خبر : ضد الريح/هآرتس

الثلاثاء 18 مايو 2010 11:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ضد الريح/هآرتس



 قضية ايقاف اللغوي الشهير البروفيسور نوعم تشومسكي في جسر اللنبي، ومنع دخوله الى اسرائيل، هي ذروة جديدة في المعاملة المثيرة للحفيظة التي تنتهجها اسرائيل تجاه كل من يتجرأ على انتقاد سياستها. اسرائيل تتخذ صورة الازعر الذي يشعر بالاهانة فيحاول الصراع ضد الريح، ايقافه وطرده.  تشومسكي هو رجل فكر موضع خلاف وجريء. بحوثه في مجال اللغويات منحته شرفا لا شك فيه، اما مقالاته وخطاباته السياسية فجعلته غير مستحب لدى الكثيرين في الولايات المتحدة وخارجها.  ومع ذلك، من الصعب تصور دولة حرة لا يشرفها ان يزورها تشومسكي، باستثناء، على ما يبدو، اسرائيل. فهذه تدير ضده حملة محاسبة خاصة. كيهودي مكث فترة قصيرة في اسرائيل ويتكلم العبرية بطلاقة، يبدي تشومسكي دورا عميقا في ما يجري فيها. في مقالات عديدة، في عرائض وفي بيانات ينتقد بشدة افعالها ومواقفها. مثل كثيرين في اليسار المثقف في الولايات المتحدة يندد تشومسكي بالاحتلال بكل الفم ويبدي عطفا للكفاح الفلسطيني ضده. في السنوات الاخيرة اقتبس مرات عديدة وصفه لاسرائيل كدولة ابرتهايد، ورغم ذلك فقد عارض بشدة المقاطعة الجارفة لها، بدعوى أنه يجب مقاطعة المستوطنات والجهات المؤيدة لها في اسرائيل وغيرها من البلدان، بما فيها الولايات المتحدة، ولكن لا معنى لمقاطعة الجمهور او مؤسسات التعليم العالي في اسرائيل.  غير أن اسرائيل فقدت، على ما يبدو، ما تبقى من تسامح تجاه كل من لا ينضم الى جوقة مؤيديها المتقلصة. في اليمين (وليس فقط فيه) يرون في تشومسكي فارا، خائنا وعدوا للشعب. تفاصيل القضية، كما تظهر من تقرير مراسلة "هآرتس" عميرة هاس تبدو وكأنها مأخوذة من مسرحية عبث، او من مسرحية هزلية سياسية عن أزمنة وأماكن سيئة الصيت والسمعة. الاسئلة التي عرضها على تشومسكي مراقب الحدود بتعليمات من المسؤولين عنه، يحتاج المرء الى يقرأها عدة مرات قبل أن يصدق ما يقرأ. فقد قيل لتشومسكي "اسرائيل لا تحب ما تقوله أنت". فهل هذا سبب معقول في دولة ديمقراطية لتوقيف شخص للتحقيق او لتأخيره في معبر الحدود؟ ومن هي "اسرائيل" تلك التي لا تحب ما يقوله تشومسكي؟ الجمهور؟ وزارة الداخلية؟ منسق الاعمال في المناطق؟ الحكومة؟  لا حاجة لان يكون المرء مؤيدا عنيدا لتشومسكي كي يتضامن مع وصفه الذي كان فيه بانه حسب سلوك اسرائيل فانها تذكر بسلوك جنوب افريقيا في الستينيات، حين فهمت بانها منبوذة وظنت انته سيكون بوسعها حل ذلك من خلال الاعلام الافضل.  اما الان، وبعد أن انكشفت القضية، يدعون في وزارة الداخلية بان منسق الاعمال في المناطق هو الذي كان يفترض أن يعنى بتشومسكي، والتوقيف هو نتيجة سوء فهم. اما المنسق فيدعي بانه لم يعرف عن وصول اللغوي. وهذا، في افضل الاحوال، ادعاء محرج بالسذاجة. من الافضل ان يعتذر وزير الداخلية ايلي يشاي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتشومسكي وان يحرصا على أن يتمكن من التحرك بحرية في اسرائيل وفي كل مناطق الضفة، بما في ذلك جامعة بيرزيت. ليس متأخرا بعد اصلاح بعض مفاسد هذه السخافة الضارة.