لا توجد عصا سحرية تقدم للمفاوض يحركها فيخرج باكبر المكاسب ، وبأقل الخسائر، لكنه فى الوقت ذاته يمكن ان يصل الى هذه النتيجة إذا وضع يده على عناصر القوة والضعف للطرف الأخر ، وعرف ماذا يريد ؟ وهل يستطيع تحقيق ما يريد بدون المفاوضات ؟ وكذلك بمعرفة وتفهم السلوك السياسى للأطراف ألأخرى المعنية مباشرة بالمفاوضات وأستمرارها ، وخصوصا الولايات المتحده. وبحسبة بسيطة لحجم ما قد يخسره ، وما قد يخسرة الاخرين فى حال فشل المفاوضات . وصحيح أن المفاوضات صراع أرادات ، وتوظيف لعناصر القوة المتاحة والممكنه لكل طرف . لكن المفاوضات ليست بهذه البساطة ، فهى تعقد فى ظل بيئة داخلية واقليمية ودولية شديدة التعقيد . ولا يمكن لأى من طرفى المفاوضات أن يتحكم فيها بمفرده ، وقد تشكل هذه البيئة أحد أهم ألأستراتيجيات التى قد يلجا اليها المفاوضون لتحريك عناصرها بما يخدم مواقفه ، وهذه هى أحد اهم ألأستراتيجيات التى قد يلجا اليها المفاوض الفلسطينى ، ان لا يقف عند حدود بيئته ، اوبيئة الطرف ألأخر ، بل قد يعمل على توسيع هذه البيئة لإدخال فاعلين وقوى أخرى لها مصلحة مباشره فى هذه المفاوضات ، وليوازن بها قوة المفاوض ألأسرائيلى . ومن القواعد التفاوضية ألأساسية وفى العلاقات الدولية ، أن فى القوة ضعف وفى الضعف قوة ، المهم كيف يمكن ألأستفاده منها فلسطينيا ؟ لا خلاف ان المفاوض يذهب الى هذه المفاوضات وهو فى أضعف حالاته الداخلية ، فهو غالبا يذهب الى المفاوضات والأنقسام الفلسطينى على أشده ، والتنازع والتشكيك فى الشرعية القائمة بين حماس وفتح يلقى بظلاله على المفاوض الفلسطينى ، ولذلك أول خطوة على المفاوض الفلسطينى التاكيد عليها أنه يملك شرعية وتفويضا ، وانه قادر على أتخاذ القرار فى النهاية ، وأنه سيلجأ الى الشعب ليعرض عليه ما توصل اليه فى أستفتاء عام . والعنصر الثانى من عناصر القوة التى فى يده أن يفاوض وكأنه يملك كل القوة ، ولا يظهر ضعفا فى مواقفه بمجرد أن يتعرض لضغوطات ، بعبارة أخرى لا يظهر الضعيف ضعفه ، بل على العكس أن يمارس أستراتيجية التشدد المرن ، وليس أستراتيجية التشدد المتنمر ، وهذا يعنى أنه عندما يمارس ألأستراتيجية ألأخيرة سيكون غير قادر على التراجع وهنا يظهر ضعفه ، لكنه يمارس أستراتيجية التشدد المرن بمعنى ان يعطى نفسه مجالا وهامشا للتراجع ، وهنا يحفظ مصداقية مواقفه ، ويكسب ثقة ومصداقية فى المواقف اللاحقة .ومن عناصر القوة التى على المفاوض الفلسطينى أن يلجا لها أن يعرف اين عناصر الضعف فى الجانب ألأسرائيلى ، فلا توجد دولة دون عناصر ضعف حتى الولايات المتحده ، وهنا أهمية التغلغل فى عناصر المجتمع الأسرائيلى ، وخلق القوى المؤيده للسلام وحتى وإن لم توجد، علينا خلق هذه القوى ، وهذا يستلزم أبداء مرونة ومصداقية كبيرة فى مخاطبة الحاجات الحيوية للشعب ألأسرائيلى ، وأن مستقبله وأمنه وبقائه هى فى المفاوضات وفى السلام مع الفلسطينيين وليس فى ألأستيطان . وهنا توجد نقطة هامة فى تحليل السلوك السياسى لأسرائيل ، وهذا العنصر ألأساس هو البقاء ، فاليهود وبحكم قلة عددهم ، وبسبب الخبرة التاريخية السابقة وصورة المذبحة التى يحملونها وخوفهم من كل ما هو حولهم ، على المفاوض الفلسطينى أن يربط بين المفاوضات وبين عامل البقاء ، وهنا يمكن أن بدى قدرا كبيرا من المرونة فى المسائل ألأمنية التى لن تؤثر فى الثوابت الوطنية الفلسطينية ، ومن عناصر القوة التى يمكن ان يعتمد عليها المفاوض الفلسطينى أن لا يخشى أو يتخوف من حالة ألأنقسام السياسى ، وبالعكس يمكن ان يسستفيد من هذه الحالة بان البديل لعدم نجاح المفاوضات هو سياده أتجاهات القوة والرفض ، وهنا المفاضلة بين خيار المفاوضات والسلام والتعايش السلمى أم استمرار الصراع والمواجهة ، مما سيخلق حالة من الخوف ، قد تمس حاجة أسرائيل فى البقاء والوجود . ولا تقف عناصر القوة عند هذه الحدود ، بل هناك قرارات الشرعية الدولية التى لا تسقط بالتقادم ، واهمية التلويح بها مهما كانت التداعيات لأن الجانب الفلسطينى لن يوجد شئ يمكن أن يخسره ، وإلى جانب ذلك تحميل المجتمع الدولى وخصوصا الأوربيون وبريطانيا تحديدا مسؤوليتهم فى نشؤ القضية الفلسطينية ، وبالتالى مسؤوليتهم فى أستمرارها ، وما لذلك من آثار سلبية على مصالح هذه الدول فى المنطقة . ومن أهماصر القوة أيضا عدم الخوف أو التردد من التلويح بالخيارات البديلة ، وان التلويح بها ليس مجرد تهديد ، بل هى سياسة قويه وحقيقية . فمثلا التهديد بالذهاب الى مجلس ألمن وتفعيل القرار 181 الخاص بقيام الدولة الفلسطينية ، أن يكون خيارا فعليا أو ان تشعر الطرف ألأخر أنك جدى فى الذهاب الى هذا الخيار حتى لو هددت الولايات المتحده النقض فى مواجهته.وفى العودة بالقضية الفلسطينية الى بعدها العربى وتحميل الدول العربية مسؤوليتهم أزائها ، ونفس الشئ على المستوى ألأسلامى . ومن العناصر المهمة فى التغلب على الضعف الفلسطينى ألتاكيد ان ألأنقسام الفلسطينى حالة طارئة وستزول . لكن هذه العناصر من القوة لا شك تحتاج الى أدراك فلسطينى عام ،وأن هناك مصلحة فلسطينية عليا إذا ما نجحت المفاوضات وجاءت بالدولة الفلسطينية . ولا ننسى حشد التاييد الدولى من داخل القوى المعنية نفسها فى داخل الولايات المتحده وأوربا ، وصحيح أننا لا نملك تأثير اللوبى الصهيونى فى داخل الولايات المتحده ، لكن يمكن تنشيط دور قوى ومؤسسات المجتمع المدنى ودور الجاليات العربية وألأسلامية ، وخصوصا العناصر المؤثرة منها فى مراكز صنع القرار . وإلى جانب هذه العناصر هناك العناصر المرتبطة بهيكل المفاوضات سواء من حيث ألأشخاص ، او التظيم ، وهنا أهمية التغيير الشخصى ، والأستعانة بالخبرات الفلسطينة المتواجده فى الداخل والخارج ، وابعاد المفاوضات او ربطها بحركة فتحفالمفاوضات قضية وطنية وليست تنظيمية أو حزبية فقط ، فمن ألأهمية بمكان تولى عناصر وكفاءات وشخصيات اخرى حتى تنزع أى مبرر لربط لمفاوضات بحركة فتح والفشل الذى لحق بها فى السنوات السابقة . هذه بعض من عناصر الضعف التى يمكن ان تتحول الى قوة ، وتحقق نتائج تفاوضية أفضل ، ,اخيرا علينا ألآ نخشى من الخيارات البديلة لأن ثمنها أقل بكثير من فشل المفاوضات. اكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com