجرين الروس لمواجهة تنامي قوة الشرقيين وقوة العرب باعتبار الروس أبناء ثقافة اشكنازية، وليبرمان أقرب لما عبر عنه دائما عوفاديا يوسف الأب الروحي للتيار الديني الأكبر في إسرائيل، ولكن هذا طبيعي جدا في إسرائيل باعتبار أنها الدولة الوحيدة التي تتطابق في بطاقة هوية المواطن الديانة والقومية، وبالتالي فإن هذا التطابق ينعكس أيضا بالمعنى السياسي بين القومي والديني. من هنا تجاوز ليبرمان الطائفة إلى ما هو أبعد وهذا الصعود الكبير له هو تعبير عن انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو القومية أو الدينية بشكل كبير، ويبدو أن الخط الثابت يشير إلى تعزيز ذلك التيار مع انحسار النخبة العلمانية وازدياد ديمغرافي ملحوظ للتيار الديني، وأبرز دليل على ذلك انحسار الكيبوتس لصالح المستوطنة، وذلك تعبير عن حجم الولادات بين الإشكناز "سكان الكيبوتس" والمتدينين والقوميين.لقد ساهمت سياسة اليهود الإشكناز في تعزيز الثقافة الدينية في إسرائيل منذ أن رضخت الحكومات لابتزاز المتدينين سياسياً حين بدأوا بلعب دور بيضة القبان في الحكومات التي تشكلت منذ عقد ونصف، وكذلك ثقافياً حين انفردت حركة شاس بشبكة تعليم موازية للتعليم الحكومي وهي شبكة همعيان "وتعني النبع" الدينية وكذلك في إعفاء طلاب التوراة من الخدمة مع تأمينهم مالياً وقوانين دعم العائلات كثيرة الأولاد وهي اليمينية بشقيها القومي والديني، كل ذلك ساهم مع الانتفاضة بالتأسيس لتيار متطرف في إسرائيل وجد التعبير الأنسب له مع غياب زئيفي وعودة بيغن لليكود، بشخص وحزب ليبرمان لا كظاهرة فردية نجومية بل كنتاج طبيعي لكل ما سبق.لقد شهد الصيف الماضي ستة قوانين مست بالوجود الفلسطيني داخل إسرائيل كان ذلك انعكاسا طبيعيا للانزياح داخل إسرائيل ضد الفلسطينيين التي راهنت كتلتها المؤسسة على دمجهم في المجتمع وأسرلتهم، وحاولت منذ عام 66 صياغة قوانين مساواة بحدود معينة، ويبدو أن اجتماع الحكومة اليوم وصل إلى ذروة الإعلان عن إقصائهم من تلك الدولة والإعلان بهذا الوضوح عن ترجمة الانزياح نحو الليبرمانية في إسرائيل، ما يهدد ليس فقط مستقبل الفلسطينيين في أراضي 67 بل يتجاوز ذلك إلى الفلسطينيين في إسرائيل، وهم الذين شكلوا أزمة لإسرائيل منذ ربع قرن حين اعتلى شمعون بيرس رئيس الوزراء حينها عام 84 منصة الكنيست مطالباً أعضاء البرلمان لذهاب كل منهم إلى بيته لممارسة الواجب الوطني مع زوجته من أجل إنقاذ اليهودية في إسرائيل.لا يمكن أن تكون إسرائيل يهودية وديمقراطية في آن واحد، ولكن أطلق عليها عالم الاجتماع أسعد غانم دولة "أثنوقراطية" أي ديمقراطية لأبناء الاثنية والدين الواحد فهي ديمقراطية دينية وليس هذا هو النص المذكور في القانون الجديد.معركة إسرائيل ستكون قاسية ضد الفلسطينيين فيها، وهذا يتطلب عقلاً أكثر هدوءاً لدى الفلسطينيين هناك في مواجهتها، لا أن يوفر لهم ذوو العقول الحارة المبررات للإجهاز على القوة الفلسطينية، فتصريحات جمال زحالقة رئيس حزب التجمع الوطني وسلوك المناضلة حنين زعبي قد تدفع الأمور بحسن نوايا إلى ما يوفر لليبرمان وظاهرته الجديدة وقود القوانين.Atallah.akram@hotmail.com