بيروت / وكالات / استمرت تداعيات معركة عديسة في التفاعل على أكثر من مستوى سياسي ودبلوماسي، لكن من دون ان تحجب الضوء عن الجهود المبذولة في اتجاهات عدة لتفادي المعركة الاصعب المتصلة بالقرار الظني المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية. وبرز في هذا السياق كلام النائب وليد جنبلاط، بعد عودته من دمشق، والذي حذر فيه من فتنة يحملها معه هذا القرار، مشدداً على وجوب عدم استخدام المحكمة لغير أغراضها الاساسية، علماً أن جنبلاط ينتظر عودة الرئيس سعد الحريري من إجازته في سردينيا ليلتقيه ويبحث معه في ما يمكن فعله للحؤول دون وقوع المحظور، من دون ان يكون الرئيس بشار الاسد بعيداً عن الحركة الوقائية لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. في هذا الوقت، بقيت قضية توقيف القيادي في التيار الوطني الحر العميد المتقاعد فايز كرم بتهمة التعامل مع اسرائيل موضع متابعة واسعة، بالنظر الى الدوي الكبير الذي تركته في الشارع اللبناني، وفي أوساط التيار الوطني الحر الذي حاول العماد ميشال عون امس ان يخفف عنه هول الصدمة، عبر التأكيد ان "ما حصل لن يؤثر على ثقتنا في أنفسنا وفي الآخرين"، بحسب تصريحات نقلتها صحيفة "السفير" اللبنانية اليوم الجمعة.. وبالنسبة الى جديد هذه القضية، أكدت مصادر أمنية موثوقة لـ"السفير" أن العميد كرم اعترف أمام المحققين في فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بأنه بدأ التعامل مع العدو الإسرائيلي منذ أوائل التسعينيات، وأنه واظب على تقديم المعلومات إلى العدو حتى هذه الأيام. وقالت المصادر إن العميد كرم كان يفترض أنه بعيد كل البعد عن الشبهات، موضحة أنه لم يكن ممكناً كشف تعامله لولا "خطأ بشري" أدى إلى كشف معطيات كانت تحت الرقابة والمتابعة من قبل فرع المعلومات منذ العام 2007، من دون أن يتم ربط تلك المعطيات بالعميد كرم شخصياً. وكشفت تلك المصادر عن أن العميد كرم كان يستخدم ثلاثة خطوط هاتفية أوروبية من دول مختلفة، وهي تتمتع بحماية ضد التجسّس والمراقبة، بحيث لا يمكن معرفة أمكنة استخدامها، وقد كان فرع المعلومات يشكّ فيها نظراً لندرة استعمالها والخصوصية التي تتمتع بها من حيث الحماية. وأشارت المصادر إلى أن "خطأ" حصل أدى إلى كشف المكان والشخص الذي يمتلك أحد هذه الخطوط، فأخضع لرقابة مشددة على مدى أسبوع وتم جمع كل المعطيات المتراكمة، ليتبين أن العميد كرم هو صاحب الخطوط الثلاثة، وأنه يستخدمها للاتصال بالعدو الإسرائيلي عبر أوروبا التي كان العميد كرم يتجوّل فيها بعد مغادرته لبنان إلى العاصمة الفرنسية التي يمتلك فيها بعض الأعمال الخاصة. وأوضحت المصادر أن العميد كرم لم يلق القبض عليه في منزله لا في ذوق مكايل ولا في الشمال، كاشفة عن انه تم استدراجه الى "كمين أمني"، من دون أن توضح التفاصيل المتعلقة بكيفية إلقاء القبض عليه. واشارت إلى أنه جرت مداهمة منزله في ذوق مكايل بعد الحصول على إذن النيابة العامة، حيث صودرت أجهزة وخطوط الهاتف الأوروبية الثلاثة إضافة إلى أجهزة الكومبيوتر ووثائق عديدة، ويجري تحليلها لمعرفة طبيعة المعلومات التي كان ينقلها العميد كرم إلى "موساد" الإسرائيلي، علماً أن هناك معطيات شبه مؤكدة عن أنه زوّد الموساد بمعلومات محددة عن "حزب الله". الى ذلك، قال العماد عون تعليقاً على توقيف كرم ان "السقوط من طبيعة البشر، ومن رسل السيد المسيح الذين اختارهم بنفسه سقط 25 في المئة، توما سقط بالشك، وبطرس سقط بالخوف ويوضاس سقط بالإغراء". وأضاف: ما يصدمنا ليس الحدث بحد ذاته بل الشخص، في حال إدانته. ولكن ما حصل لن يؤثر على ثقتنا في أنفسنا أو في الآخرين، وما نزال على المواقف ذاتها، بل أقوى، جنبلاط يعود الى حلف دمشق مجدداوسنكمل مسيرتنا". جنبلاط: حركة منسقة مع الاسدعلى صعيد آخر، وغداة عودته من دمشق حيث التقى الرئيس السوري بشار الاسد، عقد النائب وليد جنبلاط مؤتمراً صحافياً بدا في توقيته مرتبطاً بحصيلة مباحثاته مع الاسد، علماً أن مقربين من جنبلاط أكدوا ان الاخير يشعر بان هناك حاجة الى بذل جهد استثنائي في هذه الفترة لتحصين الوضع الداخلي ضد خطر الفتنة، وهو بصدد إجراء مشاورات داخلية، ابرزها مع الرئيس سعد الحريري بعد عودته من إجازته الخارجية، وذلك لتدارك المخاطر المترتبة على احتمال صدور قرار ظني يتهم عناصر من حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويبدو ان حركة جنبلاط الوقائية ستكون منسقة مع الرئيس السوري. وتفيد المعلومات ان تطورات ملف المحكمة والتداعيات المحتملة للقرار الظني كانت مادة البحث الرئيسية بين الاسد وجنبلاط الذي أعرب عن قناعته بان المحكمة الدولية مسيسة وقرارها الظني سيكون مسيساً بالاستناد الى التجربة السابقة مع التحقيق. وقال جنبلاط في مؤتمره الصحافي إن "تنفيذ القرار المشؤوم والخطير 1559 كان يحتاج الى زلزال كبير تمثل في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكنت، أحد الذين اتهموا سوريا بالاغتيال. اتهمناها سياسياً ثم تبين ان كل هذا الاتهام السياسي كان مبنياً على لا شيء وأكاد اقول انه كان مبنياً على شهود الزور الذين حرفوا كل شيء. وبعد الفشل في الموضوع خرجوا علينا عام 2007 باتهام حزب الله وعام 2010 اتضحت الصورة اكثر مع اتهامات اشكينازي والتلفزيون الإسرائيلي وتحديد ايلول لصدور قرار ظني سيحدث فتنة في لبنان". وحذر من قرار ظني يأخذ البلاد الى فتنة هدفها تحييد لبنان وخراب العلاقات اللبنانية - السورية، وادخال المنطقة في دوامة عنف هائلة لمصلحة اسرائيل واميركا. وشدّد على ان جميعنا مع المحكمة والعدالة، "واياكم ان تظنوا ان سوريا ضد المحكمة، لكن يجب ألا تستخدم تلك المحكمة لغير أغراضها الاساسية، ففي سياق الكلام الخارجي والاسرائيلي هناك من يريد استخدام المحكمة للفتنة وتحريفها عن أساسها". وأكد ان علاقته بالرئيس سعد الحريري "هي علاقة صداقة وتحالف وتفاهم، وقريباً إن شاء الله سألتقيه بعد عودته من الخارج للتوافق حول كيفية منع وقوع اللبنانيين في المخطط الاسرائيلي - الغربي الذي يريد الفتنة".ورداً على انتقاد رئيس الهيئة التنفيذية لـ"القوات اللبنانية" سمير جعجع قول السيد حسن نصر الله إنه سيقطع اليد التي ستمتد على الجيش اللبناني، أجاب جنبلاط: كفانا تنظيراً من الأعالي، هناك على الارض في الجنوب تكامل موضوعي بين الجيش والمقاومة، وهذا هو السلاح الوحيد لردع اي عدوان اسرائيلي.ودعا الى إلغاء دورة الدرك، مشيراً الى انه لا يمكن تحت شعار التوازن ندخل أياً كان الى المؤسسات من دون ان نرى خلفية هذا الشخص وعائلته. تداعيات معركة عديسةجنوباً، استمر الهدوء الميداني سائداً في عديسة، بينما بدا أن إسرائيل قررت مواصلة الضغط على لبنان دولياً. وأعلن رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي مندوب روسيا فيتالي تشوركين أمس أن إسرائيل طالبت أعضاء المجلس بعقد اجتماع ثان لمناقشة الاشتباك، بعد انتهاء "اليونيفيل" من التحقيق في الحادث.وقال تشوركين إنه ناقش هذا الأمر مع أعضاء المجلس "واتفقنا على أننا سنعقد ذلك الاجتماع فور انتهاء التحقيق". وبالتناغم مع المواقف الإسرائيلية التصعيدية، قال النائب الجمهوري الاميركي رون كلاين العضو في لجنة العلاقات الخارجية والذي يزور إسرائيل لصحيفة "جيروزاليم بوست" ان الجيش اللبناني "قام بخطوة خطيرة جداً حين أطلق النار على قوة إسرائيلية على الحدود. وإذا تبيّن بالوقائع ان الحكومة اللبنانية سمحت بهذه الخطوة، أعتقد ان الكثير من أعضاء الكونغرس سيشعرون بالقلق إزاء مواصلة تقديم الدعم العسكري للبنان". في هذه الاثناء، قال الرئيس نبيه بري خلال رعايته مؤتمر مؤسسات أمل التربوية إن اتصالات جرت بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقيادة "اليونيفيل" بشأن الجنوب "وقلنا فلتتصرف قوات "اليونيفيل"، لكن اسرائيل رفضت حتى ان تقوم قوات "اليونيفيل" بقطع الشجرة لأنهم يريدون التحرش". ورأى ان المظلة العربية للبنان وزيارة أول قائد عربي للجنوب ازعجت الاسرائيليين، منوهاً بالجرأة الكبيرة التي أبداها لبنان أمس الاول في تفويت الفرصة عليهم. وأكد قائد الجيش العماد جان قهوجي "أن الجيش لن يتنازل قيد انملة عن دوره الأساس في الدفاع عن حدود الوطن، والتصدي للعدو الإسرائيلي بكل الامكانيات المتاحة".