فجأة ودون مقدمات سادت حالة من التفاؤل حول إمكانية توقيع اتفاق مصالحة فلسطيني بعد لقاء في العاصمة السورية دمشق جمع بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وعدد من أعضائه ووفد عن حركة فتح يترؤسه عزام الأحمد، وتوارد أنباء عن عقد لقاء ثان قريبا. وصرح الفريقان المتنازعان بأنه لم يتبق إلا قضية الأمن من أجل إتمام المصالحة والتوقيع على ورقة المصالة المصرية في القاهرة. وفي خضم موجة التفاؤل هذه ينسى معظم المراقبين والمهتمين الحقائق التي فرضها الانقسام والتي تجعل من إمكانية تحقيق مصالحة فعلية على الأرض أمر أشبه بالمستحيل وهو ما يجل من اتفاق المصالحة وثيقة مكتوبة وموقع عليها لا تسوى الحبر الذي كتبت به، وحتى لا يقال بأن في هذا القول تجنٍ على إمكانية حدوث مصالحة حقيقية نسوق بعض الأمور والعقبات التي سوف تعرقل بل وتقضي على إمكانية تحقيق هذه المصالحة التي يتمناها كل فلسطيني وطني وغيور على مصالح شعبه وقضيته وكل عربي مساند بشكل حقيقي لقضايا الشعب الفلسطيني. فعلى المستوى السياسي سيستمر التناقض بين برنامجي فتح وحماس فهل حماس مستعدة للاتعتراف بميثاق منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف بالاتفاقيات الاتي وقعتها المنظمة والتي تعترف بإسرائيل، وهل فتح مستعدة لإعادة الفقرات التي تم شطبها من ميثاق المنظمة وهو ما سوف تطالب به حركة حماس فور التوقيع على اتفاق المصالحة. كذلك تقف العلاقات السياسية الإقليمية والدولية عقبة أخرى في هذا السياق فهل ستخرج حماس من محور إيران سوريا قطر حزب الله وتنتقل لمحور مصر السعودية الأردن والإمارات التي تعتبر فتح جزءا منه، أو العكس بالنسبة لفتح. وهل قيادة حماس جاهزة للدخول في وفد تفاوضي فلسطيني مشترك والجلوس مع ممثلي إسرائيل من أجل الوصول لسلام مع اسرائيل يؤدي لإنهاء الصراع. لعل الإجابة على هذه التساؤلات هي لا كبيرة وهو ما يمكنه أن يدفن اتفاق المصالحة في مهده. أما على المستوى الإداري فالوضع كذلك لا يقل تعقيدا فقد أصبحت مؤسسات الحكم في غزة يقودها ويعمل في أطرها فقط عناصر من حركة حماس أو التنظيمات الصغيرة الموالية لها مع وجود استثناءات هامشية لا تكاد تذكر، وفي ظل وجود وضع مشابه في الضفة الغربية حيث الغالبية العظمى من الموظفين العموميين هم من أبناء حركة فتح أو مناصريها. فمن هو المستعد لترك وظيفته ومنصبه لشخص آخر من تنظيم مناهض، أم أنه سيكون لكل إدارة عامة مديران، ولكل قسم رئيسان، ولكل سيارة سائقان، إلخ. هذا بالإضافة إلى مجموعة النظم والقوانين التي يتم تطبيقها في كل من غزة والضفة الغربية والتي لن يقبل أي من الطرفين باستمراراها كما هي وسوف يطالب بتعديلات جوهرية لابد أن يرفضها الطرف الآخر. وفي ذات السياق قد يصعب التخيل أن يعمل أبناء فتح وحماس بعد أن وصلت درجة العداء بينهم لمستويات عالية للغاية أن يعملا كفريق واحد من أجل خدمة مؤسسة واحدة بل سيميل كل فرد أو فريق عمل من أجل ما يخدم مصلحة تنظيم هذا الطرف أو ذاك، فهؤلاء جميعا لم يتعودوا على عمل الفريق وخدمة المؤسسة بل تمرسوا على تسخير المؤسسة لمصلحة التنظيم. وعلى الصعيد الشعبي والاجتماعي تبدو المصالحة شيء في غاية الصعوبة فالعائلات التي فقدت أبناءها لن تجد في المغفرة ونسيان الضحايا شيئا يمكن القيام به بسهولة وفي وقت قصير. وإن ما حصل من قتل وإعاقات لن يكون من السهل المرور فوقه ولن يسعمل دفع الديات على نسيان الثارات والتي يتوقع أن تستمر لعقود قادمة. ثم هناك الاختلاف في الكثير من القضايا الاجتماعية من حيث نظرة كل من حركتي فتح وحماس تجاهها وهو ما سيولد مناكفات كثيرة يمكنها أن تعرض عملية المصالحة المجتمعية لخطر حقيقي. أخيرا هناك أم المشاكل والعقد وسبب الانقسام والعامل الأساس خلف اسستمراره ألا وهي عقدة الملف الأمني. فكيف سيتم التعامل مع الأسلحة والأدوات القتالية الموجودة في قطاع غزة وهل ستفرط الأجنحة العسكرية الموجودة في قطاع غزة بسلاحها ووجودها من أجل المصالحة. وبالإضافة لأسلحة ومقدرات الأجنحة العسكرية تبرز عملية إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وملئ المناصب الأمنية. فهل يمكن مثلا أن يعود جهاز الأمن الوقائي للعمل في قطاع غزة وهل في المقابل يمكن أن ينتقل جهاز الأمن الداخلي للعمل في الضفة الغربية. أما بالنسبة للمناصب والوظائف الأمنية فسيكون هناك خلافات حادة ربما على كل وظيفة أمنية من أعلى الرتب إلى أدناها وهو امر قد يستغرق سنوات إذا ما توافرت النوايا الصادقة والرغبات في إنهاء الإنقسام على الأرض وإعادة ترتيب المؤسسات الأمنية على أسس وطنية. هذه العقبات المختصر توصيفها أعلاه يتوقع أن تشكل ألغاما على طريق المصالحة الفلسطينية المتوقعة وقد ينفجر أحدها في أية لحظة فتعود الأمور إلى المربع الأول، ومن هنا لابد من توفر نوايا مخلصة ورغبة في تغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح الحزبية والشخصية من أجل الإبحار بسفينة تحرير الأرض والإنسان الفلسطينية بشكل وطني ومتفق عليه استراتيجيا