بيروت / وكالات / لم يكن الصحافي اللبناني عسّاف أبو رحال (55 عاماً) يعلم أن جولته الجنوبية نهار الثلاثاء الفائت ستكون الأخيرة في حياته. فهو اعتاد في السنوات المنصرمة القيام بجولات شبه يومية على القرى الجنوبية وتحديداً تلك المتاخمة للشريط الحدودي، لرصد أحوال أهلها وحياتهم اليومية، كذلك لتغطية أي تصعيد مع الجانب الإسرائيلي على الحدود. خصوصاً انه سبق له وان عمل مراسلاً من الجنوب لأكثر من جريدة ودورية لبنانية وخليجية. ولكن في ذلك اليوم، انقلبت الأدوار، وبدل جولة ابو رحال المعهودة انتظرت بلدته الجنوبية الكفير عودته، لكنه عاد اليها شهيداً مقاوماً مسطّراً كلماته بدم الشهادة إلى جانب رفاقه الشهداء العسكريين في التصدّي للقوات الاسرائيلية في بلدة العديسة.وقد كان وداع عساف ابو رحال في بلدته مؤثراً خصوصاً أنه سقط بنيران القوات الاسرائيلية تماماً كما سقط والده جرجس بعمر الستين خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان يوم كان عمر ابنه عساف 27 عاماً. وما زاد في الأسى أن العائلة احتفلت قبل يومين من رحيل عساف بتخرج إبنها الاصغر جرجس ملازماً في الجيش اللبناني في الاحتفال الذي حضره رئيس الجمهورية ميشال سليمان وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.وقد تولّت القنوات التلفزيونية الفضائية والمحلية نقل خير تشييع الوالد بعدما نقلت خبر استشهاده خلال المواجهة بين الجيش اللبناني والعدو الاسرائيلي. وشوهدت الزوجة تتوّعد العدو الاسرائيلي وتناشد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن يثأر لها، فيما ابنته تبدي الاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات. أما شقيق عساف فتنبأ بزوال اسرائيل لأن المسيح لعنها. وتحت عنوان ’حارس الحدود’ نعت صحيفة ’الاخبار’ مراسلها في الجنوب، وكتبت ’لم نعرف في ’الأخبار’ طائفةَ زميلنا عسّاف أبو رحال إلا بعدما استُشهد. إنّها هويّة الشهيد الحقيقيّة: اللاطائفة. طائفة الشرفاء الذين يسقي دمهم أرضنا جميعاً دون تمييز. لبنانيّون قالوا، لحظةَ عرفوا بسقوط عسّاف في العديسة بالرصاص الإسرائيلي: ’ريتنا نموت متلو، مش برصاص بعضنا’. الموت من الخارج أفضل. أكثر صحّة. موت الداخل هو الموت’.واضافت الصحيفة ’لكنّ دم عسّاف أبو رحّال ليس صدفة. لا صدفةَ في الأقدار. دم ابن الكفير الشيوعي عسّاف جرجس أبو رحّال سقى أمس تراب الجنوب، إلى جانب الذين سقوه، شهادةً على وحدة دم اللبنانيّين ووحدة مصيرهم وجواباً سلفاً على حسابات إسرائيل’.وختمت ’ما أسعد دمك يا عسّاف! ما أسعد دم الشهداء! شمسه الحمراء تزرع في التراب ربيعاً دائماً، ربيعاً أقوى من الموت، ربيعاً لا يكتفي بتسييج الكرامة، بل يَصْنع الإيمان’.ويشرح مسؤول القسم الثقافي في جريدة ’الاخبار’ الصحافي بيار أبي صعب كيفية مقتل زميله في الصحيفة فيقول ’توجه ابو رحال إلى منطقة الاشتباك ليكون من الصحافيين الأوائل الواصلين. كان قريباً من موقع للجيش اللبناني عندما أصيب. هو ابن الأرض وكان يريد أداء واجبه. وهو من الصحافيين الذين ساعدوا الجريدة منذ انطلاقتها على تحقيق رهانها بأن يكون عملها ميدانياً ويطال قرى وأطراف الوطن’.وفي مبنى الجريدة ما زالت الصور التي بثتها إحدى القنوات المحلية اللبنانية لجثة أبو رحال وهي لا تزال ملقية على الأرض، تصيب الزملاء بصدمة كبيرة’، ويقول بعضهم ’هذه معمودية دم لـ’الأخبار’ التي انطلقت العام 2006. وقد دفع عساف ثمناً غالياً عن كل الجالسين في مكاتبهم هنا في الجريدة’.وقد تقبّلت أسرة الجريدة امس التعازي بغياب الزميل ابو رحال في مبنى نقابة الصحافة. وأكد وزير الإعلام طارق متري ’ان استشهاد الصحافي أبو رحال يأتي في سياق العدوان الإسرائيلي على لبنان’.وقال ’سبق لهذا الوطن ان دفع كوكبة من شهدائه في الصحافة على يد إسرائيل. هذا ليس الشهيد الأول، والإسرائيليون نادراً ما ميّزوا بين المدنيين والصحافيين أثناء اعتداءاتهم’.وشدد وزير الإعلام على تضامنه مع عائلة الصحافي الراحل والجريدة التي يعمل فيها’، مؤكداً ’ان الشكوى التي تقدم لبنان بها إلى مجلس الأمن تتضمن استهداف المدنيين من صحافيين وغيرهم’.اما نقابة المحررين فأشارت في رثاء الفقيد الى انه ’في زمن الشدائد، لا يكون في المقدمة الا الرجال الرجال، وعساف ابو رحال واحد من هؤلاء. فهو في ساحة الوغى ليس ابن الامس القريب، بل منذ نعومة اظفاره. انخرط في صفوف من آلوا على انفسهم الدفاع عن الوطن وعن ترابه وكرامته ’.يُذكر أن أبو رحال من مواليد بلدة الكفير المختلطة من الدروز والمسيحيين الاورثوذكس عام 1956 له ثلاثة أولاد شابان وفتاة .وقد عمل أبو رحال في الحقل الصحافي لفترة طويلة بداية في جريدة ’النداء’ الشيوعية، ثم جريدة ’المستقبل’ منذ بداية صدورها حتى عام 2003 قبل أن ينتقل الى جريدة ’الأخبار’ ومجلة ’شؤون جنوبية’.وهو لم يكن بعيداً عن الهم الوطني الذي حمله سنوات عند نشأته وترعرعه في صفوف الحزب الشيوعي، حاملاً السلاح عند منحدرات جبل الشيخ وتخوم مزارع شبعا وفوق تلال العرقوب الى جانب رفاق له في الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية’.وهكذا ينطبق على الشهيد عساف ابو رحال أنه حمل القلم بيد والسيف بيد أخرى، وأنه إنضم الى قافلة شهداء الصحافة وشهداء مهنة المتاعب، وبدل أن يؤرّخ ويصوّر المواجهة سقط ضحيتها وصار هو الخبر.