طغى عنوان يهودية الدولة على كل عناوين التفاوض السياسية وفرض نفسه على المبعوثين سواء كانوا أمريكيين أم أوروبيين ولم يعد قابلاً للنقاش والتفاوض ، ولكنه مسلمات يجب على كل أطراف الوساطة أن يقتنعوا به ويمرروه ويقنعوا به الطرف الفلسطيني .إنه الشرط الجديد الذي يقطع الطريق على من يريد أن يبدأ خطواته الأولى المتمثلة في الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية العديدة والتي انطلقت بموجبها عملية السلام بدءًا بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ومروراً باتفاقية أوسلو ثم اجتماعات طابا وشرم الشيخ وواي ريفر ، وكامب ديفيد ووصولاً إلى خارطة الطريق ، والرباعية والمبادرة العربية للسلام وانتهاء بمكوكية السيد ميتشل صاحب الابتسامة العريضة ، وتهديدات الإدارة الأمريكية بضرورة الدخول في مفاوضات مباشرة .كل ما تقدم خلى من البدعة الجديدة بهذا الشكل العلني والتحدي لكل الأطراف الدولية وتنكراً للشرعية الدولية وقراراتها.عندما أعلن المفاوض الفلسطيني أن لا عودة للمفاوضات المباشرة أو غير المباشرة إلا بوقف الاستيطان ، رغم أن الاستيطان ظل قائماً في ظل المفاوضات السابقة التي لم تأت على ذكر للدولة الفلسطينية على الأراضي ما قبل الخامس من حزيران يونيو عام 1967 ، والقابلة للحياة والتي تتمتع بالصلاحيات السيادية كافة رغم الإعلان عنها منذ عهد بوش الإبن وحتى خليفته الرئيس الحالي.لقد سيج الإسرائيليون الاستيطان بجدار شكل حصناً منيعاً يحمي المستوطنات التي لم تعد بؤراً استيطانية ، كما يحلو للبعض أن يسميها ، وفي حقيقة الأمر فإن التجمعات الفلسطينية المتناثرة هي البؤر التي عليها أن تنكمش أو تزول أو تزال أمام الزحف الاستيطاني الممهد ليهودية الدولة .فيهودية الدولة : لا تعني ترحيل والتخلص من عرب فلسطين الساكنين أرض أجدادهم التاريخية بل تتعداه إلى طرد سكان القرى والتجمعات والمضارب التي تأتي في " طريق النمو الطبيعي للمستوطنات" !! والزج بهم في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية المحرومة من التواصل والاتصال والماء ومن كل مقومات الدولة .إن الدولة الفلسطينية في الفهم الإسرائيلي لن تكون على خارطة جغرافية غرب نهر الأردن ، إنه كيان حكم ذاتي يتمتع فيه الفلسطينيون بحرية الحركة المسموح بها لفقدان السيادة لأن السيادة بأشكالها ومسمياتها هي شأن واختصاص الدولة اليهودية .إذن هي معالم الطريق ، ومرجعية وشروط التفاوض وإطاره ، ولا لغير ذلك إلا المزيد من طلبات تأمين وتحقيق أمن شعب الله المختار من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية ، فمبرر وجودها فقط مكرس لهذه المهمة ، إن الحديث عن يهودية الدولة يعني : تحريم الحديث عن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم ، وتحريم التذكر بأن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية غير المسموح بإقامتها والإعلان عنها ، ولا حديث عن الحدود والسيادة ، والمياه والأسرى والمبعدين بالإضافة إلى إسقاط ما تقدم ذكره .أمام هذا الطرح غير الأخلاقي وغير المنطقي وغير الواقعي والمتغطرس نذهب إلى التفاوض بوفد مختلف أعضاؤه على : هل هناك خلافات بيننا وبين الإسرائيليين ؟ أم لا ؟بعضهم قال نعم توجد خلافات ، وآخر نفى أن تكون هناك خلافات .والكل أمام ذلك يقف حائراً : إذا لم تكن هناك خلافات بيننا وبين الإسرائيليين فلماذا التفاوض إذن ؟ وعلى ماذا نتفاوض ؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا التلويح بحرب جديدة ؟ ولماذا لا تحترم إسرائيل سيادة السلطة وتوقف اقتحاماتها للمدن والقرى والمخيمات وملاحقتها ومطاردتها لمن تريد اقتيادهم أو قتلهم بالدم البارد ؟ أبهذا الأسلوب تدلل إسرائيل على أن لها شريكا في عملية السلام ؟ إن الإجابة مطلوبة من الإعلام الرسمي للسلطة الوطنية الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية وبشكل فاعل وموحد وغير قابل للتأويل وتعدد القراءات وغير كاف ما يقوم به كل فصيل أو تنظيم على حده حتى لا تعدو القضية قضية مزايدات وخطب في الاحتفالات والمناسبات الخاصة .فالكل يتحمل المسئولية ، ولن يستطيع أحد أن يتهرب بإعلانه لقد أصدرنا بياناً وضحنا فيه وجهة نظرنا .ولا يليق أن يصبح دور الإعلام المطالبة بتجديد قرار تجميد الاستيطان الذي لم ولن يجمد . فنحن نخدع أنفسنا ، فإسرائيل أعلنت على لسان رئيس حكومتها أن ذلك لن يتم مهما بلغت الأصوات المنادية بذلك من الدول كافة .لماذا وقف الإعلام الرسمي جامداً أمام هذا الشرط الإسرائيلي غير القابل للتراجع عنه وذلك بالعودة إلى إحياء القرار الأممي 181 وهو قرار التقسيم ، وعنده فلتسم اسرائيل دولتها بما يطيب لها أن تسميه .أما عن بعض سفرائنا غير القادرين على إيصال صوت شعبهم إلى الدول وإلى المنظمات كافة فلا أدري ما الحكمة من وراء ذلك .يأتي دورنا للحديث عن السلطة التي لم يعد لها إلا وظيفة واحدة تفرضها إسرائيل عليها.لا نملك سيادة على الأرض ، ولا نحمي إنساننا الفلسطيني ، وغير قادرين على الإعلان عن قيام دولة بعاصمتها القدس ، ولن ننجح في عقد مؤتمر دولي ، والأشقاء العرب كل ما صدر عنهم . أن المبادرة العربية لا يمكن أن تبقى على الطاولة إلى الأبد ، والرباعية عاجزة ، والإدارة الأمريكية لن تغضب ولن تضغط أو تملي على إسرائيل أي موقف.فلماذا أمام ذلك والاحتلال لأراضينا كافة قائم لا نعلن أن على إسرائيل والعالم تحمل المسئولية الكاملة إزاء آخر شعب في العالم مازال مستعمراً، وأمام آخر استعمار في العالم .وساعتها سيكون للفلسطينيين قول آخر .