في السنين العشرين الاخيرة تقضي أجهزة مختلفة، مرة بعد أخرى، في فضل تفوق اعتبارات الآباء والمبادرين التربويين على مطامح وزارة التربية الى جهاز تركيزي، وموحد يسيطر عليه من المركز. وبرعاية اعتراف المحكمة العليا في حق الآباء في تربية أبنائهم، قامت عشرات المدارس الخاصة، العلمانية والدينية، ذات أسماء مثل كيسم او نوعام واسماء أخرى ابداعية. يوجد شيء من السخرية في أنهم استعانوا باطار تربية معروفة غير رسمية، ترمي في أساسها الى تسوية مكانة التربية الحريدية، مع سن قانون تربية رسمي في 1953. ان المدارس الخاصة العلمانية والصهيونية المتدينة هي في اكثرها انتقائية تماما، ولا تدرس بحسب البرنامج الدراسي لوزارة التربية. وفضلا عن انه لا توجد في هذه المدارس مادة الدراسة الجوهرية المأمولة، ترفض أن تمتحن أو ان تشارك في امتحانات "متساف" وأن تخضع نفسها للرقابة. إن كثيرا من تلك المدارس أنشىء برغم أنف السلطة المحلية وحكومة اسرائيل على أنها "مبادرات آباء". يوجد فيها مدارس بيئية وديمقراطية وغيرها، افتتحت برغم أوامر في اغلاقها وبرغم عدم وجود رخص. بدأت احداها طريقها داخل حانوت. واستخفت جميع تلك الجهات التي لا تملك رخصا بالقانون وعملت سنين بلا ترخيص، وفي اللحظة المناسبة ثبتت نفسها في الاطار المعروف غير الرسمي وغير الممول من قبل الدولة. إن وضع التربية المنزلية أشد غلوا. ففي دولة اسرائيل أكثر من 250 عائلة تجري تربية منزلية، ناقضت لسنين طويلة قانون التربية الالزامية. لم يحلم أحد بمحاكمتها أو تهديدها. بل العكس، فان وزارة التربية، بحساسية تستحق الذكر، طورت أجهزة هادئة تضمن رفاهة الولد وترتيبات رقابة دقيقة على نحو خاص. الآباء الحريدون لا يتمتعون بنفس الروح من الاعتراف بمكانتهم الأولية في شؤون تربية ابنائهم. في حالة عمانوئيل، ولأول مرة في تاريخ جهاز التربية الاسرائيلي يستعمل صلاحية المحكمة على الآباء. يصعب ألا نعتقد في أن الحديث عن ذعر نتاج الديموغرافية الحريدية. فعندما يكون الحديث فقط عن معاودة رجوع أو تحريض سياسي/اعلامي، يكون هذا غير لذيذ فقط. لكن عندما يبلغ حرم المحكمة العليا، يحسن أن يقلق الليبراليون والديمقراطيون في نفوسهم والأقليات المختلفة في اسرائيل. في الفترة الاخيرة يندمج حريدون كثير في شتى المجالات، من العمل الى الخدمة العسكرية في أطر خاصة وناجعة، الى خدمات الرفاهة والصحة العامة. لم تتم اجراءات التغيير هذه ولن تتم على أثر قرارات محكمة العدل العليا او بأوامر وعقوبات. بل نشأت عن الفهم الذي أخذ يزداد ويقول ان اليهود ذوي الهوية المختلفة، الدينية والعلمانية والحريدية، قد يعيشون في ضمن الاطار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي نفسه. ليس حاخامو وعائلو وآباء الجمهور الحريدي غير مكترثين بتربية ابنائهم ولا تقل مسؤوليتهم عن كل إطار آخر يتعلق بالمعنى العميق لكلمة "تربية". يعمل الاسرائيليون صدورا عن اعتراف بالاختلاف. يوجد من يغيظهم ذلك، ويوجد غير المكترثين، بل من يحتفلون بالتكاثر بلا حسد. من واجبي، بل من حقي أن أذكر أنني لا أتخذ أي رأي في الحالة المحددة لعمانوئيل بل انني غير خبير بتفصيلات الحالة سوى كوني مواطنا مسؤولا وحريديا. وأقول بأسف وبحذر كبيرين إن المحكمة في هذه الحالة لا تخدم احتياجات الطالبات في المؤسسة وغاية التربية في اسرائيل، وانها قد تمس في الأساس الاتجاهات المكشوفة وغير المكشوفة التي أخذت تنشأ أخيرا وتخدم المصالح الاساسية والاستراتيجية للمجتمع في اسرائيل كمجتمع يحتذى عليه.