خبر : القدس على طاولة المفاوضات- من هرتسل حتى اولمرت ..د.سفيان ابو زايدة

السبت 25 سبتمبر 2010 02:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
القدس على طاولة المفاوضات- من هرتسل حتى اولمرت ..د.سفيان ابو زايدة



في مقالة نشرها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود اولمرت في صحيفة الجيروزليم بوست يوم أمس ، عرض خلالها موقفه من القضايا التفاوضية المطروحة و كيف يجب على إسرائيل أن تتعامل معها.ما هو ملفت للنظر هو موقفه من موضوع القدس، حيث يعتقد أن الحوض المقدس، و الذي يشمل منطقة الحرم الشريف و البلدة القديمة بكل ما فيها من مقدسات و آماكن عبادة، حيث يقترح أن توضع تحت المسؤولية الدولية و تكون بشكل فعلي خارج نطاق السيادتين الإسرائيلية و الفلسطينية.هذا الموقف يعتبر تطور مهم جدا في كسر الموقف الإسرائيلي منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967. حيث حاول كل الزعماء الإسرائيليين ترسيخ اعتقاد لدى أنفسهم أولا و المجتمع الدولي ثانيا على أن القدس ستبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، و أن الوضع الذي كان سائدا قبل حرب 67 لن يعود إلى الأبد.ربما ما لا يعرفه الكثيرون أن ما طرحة اولمرت بالأمس هو ما طرحة هرتسل قبل ما يزيد عن قرن من الزمان، وهو أيضا ما طرحة وايزمن و من بعده بن غوريون. تاريخيا كل قيادات الحركة الصهيونية كان لديها هذا الموقف حول مستقبل القدس، خاصة البلدة القديمة و ما فيها من أماكن مقدسة. فقط جابوتنسكي، زعيم التيار الإصلاحي في الحركة الصهيونية و الأب الروحي لحزب حيروت ومن ثم الليكود كان له موقف رافض لأي تسوية في القدس لا تضمن بقائها تحت السيادة اليهودية.تاريخيا، هرتسل لم يكن لدية أية حساسية خاصة لوضع القدس الديني كشرط لإقامة الدولة. على العكس من ذلك هرتسل و من خلال معرفته الواسعة للوضع الدولي كان يدرك أن موضوع القدس يجب أن يكون خارج حسبة الحركة الصهيونية، على الأقل  في المراحل الأولى.لقد كان من الواضح بالنسبة له أن القدس ستكون عقبة في طريق تحقيق هدف الحركة الصهيونية في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين. على سبيل المثال لقد حصل على معلومات أن الفاتيكان سوف يعارض أي كيان سياسي في القدس. كان يدرك أيضا أن الأماكن المقدسة في القدس قد تضع كل مشروعة السياسي في مهب الريح. لذلك، ومنذ العام 1896 كان على استعداد أن يتنازل عن القدس مقابل اعتراف بسيادة على الأجزاء الأخرى من فلسطين. منذ البداية، ميز هرتسل بين البلدة القديمة و القدس الجديدة التي تبنى خارج الأسوار، بين القدس السماوية، حيث اقترح فكرت إبقاء البلدة القديمة منفصلة عن الدولتين اليهودية و العربية، و الإعلان عنها كمنطقة دولية تابعة لكل الأمم، مركز لمؤسسات المؤمنين من كل الديانات السماوية، للحب و للعلم.اقترح هرتسل إن يتم تغيير شكل البلدة القديمة بحيث يتحول إلى متحف أممي، حيث كتب في مذكراته أن البلدة القديمة المقدسة يجب أن تكون خالية من الضجيج اليومي، واقترح نقل الأسواق داخل الأسوار إلى مكان مناسب خارجها. في مناسبة أخرى، كتب هرتسل عن القدس:إذا ما كانت القدس في يوما من الأيام لنا، و إذا ما كان لدي القدرة على فعل أي شيء نحوها، سأبدأ في تنظيفها. سأزيل كل شيء غير مقدس، إخراج منازل العمال خارج الأسوار، ترحيل السوق الشعبي إلى مكان آخر، و سأبني أحياء جديدة و مريحة حول الأماكن المقدسة.القدس بالنسبة لهرتسل هي القدس الغربية، أما البلدة القديمة بكل بها من مقدسات يجب أن تكون تحت المسؤولية الدولية.حاييم وايزمن، الذي تزعم الحركة الصهيونية من بعده وكان لاعبا أساسيا في استصدار وعد بلفور، كانت له أول  أطلاله على موضوع القدس  في العام 1907 عندما زار فلسطين لأول مرة في حياته. لقد أمضى شهر كامل، و أمضى فقط يوما واحدا في القدس، كان هذا بعد أن أمضى أسبوع في زيارة يافا و المستوطنات اليهودية. حيث كتب في مذكراته عن هذه الزيارة: انه محزن، محزن جدا في القدس! القليل منا متواجد هناك. لا القلب و لا العين تستطيع أن ترى ولو مؤسسة يهودية واحدة! على العكس،هناك الكثير من العناصر الغريبة العدوانية و المرعبة! المآذن و أبراج الأجراس و الأبنية المرتفعة جميعها تصرخ أن القدس ليست يهودية! هناك بعض اليهود الشباب، ولكن كبار السن يخلقون انطباعا مرعبا. أنهم محطمين، قذرين، قابلين للكسر، و مغطين بطبقة من الغبار منذ سنين. الحي اليهودي في القدس قذر و مليء بالعدوى. الفقر غير قابل للوصف، التجاهل العنيد و التعصب هو موضع الألم ، عندما ينظر الإنسان إلى كل هذا!! أن تعيد تنظيم القدس، أن تعيد ترتيب كل هذا الجحيم، هذه مهمة تحتاج إلى جهد عظيم والى صبر الملائكة!في أول مشروع دولي لتقسيم فلسطين في العام 1937 و الذي اقترح أن تكون القدس و بيت لحم و الناصرة تحت المسؤولية الدولية. لم يعارض وايزمن ما اقترح حول القدس، ولقد ميز منذ البداية بين القدس الغربية و القدس الشرقية، بين البلدة القديمة و الأماكن المقدسة وبين بقية الأماكن في القدس حيث قال : أن من الواضح أن القدس و بيت لحم يجب أن تبقى خارج الحسبة. يجب أن يكونوا مناطق دولية تحت المسؤولية البريطانية العليا و تحت إشراف عربي يهودي محلي. وفي رسالة له إلى وزير المستعمرات البريطاني قال وايزمن أن القدس يجب أن تكون موصولة بالدولة اليهودية من خلال ممر بريطاني حيث سيعطي بريطانيا العظمى تواصل مع اللد و الرملة. بينما نحن نقر بشكل كامل ، و ربما حتى نرغب، أن تبقى البلدة القديمة و جزء من المدينة تحت المسؤولية البريطانية. بن غوريون الذي تسلم الراية من وايزمن و تزعم الحركة الصهيونية وكان احد العوامل الرئيسية في قيام إسرائيل عام 1948، لم يكن لديه موقف مغاير من موضوع القدس. وافق على قرار التقسيم عام 47 الذي يقترح وضع القدس و بيت لحم تحت السيادة الدولية. لم تكن لديه مشكله بالمطلق، هو وكل الزعامات اليهودية في حينه أن يتم وضع البلدة القديمة و الأماكن المقدسة تحت السادة الدولية، كانت لديهم مشكله في أن حوالي مائة ألف يهودي كانوا يعيشون في القس الغربية، أي حوالي خمس عدد اليهود في فلسطين ذلك الحين، هذا العدد سيكون خارج إطار الدولة اليهودية المقترحة، على الرغم من ذلك حتى هذا الأمر وافق عليه بن غوريون رغم المعارضة الشديدة له في أوساط القيادات الصهيونية.إذا قدر و تم التوصل إلى اتفاق ، لن يكون وضع الأماكن المقدسة يختلف عما اقترحه هرتسل قبل حوالي مائة و اثني عشر عاما، و ما يطرحه اولمرت اليوم. لن يكون هناك فلسطيني يتنازل عن الحق في حائط البراق، ولن يكون هناك إسرائيلي يتنازل عن الحق الديني في باحات الحرم. الحل الممكن و المعقول هو أن تكون تحت السيادة الدولية مع ضمان ممارسة العبادة دون أي قيود و لكل المؤمنين. هذا الحل لا يلبي طموح الفلسطينيين و لا يلبي طموح الإسرائيليين، و لكنه الأمر الأكثر قابلية للتحقيق، هذا إذا قدر وتم التوصل إلى حل في المستقبل. د. سفيان أبو زايدةszaida212@yahoo.comملاحظة: الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة اكستر في بريطانيا في العلوم السياسية، متخصص في الفكر الصهيوني تجاه القدس. و يعمل محاضرا في جامعتي بير زيت و القدس.