القدس المحتلة / "ليس هذا وقت محاسبة للذات، لم أقدر جيدا قوة العدو ووزنه القتالي، وبالغت في تقدير قواتنا وقدرتها على الثبات. العرب يقاتلون أفضل مما كانوا عليه سابقا.. يملكون أسلحة كثيرة، يصيبون دباباتنا بأسلحة خاصة. إن الصواريخ تشكل مظلة منيعة لا يستطيع سلاحنا الجوي سحقها. لست أدري إن كانت أي ضربة استباقية قادرة على تغيير الصورة جذريا". ذلك كان اعتراف موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، بخطئه في تقدير نوايا العرب وقدراتهم القتالية خلال حرب رمضان عام 1973، وقد توقع أن يتلاسن العالم على إسرائيل هازئين بأنها "نمر من ورق"، بعد أن فشلت في الصمود أمام أولى الضربات التي تتلقاها من العرب رغم تفوقها النوعي.أما غولدا مئير، رئيسة وزراء دولة إسرائيل في ذلك الوقت، فتساءلت: "هناك أمر واحد لا أفهمه.. لقد كنت أظن أننا سنبدأ بضربهم لحظة عبورهم القنال.. ماذا حدث؟ "، فأجابها ديان: "خسرنا دبابات. كان هناك غطاء مدفعي، دبابتنا أتلفت، لم تتمكن الطائرات من الاقتراب بسبب الصواريخ. 1000 قطعة مدفعية سمحت للدبابات بالعبور، ومنعننا من الاقتراب. إنه أسلوب روسي، وتخطيط روسي كذلك، ثلاث سنوات من التجهيزات". بعد 37 عاما: البروتوكول الأكثر سرية حول حرب أكتوبرذلك شيء مما جاء في بروتوكول من أرشيف الدولة، وصفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بأنه الأكثر سرية من عهد غولدا مئير، والذي يقوم بنشره كل من الصحفيين روعي ميندل ويرون دروكمان لأول مرة بعد مرور 37 عامًا على حرب أكتوبر." ترتسم فيه صورة بشعة لأول أيام الحرب. وفيه يقدر موشيه ديان، وزير الحرب حينها، أن العرب "يريدون احتلال إسرائيل، وتدمير اليهود "، لقد قال في حالة من اليأس: "فُقِدَ خطّ القنال، ولذلك يجب التخلي عن الجرحى في التحصينات".بذلك يصف الصحفيان محتويات البروتوكول السري، والذي يوثق مجريات جلسة درامية عقدها مجلس الوزراء الإسرائيلي، وعلى رأسهم غولدا مئير، في السابع من أكتوبر 1973، الساعة 14:50 تحديدًا، أي بعد أول أيام اندلاع حرب "الغفران" بقليل؛ ويظهر موشيه ديان في تلك الجلسة مبيّنًا تفاصيل سقوط مواقع التحصينات الإسرائيلية، الواحد بعد الآخر في قلب سيناء، ويقترح أن تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خطوط المضائق المعابر، 30 كيلومترًا بعيدًا عن القنال، وأن تترك وراءها الجرحى الذين لا مجال لإخلائهم: "في الموقع الذي يمكن إخلاؤه، نخلي، وفي المواقع التي لا يمكن إخلاؤها سنترك الجرحى. من وصل وصل. إذا اختاروا الاستسلام، فليستسلموا، يجب أن نقول لهم: لا يمكننا الوصول إليكم، حاولوا التسلل أو فالاستسلام". خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلييبدو أن خسائر الإسرائيليين من قتلى وأسرى كانت كبير جدا مع انتهاء اليوم الأول من الحرب، حتى أن المقاتلين طلبوا النجدة، قال ديان: "كل ما فقدناه كان خلال قتال عنيف، كل دبابة وإنسان فقدناه، كان ذلك خلال القتال. الذين كانوا يسيطرون على الخط حثوا إريك ( شارون ) ولا يزالون يحثونه، على الوصول إلى هناك، إنهم لا يزالون يقاتلون هناك". وتابع ديان: " لقد أراك أريك اقتحام ( القنال ) والمواصلة عبر الجسر إلى الأمام. أما جوروديش فلا يعتقد ذلك". سيناريو يوم القيامة: " احتلال إسرائيل... إنهاء أمر اليهود "- " يريدون ( أي العرب ) السيطرة على كل أرض إسرائيل " قال ديّان مصورا سيناريو يوم القيامة. - " هذه هي الجولة الثانية منذ 1948." أجابت غولدا. - " إنها حرب على أرض إسرائيل." قال ديّان.- " العرب لن يوقفوا الحرب، وإن فعلوا ووافقوا على وقف إطلاق النار، هذا إن وافقوا، فإنهم سيشعلونها مجددا. لقد وصلوا معنا إلى حرب على أرض إسرائيل.. حتى وإن انسحبنا من هضبة الجولان، فإن ذلك لن يحل أي شيء." قال ديّان.- " لا يوجد أي سبب يمنعهم من المواصلة، ليس الآن فقط.. لقد ذاقوا طعم الدماء." قالت غولدا.- " احتلال إسرائيل.. إنهاء أمر اليهود." ردّ ديّان. " صديق تسفيكا " قال إن السّادات لن يدخل الحربيبدو من البروتكول أن التقديرات الاستخبارية التي كانت بحوزة إسرائيل عشية الحرب كانت خاطئة ومضللة، يظهر ذلك من مواجهة غولدا لوزير حربها بتلك التقديرات، والتي كانت تذهب إلى أن الرئيس المصري، محمد أنور السادات، لن يدخل الحرب طالما يعرف أنه لن يتمكن من عبور القنال، ملمحة إلى المصدر الأمني الموثوق الذي بين يديّ جهاز الأمن، والذي وفر تقديرات دقيقة حول نوايا المصريين، مصدر تصفه غولدا بـ "صديق تسفيكا"، ويشير الصحفيان إلى أنه تسفي زمير، رئيس الموساد حينها. قالت غولدا: " كلهم كانوا يقولون لنا خلال سنوات، ومن ضمنهم صديق تسفيكا، إن السادات يعرف أنه لا بد وأن يخسر".أجاب ديان: " كان لديّ إحساس بأننا سنصفعهم في الممر. كانت لدينا تقديرات مؤسسة على الحرب السابقة، ولم تكن صحيحة. كانت تقديراتنا وتقديرات غيرنا غير صحيحة فيما يتعلق بوقت محاولة العبور." ويتابع ديان: " أنا متأكد أن الأردن ستدخل الحرب.. لا يمكننا السماح لأنفسنا بعدم الاستعداد. لا بد وأن يكون هناك حد أدنى من الاستعدادات، يجب فحص ما البديل الممكن. يجب تجهيز قوة ضد محاولة أردنية لاقتحام الضفة. ربما سيسمحون للمخربين بالتحرك". هنري كسنجر.. حبل النجاة الأخيرغولدا سألت ديّان إذا كان يقترح "طلب وقف إطلاق النار حيث يتواجدون الآن ( القوات الإسرائيلية ) ". فرد ديان: " نحن غير متواجدين ( في أي مكان )". حينها اقترحت اللجوء لوزير الخارجية الأمريكي، هنري كسنجر، فقال ديان وهو في قمة يأسه: " أقبل الفكرة".طلب ديان أيضا أن يتم التوجه للأمريكيين بهدف شراء 300 دبابة، وأضاف: " سنحتاج إلى المزيد من الطائرات."تحدثت غولدا في البروتوكول عن لقاء جاف مع رئيس الأركان، قبل أن يدخل الأخير إلى الجلسة: " لقد كان دادو في الحكومة صباحا. كان حزينا. قال إنه آمل بأن تكون هناك نقطة تحول الليلة." قوات الجيش الإسرائيلي أقل مما لدى المصريين والسوريينويظهر من تقديرات ديان في البروتوكول أن القوات العربية في الجيشين المصري والسوي تفوق حجم القوات الإسرائيلية بكثير في جبهتي الشمال والجنوب، ويشير الصحفيان إلى أنها تقديرات فندت بعد ذلك: في الجبهة المصرية - 800 دبابة إسرائيلية مقابل 2000 دبابة مصرية، في الجبهة السورية - 500 دبابة إسرائيلية مقابل 1500 سورية. لسلاح الجو الإسرائيلي 250 طائرة مقابل 600 لدى المصريين و250 لدى السوريين. بالإضافة إلى أن جيشي مصر وسوريا يتمتعان بحماية صواريخ مضادة للطائرات متطورة. أفكارٌ من أجل النّجاة.يشير البروتوكول إلى محاولة المجتمعين الخروج بأفكار عملية سريعة تمكنهم من تجنيب إسرائيل خطر وجودي حقيقي، وطرح سيناريوهات متوقعة لما سيكون عليه الأمر مع كل اقتراح يتم طرحه، فيختتم ديان استعراضه للوضع بكلمات قاسية، ربما أراد بها التلميح لضرورة استخدام وسائل أخرى لصد الخطر عن إسرائيل: " هذا هو My honest view ( لي رؤية صادقة ). إنني أرى الأمر على النحو التالي: كميات الأسلحة لديهم فعالة، تفوقنا الأخلاقي لا يُجدِ نفعًا أمام هذه الكثافة. الأرقام قادرة على الحسم. ربما يوجد أفكار أخرى حول كيفية التصرف في ظروف مثل هذه، إنه متشائم أكثر مني فيما يتعلق بهضبة الجولان. لقد قال: كم أتمنى لو استطعت تصويب أمر الخط. جورديش قلق ومتشكك في الجنوب." بعد ما يزيد عن ساعة من بداية الجلسة، دخل رئيس الأركان، الجنرال دافيد إليعيزر ( دادو )، فقال: " إننا نقف أمام قرار مصيري. أمامنا ثلاث خيارات "، وفصل:الإمكانية الأولى: وضع فرقتين في خط حماية مؤقت، منه تخرجان إلى هجوم مضاد ضد القوات المصرية: " لست متأكد من أننا سنستطيع السيطرة على أي خط بقوات قليلة، ثم أن نهاجم بعد ذلك."والإمكانية الثانية فهي التموضع في منطقة المضائق ( الممرات ): " إنه خط صعب، وسيكلف ثمنا باهظا."أما الإمكانية الثالثة فتتضمن وفقا لدادو " اقتراحا مناورا "، قال: " تشاورت مع الناس في الأسفل ( الجنوب ) - بران، إريك، وجورديش - نحن مكشوفون هناك مع قوات قليلة. ليلا ستتحرك شعبة إريك، شعبة بران فوق. لقد اقترحوا علي مهاجمة القنال، الصعود على الجسر والتقدم إلى الأمام. كلتا القوتين اللتين ستعبران القنال ستدمران القوات التي أمامها، بعد ذلك سندمر القوات التي تمكنت من العبور، إنها مناورة، لأنهما القوتان الوحيدتان الموجودتان بين القنال وتل أبيب. إذا هاجمنا القنال وعبرنا دون أن نتمكن من الخروج بسلام، فإننا سنكون حينها مع ثلاث شعب مكسورة، وحينها سيأتي العراقيون والجزائريون، وحينها ستكون الحرب بعد - يومين أو ثلاثة في قلب إسرائيل."سأل ديان رئيس الأركان: " هل إريك في وضعية تمكنه من الهجوم؟ "، أجاب دادو: " لا.. حتى الآن ". ثم علق ديان على اقتراح دادو الثالث، والذي أوكل أمره لأريئيل شارون، قال: " نموذج أريك غير وارد في الحسبان."اقترح دادو أن تشن القوات الاسرائيلية هجوما مضادا " ولكن ليس على القنال، إنما على تمركز القوات التي تجاوزتها فعلا.. يمكن عند طلوع الصباح، ومع 200 - 300 دبابة، بالإضافة إلى الجو، أن نحاول كسر القوات التي عبرت فعلا، ثم أن نثبت بعد ذلك عند الخط. إذا نجح ذلك، فإننا سنكون بوضعية هجوم وانطلاق جيدة، وإن لم ينجح، فإنه لن يكون بالأمر المميت القاضي. ستظل هناك قوة كافية للانسحاب نحو المعابر، ثم التحصن هناك."وقال دادو معلقا على اقتراح ديان للانسحاب إلى خط المضائق: " الخط الذي اقترحه موشي wishful thinking. أنا لا أختلف مع موشي، أنا أريد ذلك، ولكني لا أعرف إن كان ذلك ممكنا." قصف دمشق لن يغير شيئا على الجبهةسأل الوزير يغئال ألون عن إمكانية قصف عمق العدو، فأجاب ديان: " ماذا يعني ذلك؟ لا أعتقد أن هذا مؤثر." لقد قدر ديان أن قصف دمشق لن يؤثر على الوضع في الجبهة: " إذا كان لدينا النفس لذلك، ربما نضرب البترول، الكهرباء، لكن لا أكثر من هذا. كل هجوم من جهتنا سيزيد من الخسائر." تساءلت غلودا مئير حينها: " ماذا عن الخسائر؟" أجاب ديان بلغة مقتضبة: " هناك مواقع فقدنا الاتصال بها." ومن المعلومات التي تم الكشف عنها، يظهر أن موشيه ديان، لم يكن بطلا قوميا كما صوره الإعلام الإسرائيلي خلال العقود المنصرمة، إنما كان سببا في تضعضع القوات الإسرائيلية وانكسارها، ويشار إليه بأنه "كان السبب في رفض القيام بضربة استباقية كان من الممكن أن تغير سيناريو الحرب جذريا".