حواديت ... توصل الباحثون في جامعة كولومبيا الأمريكية إلى أن هورمون "الأوكسيتوسين" يحسن المهارات الاجتماعية لدى الأشخاص الخجولين، فيما يفقد الهورمون تأثيره على أولئك الذين لديهم ثقة عالية بأنفسهم، وأشارت الدراسة كذلك إلى أن الهورمون له تأثير محدود على المصابين بالتوحد، يبدو أن هورمون "الأوكسيتوسين" والذي يعرف بهورمون الحب، ما زال يكتنف عمله الكثير من الغموض نظراً لتشعب فوائده واختلافها، فهو المسئول عن عملية الطلق التي تصاحب المرأة أثناء الولادة، وفي الوقت ذاته يقف خلف عاطفة المرأة تجاه وليدها ورغبتها في إرضاعه، وأثبتت الدراسات أن الهورمون يعزز العلاقات العاطفية الأسرية والمجتمعية، فهو يعطي الرجل مساحة أكبر من الثقة بالآخرين، والذي بدوره يوطد العلاقة بين البشر القائمة على الحب والاحترام، ولما له من تأثير فاعل في السلوك الإيجابي للبشر وتحفيز العواطف أطلق عليه "هورمون الحب"، ونال العالم "فنسانت دوفينيو" جائزة نوبل للكيمياء عام 1955 نظير اكتشافه لهذا الهورمون. ما يعنينا من الدراسة أنها تفتح باب البحث عن أسباب التوتر في علاقاتنا المجتمعية، فهل نحن نعاني من نقص في نسبة الهورمون في أجسادنا؟ وإن كان كذلك فهل العجز ناجم عن مرض وراثي أم أنه صفة مكتسبة من المحيط بنا؟ المؤكد أننا نعاني من جملة من الظواهر السلبية في علاقاتنا المجتمعية، فثقتنا بالآخر تكاد تكون معدومة، ويعشش في عقولنا الشك وتسيطر علينا الريبة في كل ما يقدم عليه الآخرون، وارتضينا لهما أن يقودا سلوكنا اليومي وعلاقاتنا المجتمعية، فلا نتورع أن نلصق الاتهامات جزافاً وأن ننقب في دهاليز "النية" لنطفو بالشحنات السالبة منها حتى وإن غابت عن صاحبها في قوله وفعله، ألا نذهب في كثير من الأحيان لربط تصرف محمود بنية يداريها صاحبها خلف تصرفه هذا، فإذا تبسم الفرد في وجه أخيه قلنا دون خجل أو وجل " مؤكد في ورائها شيء"، متجاهلين ثواب الصدقة فيها، وإذا خرج شخص عن المألوف وكال للآخر شيئاً من المديح والثناء عاجله الآخر وقطع عليه الطريق بسؤال أصم لا يقبل التشكيل " هات من الآخر ماذا تريد؟". لفت انتباهي وأنا أسير مع صديق مقيم في مدينة غربية حجم الاحترام والود القائم بين سكانها، فسألت صديقي إن كانت ملاحظتي في محلها أم أنني أخطأت في تقييمي، تبسم صديقي قائلاً: يتداول سكان المدينة حكاية الشاب الذي ضرب الكرة في الحديقة العامة فارتطمت بوجه رجل كان يجلس على مقعد يرتشف القهوة، فانسكبت على ملابسه، فهم مسرعاُ تجاه الشاب يعتذر ويبدي أسفه لأنه تواجد في طريق الكرة وأعاق مسيرتها. من المؤكد أن لديهم فائضاً في هورمون "الأوكسيتوسين"، ولدينا القليل منه، وإن كان علاج الأمراض الجسدية يتطلب جرعات دوائية، فمن المؤكد أن الكثير من أمراضنا السلوكية تعالجها الجرعات الكيميائية إن عجزت عن مداواتها الجرعات الفكرية. فلسنا بحاجة إلى جرعة من الفيتامينات توزع على طلابنا في المدارس بقدر ما نحن بحاجة إلى جرعة من هورمون "الأوكسيتوسين" علها تصلح ما أفسده التعصب الحزبي.