ما أن تضع قدمك داخل سيارة الأجرة للوصول إلى عملك حتى تتفاجأ بالسائق والركاب الآخرين يتداولون الأحاديث ولا يخلو حديثهم في هذه الأيام إلا عن فلان طلع عميل وعلان أعدموه لأنه إله سنين جاسوس. هذا هو حال غزة بات مؤخراً، فأينما تجد لنفسك مكاناً تجلس به إلا وتسمع الروايات والحكايات يتناقلها الكبار والصغار كانوا رجلاً أو نساءً، حتى أصبح الأطفال يهمسون بتلك الكلمات فيما بينهم ويتداولون ما يسمعوه ممن حولهم من أهاليهم وجيرانهم وغيرهم، حتى أصبحت غزة "غابة تذبحها الإشاعات"؛ وكثيراً ما تخرج تلك الروايات عن حقيقتها الغائبة عن المواطن الفلسطيني الذي بات عقله يهمس باطنياً بأن لا يقترب من فلان أو علان خوفاً وهلعاً من أن يصبح خلال دقائق عميلاً مخضرماً وقد قتل العشرات من شباب المقاومة!!. لا أبالغ في حديثي، فأهل غزة يعرفون حقيقة ما أتداوله، ولعل ما أجبرني أمام الكتابة هي الأوضاع والظروف السيئة التي بات يغرق فيها أهل غزة من إشاعات مدمرة للنسيج الفلسطيني الداخلي، حتى أصبحت الإشاعات أمر إبداعي لدى الناس، فاستوقفني أمر خطير حول اعتقال داخلية الحكومة الفلسطينية في غزة لأحد الدكاترة في غزة حول مشكلة بينه وبين أحد المواطنين، وما أن تم اعتقاله حتى تفاجأت بالمساء بخبر حول إعدامه في مدينة غزة بتهمة العمالة؛ وإذ بعد وقت قصير يتبين لي بأن الدكتور المقصود هو حي يرزق وموجود بين أفراد ذويه وقد وصل آخرين من عائلته وهم يبكون من هول الصدمة وهم يعتقدون أنه قتل بالفعل! ولم تقف هذه الإشاعات إلى حد الحديث عن القصة الأخيرة، فمنذ أسبوع وحتى هذه اللحظات لكتابة هذا المقال والمواطنين يتداولون قضية اعتقال د. معاوية حسنين، بكلام لائق وغير لائق وإلقاء اتهامات جزافاً، ونشر أحاديث عن اعتقال أصحاب شركات أدوية وغاز بتهمة العمالة واستجواب العشرات من المواطنين ومن الدكاترة والممرضين العاملين في مستشفي الشفاء بزعم وضع أجهزة اتصالات تصنت لصالح العدو الإسرائيلي. ولم تعد هذه الإشاعات رهن الداخل الفلسطيني، بل انتقلت لشبكة المعلومات "الانترنت" ويتناقلها الفلسطينيون بكثافة عبر المنتديات الحوارية التي باتت تشكل خطراً على المجتمع الفلسطيني من نقل حقائق وروايات خطيرة عن اعتقال المواطنين من قبل الحكومة في غزة بتهمة العمالة، أو من خلال مواقع الانترنت الرسمية التابعة لفصائل معينة بزعم أن المعتقلين هم من فصائل أخرى وتهدف لتشويهها. لعل هذه الظروف الصعبة وتدهور الأوضاع في نشر الإشاعات وذبح الشعب في غزة من الوريد إلى الوريد، يستوقفني كمواطن فلسطيني لدعوة وزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية بقطاع غزة ومسؤولين جهاز الأمن الداخلي للوقوف جلياً أمام هذه الإشاعات والخروج بمؤتمر صحفي يكشف الحقائق حول اعتقال شخصيات معينة، أو على الأقل التوضيح للمواطن الفلسطيني ما يدور في الأفق حول قضية العمالة التي باتت تنتشر بكثافة وتطال رموز في غزة كأمثال د. معاوية حسنين وشخصيات أخرى حتى يصبح المواطن على بينة من أمره ووقف المهزلة التي طالت جميع شرائح الشعب في قطاع غزة وباتت تؤثر على أهالي المعتقلين الذين لا يعرفون التهم الموجهة لأبنائهم وأصبحت الإشاعات تذبح فيهم لمرارة الأحاديث المتداولة والتي يبثها العملاء الحقيقيون من أجل إشعال فتنة داخلية بين المواطنين، وهذه دعوة حرص على المجتمع ليس إلا، وأتمنى كأي مواطن فلسطيني أن تصل رسالتي للمعنيين.