تفرض وحدانية ألأرض التى يعيش ويتصارع عليها الفلسطينيون وألأسرائيليون صعوبة تقسيمها تقسيما سياسيا تحكميا ، فكما أن للسياسة خياراتها التصارعية ، فللأرض ايضا خياراتها التوحيدية والتعايشية.ومنذ البداية السياسة تحمل فى معانيها الكثيرة مفاهيم النفوذ والصراع والقوة والسيطرة والهيمنة ، أما ألأرض فتحمل معانى الوحدنية والتكامل وألأعمار والبناء والتنمية والعيش المشترك ، ومفهوم ألأرض قد يمتد ليشمل أنسانيا عالميا، ويجسده مفهوم السلام العالمىوالمواطنة العالمية ، وقد يبدو هذا المفهوم أكثر التصاقا بالأرض التى تقام عليها اسرائيل وفلسطين، وهى فى ألأصل هى أرض واحده من حيث خصائصها الجغرافية والطبوغرافية ، ومواردها الطبيعية المحدوده ، لكنها ذات قيمة دينية وحضارية عالية ، لمكانتها الدينية لجميع ألأديان ، ولقداسة أرضها فهى أرض كل الرسل وألأنبياء، وبالتالى أرض فلسطين ليست مثل اى أرض عادية ، هى أرض تحمل رسالة كل ألأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله برسالة سماوية مفادها ألأخوة الدينية ، وألأخوة ألأنسانية ، ومعناها ايضا التعمير والبناء والسلام وإعلاء هذه الرسالة السماوية . وبدلا من ذلك تحولت هذه ألأرض الى ارض صراع دموى ، وحروب ، وصراع وتنازع بقاء بين الفلسطينيين وأليهود الذين جاءوا ليقيموا دولتهم على حساب طرد كل السكان ألأصليين . الكل يؤكد ارتباطه التاريخى والدينى على هذه الرض ، لكن المعضلة كانت فى السياسة وألأيدولوجيا التى بدلا من ان تبحث عن صيغ للتعايش والتلاقى وألأقتسام المشترك ، ذهبت الى غرس قيم من الأنفصام ، والكراهية والنبذ والعنف ، وألأقصاء والطرد ، وكل هذه السياسات تتنافى مع طبيعة ألأرض ووحدانيتها ، ولعل ما يفسر لنا ديمومة هذا الصراع ، وفشل كل المحاولات والمبادرات لحل هذا الصراع أنها كانت تنطلق من معايير وحسابات سياسيه ، وليسن من منظور ألأرض والجغرافيا والمكان ، والصلة التى تربطها بكل من الفلسطينيين واليهود ، ولو كان التركيز منذ البداية على هذا المنهاج لتغير وجه الصراع ، أو بلأحرى لم يكن هناك صارعا راح ضحيته حتى ألأن مئات الألأف من الضحايا ، وإذا أستمر ستكون هناك المزيد من التضحية ، وأستمرار الصراع معناه فشل أهل ألأديان الموحدون فى رد ألأعتبار السماوى لهذه ألأرض المقدسة برسالتها وليس سياستها .لقد تحددت رسالة السماء فى تعمير ألأرض وليس تدميرها ، وفلسطين بكل حدودها ومساحتها الصغيرة لا تحتمل الحرب والتدمير وحتى التقسيم السياسى ، وقد يكون من المفارقات السكانية ان عدد الفلسطينيين واليهود ليس كبيرا ، وهذا يفرض عليهما التفكير فى كيفية الحفاظ على هذا العدد الذى لا يحتمل مزيدا من الحروب والفناء ، ولعلى لا اذهب بعيدا إذا قلت ان مفتاح الحل لهذا الصراع الدموى لا تكمن فى معاهدات بقدر ما تكمن فى كيفية الحفاظ على الحق فى البقاء على هذه ألأرض ، وهذا ما ينبغى التركيز عليه ، هناك حالة من التخوف لدى ألأسرائيليين وحتى الفلسطينيين من عقدة الفناء ، والحل لهذه العقدة بإعادة وحدانية ألأرض حتى فى سياق الدولة الواحده لكل منهما لكن فى أطار مفهوم التعايش المشترك على نفس ألأرض ، وبهذا المعنى الذى قد يعتبره البعض سوفسطائيا ومثاليا وغير قابل للحل ، من خلال البحث عن صيغة مشتركة للحياة على نفس ألأرض ، ومن خلال الحق فى الحياة وعدم الفناء ، وبهذا يمكن حل مشكلة الفناء والطرد ،لكل من الفلسطينيين وألسرائليين ن وهو ما سيضمن لهذه ألأرض من خلال تعميرها أن تتسع لكل من الفلسطينيين واليهود ن ليقدموا نموذجا فى التعايش المشترك ، ويقدموا نموذجا فى الألتقاء بين ألأديان ، وبهذا ستنتفى كل أسباب الصراع ن وبهذا المعنى قد نجد حلا لكل المشكلات المستعصية كمشكلة اللاجئيين والقدس. وهنا هذا الحل الذى ينبع من وحدانية ألأرض لا يقتصر على قيام الدولة الفلسطينية ،أو ضمان بقاء أسرائيل ، بل يمتد لمرحلة ما بعد بناء الدولة الى مرحلة العيش المشترك على نفس ألأرض ، وهكذا تصبح هذه ألألرض من منظور كل واحد منهما وكانها ملك له ، ويتحق هذا من خلال االمشاريع التنموية والعلمية ، القادرة على تعمير هذه ألأرض لتتسع للجميع . وكلا الشعبان الفلسطينى وألأسرائيلى لديهما من القدرات العقلية والعلمية وحتى المادية ما يكفى لهذا التعمير والبناء ، وبدلا من ثقافة الصراع والنفى ، والطرد والقوة تحل محلها ثقافة البناء والعيش المشترك ، وبهذا التصور تعود للأرض وحدانيتها ، ووحدانية رسالتها السماوية . لقد أثبتت المراحل التاريخية ان هذه ألأرض قادرة على تقديم صيغ للتعايش المشترك ، فمع الهجرة أليهودية ألأولى لم يكن هناك مكان للصراع وعدم التعاون، ففى هذه الهجرة ألأولى أستعان ألأولون بالعامل الفلسطينى ، ولم تكن هناك مظاهر الحكم والسيطرة ، ولم هناك مكان بعد للأفكار ألأيدولوجية المتعصبة التى جاءت مع الهجرة الثانية فى بداية القرن العشرين ، وكانت البداية الحقيقة للصراع ومسلسل الحروب الذى لم ينتهى حتى ألأن.ولن ينتهى بسبب التعصب الأيدولوجى ، وبسبب الحلول المطلقة . مثل هذا صراع لن ينتهى بالحلول المطلقة لكل طرف ، بمعنى أسرائيل الكبرى ,،وفلسطين الكبرى ، بل بحل تاريخى يقوم وينطلق من وحدانية ألأرض نفسها وبالحول الوسط ، التى تشعر الطرفين ان وجودهما ومستقبلهما فى هذه التسوية وليس فى حرب وصراع مستمر. وهنا المفاضلة والمقارنة بين الحق فى الحياة والبقاء واستمرار الصراع بمفاهيمه السياسية النافية لوجود ألأخر.وعليه ينبغى التحرر أولا من عبئ التاريخ ومن القيود ألأيدولوجية ، توجد حقيقة تاريخية ومكانية وهي أن هناك شعبان لهما الحق فى الحياة والبقاء. والسؤال ما هى الخيارات المتاحة أمامهما ؟ الخيارات هى : خيار الفناء والدمار الشامل من خلال حرب مستمرة تحصد أرواح ألأبرياء فى كل عقد من الزمان ، وهل يعقل انه بعد كل عقد من الزمان أن يكون هدف الزياده السكانية هو القتل ، هذا الخيارثبت فشله على مدار اكثر من ستين عاما من الصراع الدموى الذى لم يولد ألا الحقد والكراهية والرغبة فى إفناء ألآخر. أما الخيار الثانى خيار العنف المسيطر عليه ، وهذا الخيار لا يمكن أن يكون مقبولا ، وكيف يمكن تصور بقاء دولة وشعب تحت الخوف والتهديد المستمر، وعلى العكس هذا الخيار سيدفع بالكل أن يبحث عن ملاذ آمن غير هذه ألأرض ، وهذا يتعارض مع رسالتها السماوية فى ألأعمار والتنوير . أما الخيار الثالث فهو خيار البحث عن صيغة للتعايش المشترك ،والبحث عن ترجمة حقيقية لشركاء فى ألأرض وشركاء فى الحياة . وهذا امر ليس صعبا ، وخصوصا وكما أشرنا أن هناك مراحل وفترات ولو قصيرة اثبتت أمكانية تطبيق هذا النموذج ، من خلال تسوية تلامس الحاجات ألأساسية لكل من الفلسطينيين وألأسرائيليين ، وهذه الحاجات ألأساسية تتمثل فى البقاء والرفاهية ، وهما حاجتان لا يمكن أن تتحققا بالحرب والقتل والصراع . تلوح فى ألأفق ألأن فرصة فى هذا النفق الطويل من الصراع لماذا لا تمنح الفرصة ، لعلنا نصل الى هذه التسوية التاريخية ، فلقد أثبت التاريخ أنه لا يوجد صراع تاريخى صعب بدون حل.؟ وعلينا ان نتحرر من كل ألأوهام السياسية وألأيدولوجية التى تحشد فى العقول بإمكانية التخلص من الشعبين الفلسطينيى واليهودى ،لا يمكن فى ظل كل المعطيات السكانية والجغرافية والتاريخية والدينية فى المقام ألأول ان يفنى هذان الشعبان .وإذا وصلنا لهذا ألأدراك علينا ان نفكر فى الخطوة الثانية وهى كيفية تحقيق هذا الهدف ، وبعده ندخل فى مرحلة الرفاه والعيش المشترك ، وهى أمور لأصحاب الديانات السماوية ليست مستحيله ، لكنها مستحيله فى تصورات أصحاب ألأيدولوجيات المتعصبة والمتشدده . وهل هناك دين سماوى يدعو الى فناء وقتل الآآخرين ، فالأسلام يحذر من قتل النفس البشرية ـ والتى خلقها الله لتعمر وتبنى وليس لتقتل وتدمر ، فصفة الظلم والقتل من صفات ألأسان ، وليس من صفات الخالق ، وعلينا أن نعود الى هذه القيم السمحاء العظيمة والتى من خلالها سنجد الحل لهذا الصراع فى اطار نموذج التعايش المشترك . وأخيرا يبقى التساؤل هلى الحل فى الحرب والقتل أم فى الحياة والبقاء؟أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com