قبل نحو سنة ونصف السنة بدأت حكومة اسرائيل الحالية ولايتها. فقد انتخبت بدلا من حكومة كديما كي تنفذ سياسة اخرى. اما اليوم، بعد "اعترافات" رئيس الوزراء السابق اولمرت، يمكن لنا ان نعرف كم كانت سياسته عديمة المسؤولية في كل ما يتعلق بالتنازلات السياسية غير المسبوقة وغير القابلة للتسديد التي قدمها لنظيره ابو مازن. وحيال الة الاسكات لدى اليسار الاسرائيلي برعاية وسائل الاعلام، من المجدي تكرار ذلك ألف مرة: ابو مازن هرب ولم يرد بالايجاب على عروض اولمرت. نتنياهو انتخب بالضبط كي يفعل العكس. ومع ذلك، مع حكومة ذات تركيبة سياسية اخرى (تقريبا) تماما، اتخذ نتنياهو خطوات هائلة نحو اتفاق ما مع الفلسطينيين: بدءا بتصريح بار ايلان حول الدولتين للشعبين وانتهاءا بتجميد البناء في يهودا والسامرة (وكذا بحكم الامر الواقع في القدس) على مدى عشرة اشهر – خطوة غير مسبوقة لم تنفذها أي حكومة سابقة. ومثلما حصل في المرات السابقة في التاريخ، لم يتحمس الفلسطينيون، ولم يأتوا للمحادثات. قالوا ان كل هذا التجميد هو خدعة، وبالفعل لم يكن في العشرة اشهر بناء خلف الخط الاخضر. وبدلا من ذلك انشغلوا برياضتهم الاساسية: التباكي، المسكنة والاشارة الى الاسرائيليين كأشرار. الحقيقة هي أنه لم يكن للفلسطينيين مصلحة في الاستجابة لاسرائيل، وذلك لانه في قيادة الرئيس الامريكي الغر حشرت اسرائيل في الزاوية وعرضت كـ "ولد شرير". كما ان الاوروبيين (وكيف لا)، اليسار الاسرائيلي على فصائله المختلفة – ايدوا جميعهم الرواية الفلسطينية. بعضهم فعل ذلك انطلاقا من البراءة، بعضهم انطلاقا من الغباء، وبعضهم انطلاقا من نزعة الشر، ومعظمهم بنية اسقاط حكومة انتخبت باغلبية كبرى من الشعب وانطلاقا من الفكرة في أنه قد تكون حكومة اكثر راحة للانتحار الاسرائيلي. في كل الاحوال فان الفلسطينيين، الذين رأوا أن مهمتهم ينفذها آخرون، واصلوا الرفض. فلماذا يغيروا ذوقهم – ضغط آخر واذا بالاسرائيليين يقدموا تنازلا و "بادرة"، وذلك دون مقابل من جهتهم، فقط التباكي والحديث عن "الحقوق" و "السلام العادل" وباقي خضار الليبراليين العفنة. كما أن المحادثات المباشرة التي بدأت في الشهر الاخير فرضت على الفلسطينيين. فهم، كما اثبت التاريخ القريب والبعيد، لم يقصدوا ذلك حقا ابدا. والان أعلنت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن "تجميد المحادثات إذ لا تحتمل محادثات مع الاسرائيليين بينما يبنون هم في المستوطنات. هيا، هيا. اذا كان هذا هاما جدا لكم، فماذا فعلتم في الاشهر التسعة الاولى من التجميد؟ وفضلا عن ذلك فانه لا يمكن أن يكون في أي تسوية مستقبلية اخلاء كامل للمستوطنات. معظم المستوطنات ستبقى على حالها حتى حسب رؤيا اليسار. إذن اين المشكلة. أين المشكلة؟ انها م.ت.ف – "منظمة التحرير الفلسطينية" – التي لم تتحرر ابدا من حلمها في تحرير كل فلسطين من البحر الى النهر؛ وبرعاية الحلم الذي نسجته لنا هنا كل انواع منظمات "السلام الان" الهاذية كثيرة التأثير في وسائل الاعلام الاسرائيلية، "اعترفت باسرائيل"، "نزعت سلاحها" و "كافحت الارهاب". ولم ننسى حملة "يوجد لكم شريك" الاخيرة. الحقيقة هي أنه لم يكن للفلسطينيين ابدا تفويض بالتخلي عن حلم طرد اليهود من هذه الارض، التي تعتبر في نظر العرب ارض وقف اسلامي – بما في ذلك تل ابيب. القومية الفلسطينية كانت منذ الازل الصورة السلبية للقومية اليهودة – محاولة دائمة لمنع الشعب اليهودي من امكانية أي سيادة على أي قسم من وطنه التاريخي. ولسوء حظهم، كان الفلسطينيون الذراع الطويلة للعالم العربي والاسلامي في صراعه ضد "الكيان الصهيوني". ابو مازن لا يمكنه أن يقرر شيئا بينما تنفخ في قذالته حماس، حزب الله، ايران، سوريا ودول الجامعة العربية التي يعنيها السلام ووضع الفلسطينيين كما تعنيها قشرة الثوم. خلافا لدعاية اليسار الاسرائيلي، والفلسطينيين الذين يشدون على ايديهم، ليست المستوطنات هي التي تقف اسفينا امام السلام. بالعكس: فليعترف الفلسطينيون باسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي، وليزيلوا التشويه اللاسامي لاسرائيل في كتب التعليم وفي وسائل الاعلام الرسمية، وليأتوا بقلب كامل الى المحادثات ليفحصوا مرة واحدة والى الابد اذا كانت حكومة نتنياهو صادقة في نواياها. ولكن مسيرة السخافة للتاريخ اظهرت حتى الان بان هذا السيناريو بقي على حاله: الاسرائيليون يمدون اليد للسلام، يقدمون بادرات طيبة محملة بالمصائر من جانبهم – والفلسطينيون يرفضون، يغضبون، يخربون ومع ذلك يحظون بدعم محلي وعالمي.