خبر : أستراتيجيتان للمفاوضات ..د. ناجى صادق شراب

السبت 18 سبتمبر 2010 09:46 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أستراتيجيتان للمفاوضات ..د. ناجى صادق شراب



                                         تتعدد وتتباين ألأستراتيجيات التى ينتهجها كل طرف لتحقيق مزيد من المكاسب ، وفرض مزيد من التنازلات على الطرف الأخر. وفى هذه المقالة سأتناول اهم الأستراتيجيات التى تتطلبها مفاوضات ناجحه من قبل الدولة الراعية الرئيسة للمفاوضات وهى الولايات المتحده ، وبقية ألأطراف ألأخرى .ألأستراتيجية ألأولى تعرف بإستراتيجية البوصة أو أستراتيجية الكماشة ، ويقصد بهذه ألأستراتيجية أحتواء كل ألقوى التى لها دور مباشر فى عملية سلام كامل . وألأستراتيجية الثانية تتعامل مع أوضاع ما بعد المفاوضات وتتعامل من الراى العام فى طرفى الصراع. ، ويقصد بها تأهيل القوى المجتمعية فى كل جانب ألى القبول بما يتم التوصل اليه من أتفاقات . وما لفت أنتباهى فىالكلمات التى القاها المشاركون فى قمة وأشتطن ألأخيرة والتى أعطت أشارة البدء للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وألأسرائيليين بعد أنقطاع طويل بين الطرفين ، وهنا أود أن أؤؤكد على ملاحظتين هامتين قبل تحليل لهذه الخطابات ، ان عملية ألأنقطاع فى المفاوضات والذى يحمل الفشل يعمق من فجوة عدم الثقة ، وأتساع دور قوى الرفض والتشدد ، والملاحظة الثانية يبدو أن الأهتمام ألمريكى ما زال يركز على عملية التفاوض دون الجوهر وهذا كان أحد اهم أسباب فشل المفاوضات حتى ألأن.وهذا الفشل ادى الى حالة عدم الثقة فى أى مفاوضات على المستوى المجتمعى،وعدم المصداقية فى وجود شريك حقيقى للتفاوض ، وفى تنامى خيار الرفض والعنف ، ففشل المفاوضات يعنى ببساطة شديده نجاح مقولات القوى الرافضة والى مصداقية خياراتها ،ومن ناحية أخرى فقد أدى الفشل ألى عدم أستعداد القوى السياسية والمجتمعية لتقديم أى تنازلات مسبقة فى عملية تفاوضية تفتقد المصداقية .ومن أبرز التداعيات سيادة ألأتجاهات ألأحادية بفوز حركة حماس على الجانب السياسى لفقدان الثقة فى السلطة القائمة وخياراتها ، وبتنامى قوى اليميين والقوى ألأستيطانية التى تفرض أتجاهات أحادية على السياسة ألسرائيلية وعلى أى أنتخابات أسرائيلية قادمه من شأنها أن تأتى بأحزاب يمينية ومتطرفة ورافضه لأى عملية سلام وتقديم أى تنازلات وخصوصا فى قضية ألأستيطان والقدس . مما يصعب أى أمكانية فى مفاوضات ، ولذا أولى متطلبات أى مفاوضات ناجحة  هى فى كيفية أسترجاع الثقة لأى مفاوضات ، وهذا لن يتحقق ألا من خلال أمكانية الوصول ألى أتفاق يجد كل طرف نفسه فيه ، عندها يمكن التغلب على مشكلة عدم الثقة وعدم المصداقية . اعود لقراءة الخطابات السياسية للمشاركين فى القمة وخصوصا الخطاب السياسى للرئيس عباس ونتانياهو لتؤكد عمق الفجوة التى تواجه عملية التفاوض ، ومما لفت أنتباهى أيضا الكلمة التى ألقتها هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية والتى حملت نقطتين أساسيتين ، ألأولى أشارتها الى عبء التاريخ ، والثانية أشارتها الى أن السلام يحتاج انى قياده سياسية قادرة على أتخاذ قرار السلام . وهنا السؤال هل هذه القياده الحاضرة تتجسد فيها القدرة على ذلك ؟ وقد تكون المقارنة هنا مفيده للمفاوضات قبل ستة عشر عاما والأن . يبدو أن بيئة المفاوضات اليوم اكثر تعقيدا وصعوبة ولذلك تحتاج الى أستراتيجية جديده والتى أطلقنا عليها بإستراتيجية الكماشة . فعندما بدأت المفاوضات توفرت لها ظروفا أفضل بكثير من ألأن ، فعلى الجانب الفلسطينى كان هناك الرئيس عرفات ألأكثر شعبية وكارزمية وقدرة على أتخاذ القرار ، وإلى جانبة تنظيم فتح بقوته وقتها ، وبسيطرة كامله على السلطة الفلسطينية ، مع غياب لدور قوى للمعارضه ، ولم تكن هناك حالة أنقسام ، اليوم توجد حالة أنقسام سياسى وأستقطاب قوى بين حماس وفتح ، ، وسيطرة كامله لحماس على قطاع غزة ، وسيطرة كامله على السلطة التشريعية ،  ودور قوى لقوى المعارضة والمقاومة ، وتراجع واضح فى دور حركة فتح ، وفى  تراجع الدعم المجتمعى لأى قرار تتخذه القياده الفلسطينيه . فى هذا السياق يحكم الرئيس عباس ، وفى هذا السياق يتفاوض ، وفى جميع ألأحوال الرئيس عباس ليس الرئيس عرفات . وكل هذا يدلل على صعوبة المفاوضات فى جانبها الفلسطينى . وبالمقابل لا يوجد فى أسرئيل اسحق رابين ألأكثر تأثيرا وكارزمية ولديه القدرة على ألوصول ألى أتفاق مع الرئيس عرفات وقتها ، وألأثنان راح ضحية السلام. ، ولم تعد قوى اليسار ألأسرائيلى بنفس القوة ،ولم تكن قوة المستوطنيين وحجمهم وعدد مستوطناتهم كما هى اليوم ، أسرائيل يحكمها ألأن قوى اليميين فى ظل تنامى ألأتجاهات اليمينية والدينية المتشدده ، وبلا شك نتانياهو وعلى الرغم أنه قد يكون أحسن حالا من ألرئيس عباس ، ويملك قوة ونفوذا ألا أنه لا يستطيع أن يأخذ قرار السلام النهائى فى ظل بيئة متشدده . وعلى المستوى ألأقليمى العربى ألوضع ليس أحسن حالا ، فالنظام ألأقليمى العربى يعانى من ضعف وأختراق خارجى ، ونظمه منشغلة بقضاياها الداخلية ، وعلى المستوى ألأقليمى ألأوسع تزايد دور أيران المعارض لأى أتفاق مع أسرائيل ، ويؤثر فى قرار قوى المعارضة ، ولا ننسى الموقف السورى المعارض ، ومما قد يزيد ألأمور تعقيدا ألأطار الدولى فالموقف الأوربى غير قادر وضعيف، وروسيا منشغلة بامورها الداخلية وبكيفية العودة لدور الدولة ألعظمى ، وتبقى الولايات المتحده وهى الراعى الرئيس والمعول فى أى مفاوضات ناجحة ، ويمكن القول أن دور ألأدارة المريكية برئاسة الرئيس أوباما ما زالت حريصة على تسوية القضية الفلسطينية ، وانهاء الصراع العربى ألأسرائيلى وقيام الدولة الفلسطينية ، لكن هذا الدور تحكمه العديد من محددات السياسة ألأمريكية الداخلية وأنتخايات النصف للكونجرس ، ودور اللوبى الصهيونى ، وقضاياألأ قتصاد ألأمريكى ، الى جانب الملفات ألأمريكية فى العراق وأفغانستان . كل هذا يؤكد أن المفاوضات تتم فى ظل ظروف صعبة ، لصراع تاريخى اصعب . ومع ذلك أستئناف المفاوضات المباشرة ورغم كل ذلك يتضمن درجة من أمكانية الوصول الى حل أو تسوية أنتقالية ، ,امكانية الوصول الى حل للدولة الفلسطينية ، وأطار تسوية لما بعد الدولة . كل هذه المعطيات تفرض أستراتيجية الكماشة أو أستراتيجية ألأحتواء لكل القوى ألأخرى وخصوصا حركة حماس ، وسحب سوريا لمفاوضات مع ألأسرائيليين بدور أمريكى قوى ، الى جانب ذلك أستراتيجية ما وراء التفاوض ، والتى تهئ القاعده المجتمعية لأى أتفاق . وتقوم أستراتيجية ألأحتواء أو الكماشة من خلال جلب حماس تدريجيا للعملية التفاوضية ، سواء من خلال جعل المفاوضات أكثر قبولا لحماس ، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تغييير الظروف الحياتية فى القضايا الرئيسة فى النواحى ألأمنية ومستوى الحياة ، فلسطينيا أو أسرائيليا . وهنا يمكن أن تركز المفاوضات على وقف لأطلاق النار ، ومنع التصعيد ألعسكرى ، وأطلاق للأسرى الفلسطينيين ، واتمام صفقة شاليط ، وتقديم تسهيلات لحركة الناس بإزالة الحواجز ، ورفع الحصار عن غزة ، ووقف كافة العمليات داخل أسرائيل ، ووقف كل مظاهر التحريض ألأعلامى وفى التعليم ، ومن شأن هذه المفاوضات ان تخلق قيم وعادات جديده ، وتجعل المواطن العادى يلمس النفع من وراء هذه المفاوضات ،  ومن شأن كل هذه ألأنشطة ان تهيأ للمفاوضات النهائية . ويفضل أن تتم هذه ألأنشطة دون شروط مسبقة ، وان تساهم فيها مؤسسات أو حتى أفراد لهم صلة بذلك . ومثل هذه ألأنشطة ليس بالضرورة ان تأخذ شكل مفاوضات رسمية ،ولكنها يمكن أن تسكشف أمكانية الدخول فى مفاوضات والقبول بها . وقد يتطلب نجاحها تقديم عرض من قبل كل طرف ، مثلا تقديم وقف أطلاق نار ، واتفاقية تهدئة مقابل أنهاء أحتلال . دون أن يكون هناك ألتزام فى هذه المرحلة بإنهاء الصراع من قبل الفلسطينيين. أو ألأعتراف بإسرائيل ، مقابل مواصلة الرئيس عباس للحوار والمفاوضات . وعلى الرغم من أن هذه المفاوضات ألأستكاشفية لا تقدم أساس كاف للمفاوضات النهائية ، لكنها تضمن اشارات ولغة جديده جديرة بالتعامل . وتستوجب هذه المحادثات ألأستكشافية عدم وجود شروط مسبقة كالمفاوضات الرسمية ، وتقوم على مبدا التبادل ، وأيضا نبذ العنف وأحترام ألأتفاقات الموقعة كمؤشر على المصداقية السياسية . وفيما يتعلق بألأستراتيجية ألأخرى وهى ألأكثر أتساعا وشمولا فتخاطب الراى العام ، فالكل يؤيد حل الدولتين ، لكن ليس على أستعداد لدعم أى تنازل لتحقيق هذا الهدف . وذلك بسبب عدم الثقة على المستوى المجتمعى ، أو عدم الثقة بالمفاوضات ، ولحل هذه المعضلة لا بد من دفعة قوية فى المفاوضات عندها يمكن ان يحدث التحول من عدم الثقة الى الثقة . وهذا هو هدف هذه ألأستراتيجية . التى تعتمد على حل تاريخى يستجيب للأحتياجات ألأساسية لكل من الفلسطينيين أو ألأسرائيليين ، فلا يمكن تصور تنازلات أحادية فى القضايا الرئيسة ، دون ان يشعر المواطن أن هناك حاضر ومستقبل أفضل ، ، وهذا يتطلب أتفاق أطار مبادئ للسلام ، يمكن أن يشتمل على أعتراف متبادل لوجود كل منهما ، وألأعتراف بهوية كل منهما ، وبالأرتباط التاريخى بالأرض ، وهنا يمكن أن يبدا ألأطار هذا بالأعتراف بأن هذه ألأرض تخص الطرفين او أن لكل منهما أرتباط فيها . وألأعتراف ان كلا الشعبين فى ممارستهما لنيل حقوقهم القومية قد دخلوا فى صراع دموى لعقود طويلة ، وراح ضحيته مئات  ألألأف من الضحايا ألأبرياء ، وألأعتراف بعدم جدوى الحلول العسكرية ، والقوة المادية ، التى قد أثبتت فشلها ، وأن هذا الخيار سيقود الى الدمار الشامل . وعليه التاكيد على أنهاء هذا الصراع على أساس الحلول الوسط أما الحلول المطلقة التى تنفى وجود ألأخر لن تحقق الهدف منها ، بل ستقود الى مزيد من الصراع والدمار ، والمعاناة وعلى المستوى الشعبى الذى يدفع ثمن هذه الخيارات . ويقوم الحل الوسط على مبدا المشاركة فى ألأرض الواحده ، والتى يرتبط بها كل طرف أرتباطا وجوديا . وفى هذا ألأطار والقبول تتم تسوية القضايا الرئيسة بما يضمن لكل منهما من حفظ وجوده القومى ، والتعبير عن هويته الوطنية  فى أطار دولته الواحده ، وهنا تبدو أمكانية حل قضايا كاللاجئيين او القدس . هذه المبادئ قد تكون فى حاجة الى المزيد من التوضيح والتفصيل ، لكنها بلا شك تحتاج ألى أراده سياسية ، وقياده سياسية قادرة على تجاوز قيود وعبء التاريخ ، وتجاوز التعصب ألأيدولوجى المتزمت . وأخير المفاوضات الحالية قد تكون ألأخيرة ، وفشلها هذه المرة سيدخل المنطقة كلها فى دوامة من العنف اللامتناهى وسيكون الخاسر ألأكبر فيه الشعبين الفلسطينى وألأسرائيلى .  أكاديمى وكاتب عربى drnagish@gmail.com