تقدمت امرأة من بلدتي معروفة بحسن سيرتها وسلوكها (مع حفظ الأسماء) بطلب لبيع ساندويتشات فلافل في مدرسة بنات البلدة. وافقت مديرية التربية والتعليم على ذلك، واشترطت الحصول على حسن سلوك (الموافقة الأمنية) من ثلاث جهات، (من الشرطة ومن الأمن الوقائي ومن المخابرات العامة). فقدمت طلبات للجهات الثلاث من أجل الحصول على حسن السلوك، وداومت في مقصف المدرسة على أمل الحصول على حسن السلوك. تمكنت من الحصول على حسن سلوك من الشرطة، فالمرأة ليس عليها شيء عند الشرطة، وليس لها سوابق جنائية أو أمنية أو غير ذلك. ولكنها فوجئت بطلب استدعاء من المخابرات العامة للمثول أمامها في مقر المخابرات في سلفيت. وعندما ذهبت إلى هناك ، صُدِمت حين اتهمت أنها صوتت لمرشح التغيير والإصلاح في الانتخابات التشريعية. وأنها لن تتمكن من الحصول على حسن السلوك) من أجل بيع الفلافل في المدرسة!!( واضطرت إلى ترك العمل في المدرسة بعد 21 يوماً من العمل. وذلك بتاريخ 28/9 الحالي. وفي مثل هذه الحالات اعتاد ضباط الأجهزة الأمنية أن يطلبوا من طالب الوظيفة الارتباط معهم، والعمل كمندوب للتجسس على زملاء العمل، أو تعبئة استمارة العضوية في حركة فتح، كما حصل مراراً وتكراراً. للتذكير فإن زوج هذه المرأة تم فصله من عمله في الشرطة الفلسطينية قبل حوالي سنتين، بعد أن اعتقل وسجن لدى الاستخبارات لأكثر من أربعة شهور متتالية، تعرض خلالها للشبح والتعذيب الشديد، ليس لسبب إلا لأنه رجل متدين يحرص على أداء الصلوات الخمس في المسجد، واتهموه بأنه صوت لمرشح التغيير والإصلاح في الانتخابات التشريعية عام 2006، فليس له انتماء سياسي، وليس عليه سوابق جنائية أو أمنية أو غيرها، ولكنه فصل من عمله لأنه لا يتمتع بحسن السلوك (وفق مقاييسهم المقلوبة)، ولم يحصل حتى الآن على مستحقاته المالية من الشرطة، التي عمل فيها لأكثر من عشر سنوات، حتى تعرض هو وأولاده للجوع والحرج الشديد. هذه العائلة الفقيرة المتواضعة مثال لما يحدث في الضفة الغربية في ظل حكم العسكر الجدد، وهو يعطينا نموذجاً لواقع الحال في كل المؤسسات الخاصة والعامة في الضفة، فإذا كان بيع الفلافل في مدرسة يحتاج لكل هذه الإجراءات، ويحتاج إلى حسن السلوك، وإذلال الحرائر وجرهن إلى مراكز التحقيق في مقرات الأجهزة الأمنية المختلفة، فكيف الحال لمن يتقدم للعمل كمعلم في تلك المدرسة؟ وكيف حال من يتقدم للعمل كمدير في تلك المدرسة؟!...... وهذا مثال للمئات بل الآلاف من الحالات التي تحدث في الضفة الغربية مع الأسف، فكل من يتقدم لأي وظيفة حكومية أو خاصة، يتعرض لمثل هذه الإجراءات. وهذا يعني أن المشكلة ليست فقط في الفصل التعسفي من الوظيفة لأسباب سياسية كما هو شائع، فهناك مشكلة أكبر تدور في الخفاء منذ أكثر من سنتين، وبموجبها يتم حرمان خيرة الكفاءات العلمية والأكاديمية من المواطنين والخريجين من الوظائف والعمل، تحت ذريعة حسن السلوك، فقط لأنهم لا يروقون لأفراد الأجهزة الأمنية، الذين لا يعرفون قيمة هذه الكفاءات، أو يتهم من قبل أحد المندوبين في تقريره أنه مناهض للسلطة، أو متعاطف مع حماس. وبسبب ذلك يحرم المجتمع من قياداته الحقيقية، وكفاءاته المؤهلة، ويعمل مكانهم سيئو السلوك من المتردية والنطيحة وما أكل السبع، ممن لا يستحقون أن يكونوا في هذه المواقع، والذين يفسدون أكثر مما يصلحون، خاصة في مجالات التربية والتعليم والأوقاف والصحة والإعلام. وهي المجالات التي تحظى من كل دول العالم بالرعاية والاهتمام الكبيرين. فلا ندري في ظل هذه الإجراءات أية دولة يريدون إقامتها، ويدَّعون أنهم يعدون البنية التحتية لها، بعد عام كما يقولون!!! لقد أصبح حسن السلوك هذا سيفاً مسلطاً على رقاب المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويتم استخدامه لإذلالهم، وشراء ذممهم، وتجنيدهم للعمل كمناديب للأجهزة، لتثبيت حكم العسكر الجدد. ففي ظل هذا الواقع أصبح المواطن الشريف الوطني والمتدين، أصبح سيئ السلوك، ويتعرض للاعتقال والتعذيب، والملاحقة والتضييق والفصل من العمل، أو لعدم الموافقة له على العمل ابتداءً. بينما المشبوه وسيئ الأخلاق والسلوك، والذي يعتدي على الأعراض وينتهك الحرمات ويعتدي على البيوت الآمنة، فهذا يعتبر حسن السيرة والسلوك، ويتمتع بحماية ورعاية الأجهزة الأمنية، كما حصل مراراً وتكراراً. هذه الأجهزة التي كان من المفروض أن تحمي وترعى المواطنين من الأحرار والشرفاء والوطنيين، أصبحت لا تحمي ولا ترعى مع الأسف إلا المستوطنين وجنود الاحتلال وعملائهم.