لقد تفاجأ الجميع في الأيام الأخيرة نتيجة للتطورات السريعة التي حصلت في ملف المصالحة والتوصل إلى تفاهمات حول العديد من القضايا باستثناء الملف الأمني.. وبلا شك أنها كانت أخباراً سعيدة ولها وقع مريح على قلوب الكثيرين ولكنها لم تحدث جدلاً في الأوساط السياسية الفلسطينية والشعبية.. والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم الثقة في تحقيق المصالحة لأسباب موضوعية موجودة على الارض في غزة والضفة والتي تمنع وتعيق تحقيق المصالحة بنفس السرعة التي وقعت فيها ورقة التفاهمات، ولأسباب وعي الجمهور بالدور الأقليمي والدولي الذي يتحكم في مسار الأمور على الساحة الفلسطينية.. إذا ما هي الدوافع وراء كل ذلك..؟؟ أولاً من جهة الرئيس عباس فهناك مصلحة واضحة في تحقيق المصالحة أو التلويح بها وذلك لتخفيف الضغط الأمريكي والإسرائيلي عليه باعتبار المصالحة خيار معاكس للمفاوض على الأسس التي تجري عليها.. هذا من جهة ومن جهة أخرى إن فتح قنوات الحوار مع حماس يقلل من مخاطر التعكير على سير المفاوضات وضمان عدم حدوث مفاجآت قد تجهض العملية التفاوضية .. والقضية الثالثة هي زيادة سقف الشرعية التي يمتلكها الرئيس في الوقت الحالي، والتي تضعف المفاوض الفلسطيني الضعيف أصلاً.. ولا شك أيضاً أن هذه التحركات جاءت كمرآة للتحركات الإقليمية والدولية في المنطقة والتي تهدف إلى تبريد الأجواء إلى القدر المستطاع على كل الجبهات بهدف التضليل لما يحاك في الخفاء من تحضيرات لضرب إيران بشكل أو بآخر وهذا ما يفسر السكوت الأمريكي على خطوات الرئيس في اتجاه المصالحة ورفع الفيتو القديم عنها. أما من الجهة الأخرى وهو ثانيا فأين تقع مصلحة حركة حماس في هذه الهرولة السريعة في اتجاه المصالحة برغم حساسية الوضع وحساسية التوقيت وموقف حماس الحاد من المفاوضات والوفد المفاوض والرئيس عباس ( على الأقل ما هو معُلن) بالدرجة الأولى حماس تعيش في مأزق كبير خاصة بعد انتهاء شرعيتها الانتخابية وبسبب الوضع الداخلي المأزوم في قطاع غزة بسبب الحصار والسبب الآخر هو عدم قدرة حماس للحديث عن بدائل المفاوضات وهي المقاومة بالأساس أو على الأقل تعزيز صمود الناس.. وهو ما لا يحدث على الأرض.. بل ما يحدث هو العكس تماماً... ومن جهة أخرى فإن حماس معنية برفع الحصار المصري عنها وتخفيف الضغط عليها من قبل مصر المنفذ الوحيد لها نحو العالم الخارجي.. والقضية الأخيرة هي محاولة اتقاء ضربة إسرائيلية قادمة لا محالة لقطاع غزة. أما أخيراً فهو الحفاظ على السلطة أو جزءاً منها وعدم إحراج الحركة بإعلان فشل التجربة الأولى للأخوان في الحكم في المنطقة. من كل ما سبق نستطيع أن نفهم بأن هناك مصالحة مصالح وتقاسم وظيفي.. ولكن على الورق بعيداً عن الخلافات السياسية التي بدأت في التلاشي لعدم حقيقتها في الأصل.. بل وزد على ذلك أن شهية البعض أصبحت مفتوحة للمشاركة في المفاوضات التي سُميت بالعبثية في حالة ضمان دور واضح للحركة في التفاعل والنتائج وهذا كان واضحاً في تصريحات بعض قيادات حماس.. لمن يعرف القراءة بين السطور. وهنا يبقى سؤال: هل فعلاً أننا جاهزون للمصالحة؟ .. وهل ستتوقف الاعتقالات الأمنية في الضفة الغربية.. ويتوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال لفتح الباب لتهدئة النفوس؟ وهل ستتوقف حركة حماس عن ملاحقة أبناء فتح في قطاع غزة؟ وتتوقف الاهانات المستمرة لهم بحجة أنها تأتي كرد فعل لما يجري في الضفة؟ وهل ستتراجع حماس عن إقصاء آلاف الموظفين وإعادتهم إلى رأس عملهم دون وضع مسئولين جدد فوق رؤوسهم؟؟.. وهل النفوس جاهزة للتسامح والتصافح ونسيان الماضي الأليم؟؟.. كل هذه الأسئلة يمكن الإجابة عليها بنعم لو كان هناك فعلاً مصالحة وطنية .. ولكن ما يجري الآن هي مصالحة اقليمية هدفها إجادة فن إدارة الصراع ليس إلا.. وأتمنى أن أكون مخطئاً