خبر : معلق إسرائيلي: كيف يمكن التساؤل عن أخلاقيات غولدستون في الماضي وإسرائيل غارقة في إشكاليات أخلاقية في الحاضر؟

الجمعة 14 مايو 2010 10:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
معلق إسرائيلي: كيف يمكن التساؤل عن أخلاقيات غولدستون في الماضي وإسرائيل غارقة في إشكاليات أخلاقية في الحاضر؟



القدس المحتلة / سما / نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالا كتبه المدير التنفيذي لرابطة الحقوق المدنية في اسرائيل هاغاي العاد بعنوان "دبابيس في دمية غولدستون"، هذا نصه: "ما الذي سيفعلونه بعد ذلك؟ يبدو أن الحملة الساعية إلى تشويه سمعة القاضي ريتشارد غولدستون ولجنته لتقصي الحقائق (في الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة) والتقرير الذي يحمل اسمه تتصاعد كل أسبوع. وآخر حلقة في هذه المهزلة المليئة بالدراما كانت الكشف عن ملفات غولدستون خلال حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، بما يتضمنه ذلك من إمكانية تجاهل تقريره. وتدور في الذهن المحاولات الشديدة المكثفة التي يبذلها المسؤولون الإسرائيليون وغيرهم لفعل كل شيء من أجل تجنب التساؤلات الحقيقية حول المسؤولية والسياسة والعدالة ، تلك التساؤلات التي تحوم بلا إجابة منذ عملية "الرصاص المسكوب". لكن الأسئلة غير المريحة تبقى في العادة، ولا تؤدي محاولات التخفي وراء ستار كثيف من الدخان الا الى إلى جذب المزيد من الانتباه لما يمكن أن يكون وراءه.   ومع ذلك، فقد ساعدت الهجمات الأخيرة على غولدستون في إعادة قضية مهمة إلى النقاش والرأي العام وطرح سؤال قد يكون الأكثر أهمية: المسؤولية الأخلاقية. كيف يجب أن يتصرف الأفراد حين يواجهون بالظلم؟ وما الذي نتوقعه من قضاتنا وموظفي الخدمة العامة والمسؤولين المنتخبين؟ ومن أنفسنا؟ ان التركيز على ماضي غولدستون، بعيداً عن تمكيننا من الهرب من الأسئلة العالقة حول "الرصاص المسكوب"- وغير ذلك من الأسئلة التي تتعب كل من ينشد العدالة - يسلط الضوء على هذه الاسئلة ويبرزها.   وها هي بعض الأسئلة التكميلية حول العدالة وأولئك المتورطين في الإساءة لها. وينبغي ملاحظة ان هذه الأسئلة لم تستمد من الماضي السحيق، بل من الوقت الحاضر ومن هنا. إنه الحاضر الذي سيحدد مستقبلنا- وإلى أي مدى ستكون العدالة جزءا منه.   ولنتأمل هذا الوضع: ما هو الحكم الأخلاقي للقارئ على قانون يسمح لمجموعة من الناس ادعاء ملكية سابقة وينكر نفس الحق على الآخرين؟ هذا هو السؤال اليوم في الشيخ جراح.   كيف يمكن أن نحكم على ممارسات المستشارين القانونيين الذين يوافقون على إخلاء منازل من سكانها الأصليين الذين أقاموا فيها طوال الوقت في مركز مدينة مزدهرة، وإجراء فصل كامل بين مئات من القادمين الجدد والآلاف الذين تم إخلاؤهم؟ هذا هو السؤال اليوم في الخليل.   وما الذي نعتقده بخصوص القادة العسكريين الذين يعاقبون بشكل جماعي أكثر من مليون شخص، وتزويدهم بالكاد بالأغذية والاحتياجات التي تبقيهم فوق "خط الدولة الأحمر السري"؟ هذا هو السؤال اليوم في غزة.   ما الذي تفكر به حول محكمة العدل التي تتحدث بمصطلحات استعلائية حول خطأ إنشاء طرق منفصلة، لكنها تفشل في ربط المبادئ بالممارسة، ولا تقوم ببساطة بحظر مثل هذه الطرق تماما؟ هذا هو السؤال اليوم بخصوص شارع رقم 443.   من الناحية الأخلاقية، كيف تشعر تجاه حكومة تصدر أوامر باعتقال قادة لتظاهرة سلمية غير عنيفة؟ هذا هو السؤال في قرى الضفة الغربية مثل بلعين.   ليست هذه أسئلة عن ماضي غولدستون. بل هي أسئلة حول حاضرنا. ان وقفتنا في رمال الأخلاقيات المتحركة غارقين حتى الركب لن تكون اكثر الوقفات إقناعا عندما نطعن منها في اخلاقيات الآخرين. ولكن لا داعي لان نتوقف عند هذه النقطة. دعونا نتقدم الى الامام ونفترض للحظة أن غولدستون مذنب حسب التهمة الموجهة اليه لقيامه بخدمة نظام ظالم. واذا شئتم، بينما نحن عند هذه النقطة، دعونا نقر بالرواية الخيالية القائلة بان جزءا كبيرا من تقرير غولدستون، وفق ما ادعاه زورا المتطرفون المنتمون لفريق إم تيرتزو، يقوم على اساس اعمال المنظمات الاسرائيلية غير الحكومية لحقوق الانسان. ما الذ يعنيه ذلك؟ والى اي مدى يمكن لهذه المعلومات ان تؤثر في المسائل الحقيقية المتصلة بالعدالة والاخلاقيات التي يجب علينا ان نعنى بها؟ هل اي من هذه الانحرافات تجعل من القضايا الرئيسية بشأن قواعد الاشتباك التي اتبعها الجيش الاسرائيلي اثناء عملية "الرصاص المسكوب" او بشأن الاصابات بين المدنيين غير المقاتلين في غزة اثناء العملية العسكرية، اقل استعجالاً او ضرورة؟ في نهاية الامر، بعد ان يطرد غولدستون في آخر المطاف كمشعوذ وتكون ابواب المنظمات الاسرائيلية غيرالحكومية لحقوق الانسان قد اغلقت، ماذا سيحدث بعدئذ؟ الا تبقى المحاسبة حجر الزاوية في حكم القانون؟ وبترك الانحرافات جانباً للحظة- مع تقدير الكاتب لمدى صعوبة ذلك على اساس ان الانحرافات ولا شيء غيرها هي التي تستبد بتوجهات الحكومة- الا تبقى لدينا شكوك قوية، ومعلومات ناقصة، وحاجة حقيقية تماما لاجراء تحقيق مستقل ذي مصداقية في عملية "الرصاص المسكوب"؟ غولدستون ليس مسؤولا وحده، ولكن كلنا مسؤولون، اخلاقياً عما نفعل وما نتقاعس عن عمله، وعندما نختار ان نتحدث دعماً للعدالة او ان نصمت ونساعد في ادامة ما هو ظلم. لقد اصبح ماضي جنوب افريقيا جزءا من مستقبلها عبر مسيرة الصدق والمصالحة. اما هنا في اسرائيل، فالامر لا يقتصر على عدم وجود عملية مصالحة، وعدم وجود رغبة لدى الحكومة ولا بين معظم افراد الشعب لمواجهة الحقيقة المؤلمة. وبدلا من ذلك فان التركيز يظل على تفادي الحقيقة، وهو ما لا يؤدي الا الى ابعادنا اكثر عن المصالحة او العدالة. ان المسافة المتصاعدة بين الاتجاه الذي تشير اليه بوصلة الاخلاقيات، والموقع الذي نتجه اليه كمجتمع، ليست مشكلة نلقي بها على احد غيرنا. ويمكننا ان نغرز الدبابيس في لعبة الفودو التي تصور غولدستون بقدر ما نريد، ولكن عندما نفتح اعيننا صباح الغد، ستظل الحقيقة ذاتها ماثلةً في مكانها، تماما مثلما تركناها. وقد حان، من الناحية الاخلاقية، أوان صحونا والقاء نظرة مخلصة على صورتنا كما تعكسها مرآتنا، والسعي وراء الحقيقة بدلا من محاولتنا اليائسة الانانية المعيبة لاخفائها – والاختباء منها".