شاركت مطلع الشهر في نقاش في مؤتمر عقد مكتب المحامين في ايلات. وكان موضوع النقاش: القرار الاقتصادي – الميزاني الذي صدر عن المحكمة العليا. كان بين أعضاء المنتدى مستشارون قانونيون سابقون للحكومة، وقضاة أعلون متقاعدون، ومحامون ووزراء حكومة. بعد نقاش للأمور صيغ ما يشبه اتفاقا عاما بين المشاركين. لم يخالف أحد عن حق المحكمة العليا غير المعترض عليه في أن تبت في قضايا اقتصادية وميزانية، على حسب قوانين الدولة. ولكن – ويوجد ولكن – عندما تؤثر قراراتها في الاقتصاد كله، وعندما يكون لها تأثيرات اقتصادية عامة عريضة، يحسن ومن الصحيح أن يستدعي القضاة والقاضيات الجلة الى قاعة المحكمة خبراء مستقلين بالاقتصاد والاجتماع وأن يجلسوا بعد ذلك فقط لتلخيص قرار الحكم. تذكرت ذلك النقاش المهم عندما قرأت قرار المحكمة العليا في قضية مخصص اكمال الدخل، الذي يدفع بفضل قانون الميزانية الى أشخاص يدرسون وهم أرباب عائلات ذات ثلاثة أولاد فما دونهم. قبل عقد توجه الى المحكمة العليا مستأنف (قضى نحبه في هذه الاثناء) ومستأنفة (نأمل لها حياة مديدة) وطلبا، باسم قيمة العدل الاقتصادي ومنع التمييز، اصدار أمر يأمر الدولة في منحها مخصصا أيضا للطلاب الذين يدرسون في مؤسسات الدراسات العليا. دأبت المحكمة على القضية 120 شهرا واستقر رأيها آخر الامر على أن خزانة الدولة لن تدفع مخصصا للطلاب الجامعيين لكنها ستكف من الفور عن دفعها الى المتدينين غير العاملين. بحسب التوجه الذي يقول إنهم اذا لم يكونوا يستحقون فأن الاخرين ايضا لا يستحقون. إن قرار الحكم هذا في رأيي مشكل جدا، يمكن ان يكون في المستقبل مثالا على كثرة اخفاقات سلوك المحكمة العليا اذ تقعد مثل محكمة عليا تقضي في شؤون ميزانية الدولة، كما أثير ذلك في النقاش في مؤتمر مكتب المحامين. أولا هنالك التسويف. فقد احتاج قضاة العليا عشر سنين لتبين ما هو الحكم القانوني لنحو من 60 الى 70 مليون شيكل من كتاب الميزانية (هذا هو مبلغ المخصصات التي دفعت قبل عقد؛ وقد زادت في هذه الاثناء لتصبح 110 ملايين شيكل). لا يوجد أي تسويغ لهذا السلوك. اذا كانت المخصصات قد دفعت الى المتدينين المتعطلين على غير موجب القانون فان ذلك يعني ان المحكمة العليا سببت لجمهور دافعي الضرائب ضررا متراكما يبلغ مليار شيكل بحسب أسعار اليوم. وثانيا، تجاهلت المحكمة العليا تماما الطابع المتميز لسياسة الميزانية وحصرت عنايتها في تفسير ضيق صوري لمفهوم المساواة وعدم التمييز. يحل للدولة اجراء سياسة اقتصادية تمييزية بل انها تجريها بالفعل، في مئات الحالات على أنها أداة لاحراز أهداف اقتصادية واجتماعية مختلفة. ومن المؤسف جدا انه لم يدع الى النقاش الذي استمر 120 شهرا اساتذة جامعات في الاقتصاد، والاقتصاد الاجتماعي خاصة للادلاء بشهادتهم. وثالثا، أغمضت المحكمة العليا عينيها، كما تبين قراءة قرار الحكم عن تأثيرات قرار الحكم في الوسط الحريدي. وكأن الحكام يرغبون في معاقبة هذا الوسط. إن الرجال المتدينين الفقراء جدا الذين يتناولهم قرار الحكم هم في أنفسهم ضحايا هذا النهج. انهم ضحايا النهج (وسن القوانين) الحكومي لسنين طويلة والذي دفعهم الى أن يصرفوا عنايتهم كاملة الى الدراسة المقدسة التي منعتهم أن يكسبوا حتى شيئا ضئيلا من المهارات والقدرات المطلوبة للاندماج في سوق العمل وحكمت عليهم بالفقر الذي ينتقل من جيل الى جيل. منعت المحكمة العليا في قرار حكمها كما قلنا آنفا الدولة ان تدفع اليهم مخصص اكمال دخل يبلغ ألف شيكل كل شهر. هذا منع سيدفع تحقيقه هذه العائلات عميقا تحت خط الفقر ويزيد تعلقها المطلق بالمؤسسة الحريدية الخانقة. انسوا انضمام الرجال المتعطلين المعاقبين الى القوة العاملة: فعندما سيأخذون منهم مخصصات الدولة ستزيد غربتهم عنها. ان قرار المحكمة العليا قد يوجه اذن ضربة قاتلة الى "ثورة العمل" الهادئة التي تتم تحت السطح في المجتمع الحريدي. كان يمكن بعد عقد من التسويف ان نتوقع من المحكمة العليا في دولة اسرائيل ان تسهم اسهامها المدروس الجليل في ادماج الجمهور الحريدي الى دائرة العمل، وألا تكتفي بقرار حكم يمكن الالتفاف عليه آخر الأمر في وسائل سياسية، بنقل مادة ميزانية هامشية من سطر الى آخر في كتاب الميزانية. لقد أضيعت هنا فرصة كبيرة.