خبر : الاتجاه – غربي القدس / بقلم: نداف شرغاي / اسرائيل اليوم 7/5/2010

الأحد 09 مايو 2010 11:03 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الاتجاه – غربي القدس / بقلم: نداف شرغاي / اسرائيل اليوم  7/5/2010



في ليل السبت الاخير، في منتصف القداس، احترق مصباح الانارة في منزل عائلة ليفي في شارع بار يكار في حي النبي يعقوب في شمالي القدس، فانقطع التيار الكهربائي عن الشقة، وبقي ابناء العائلة المتدينة في الظلام. بعد دقيقة من التراكض هنا وهناك، تغلب أفراد العائلة على حرجهم، فدقوا باب منزل جارهم العربي نبيل الذي انطلق من ورائه صوت المغنية اللبنانية نوال الزعبي وطلبوا منه أن يقوم بدلا منهم احتراما للسبت باشعال النور في الشقة. فاستجاب نبيل بسرور.             وفي المنطقة المجاورة لشارع سييرت دوخيفات في بسغات زئيف، الحي المقدسي الشمالي الاخر، تسكن عائلات عربية. قبل نحو اسبوعين تسلى هناك ابناء عائلة عيني وابناء عائلة حلاق بمباراة كرة قدم، فيما اصابت كرة فجأة بقوة وجه عباس، ابن 9، سقط وبدأ يتقيأ. رفاقه اليهود نقلوه بسرعة الى جارهم، الطبيب العربي الدكتور خلايلة الذي يسكن في الحي اليهودي فقدم له اسعافا أوليا.             هذه الحكايات، قصص صغيرة عن نسيج حياة جديد جلبتها معها هجرة العرب الى الاحياء اليهودي في شمالي القدس. قد لا تكون تهم الولايات المتحدة اوباما. ولكنها تنطوي على تغيير دراماتيكي لا يقل عن التغيير الذي يجري في الاحياء العربية، التي يدخل اليها اليهود.             في المركز التجاري لحي التلة الفرنسية مثلا، وهو حي يهودي آخر في شمالي العاصمة، يبرز خليط السكان الجديد هذا على نحو خاص: مركز الحي، شارع ههغنا يعج في الصباح بمئات العرب الذين انتقلوا الى السكن في المنطقة، وبمئات من سكان حي العيسوية المجاورة. العبرية تكاد لا تسمع هنا، سواء كان في المقهى، في المحلقة او في البنك.             في يوم الذكرى الاخير تلقت الديمغرافيا المتغير هذه تعبيرا ملموسا، عندما وقفت الموظفتان في فرع البريد المحلي صامتين في اثناء الصافرة بينما جمهور الزبائن، الذي يكاد يكون كله عرب، واصل شؤونه.             التغيير يؤدي ايضا الى التوتر: في ملاعب الرياضة وفي الحدائق العامة تنشب غير مرة مشادات وجدالات بين الفتيان اليهود والفتيان العرب. الشابات اليهوديات اللواتي يمرن في مركز ليرنر، المركز الرياضي الكبير قرب الجامعة في جبل المشارف، يرافقهن في الصباح وفي المساء عمال او اصدقاء يهود، بعد أن ازدادت تحرشات الشباب العرب. كما أن لموجة الكسر والخلع للشقق والسيارات يوجد ميزة واضحة: الكاسرون والخالعون للشقق والسيارات كما تبين غير مرة هم الجيران من القرية المجاورة الذين يقضون ساعات اليوم في الاحياء اليهودية.             في كنيس "خيمة غبريئيل وابراهام" في شارع بتسليئيل في بسغات زئيف تعصف الخواطر: يهودا غباي، الذي أقام الكنيس، والحاخام، يتوجهان المرة تلو الاخرى الى المصلين مناشدين اياهم عدم بيع او ايجار شققهم للعرب. ولكن معظم البائعين ليسوا ممن يأمون الكنس، والمقاطعة والنبذ لا يؤثران عليهم.             بسبب الجدار الامني             "الاستيطان" العربي في قلب "مناطق مكتظة بالسكان اليهود" لا يثير الانتباه الدولي، كما يثيره "الاستيطان" اليهودي في قلب المناطق المكتظة بالسكن العرب، ربما لان الدافع بشكل عام مختلف. السبب المركزي الذي يدفع "الاستيطان" اليهودي هو سياسي – ايديولوجي: الرغبة في اسكان كل اجزاء القدس والتخوف الكبير من تقسيم المدينة. اما السبب المركزي الذي يدفع "الاستيطان" العربي فهو مادي – اقتصادي.             "الاستيطان" العربي الذي لا يكثرون من الحديث عنه بدأ قبل نحو خمس سنوات حين على خلفية موجة الارهاب اقيم جدار امني. اسوار الاسمنت العالية أخرجت عمليا من نطاق المدينة نحو 40 الف فلسطيني. الرد الفلسطيني فاجأ الكثير من الاسرائيليين: في غضون نحو سنتين نزح الى الجانب الاسرائيلي من الجدار بين 50 الى 90 الف فلسطيني (حسب تقدير مصادر الامن). لم ينضمهم احد. كانت هذه حركة عفوية لاناس خشوا من فقدان مكان عملهم وتعليمهم، حرية الحركة، حق الوصول الى اماكن العمل والاستحقاقات لمخصصات الشيخوخة والتأمين الوطني.             كما أن الاعمال التجارية تحركت غربا. الكثير من المهاجرين الجدد، ذوو بسطات وتجار، خشوا من الاقتراب من حكم السلطة الفلسطينية، ولكنهم خافوا الحديث عن ذلك بشكل علني. في غضون بشع سنوات ارتفعت اسعار الشقق في الاحياء العربية في الجانب الاسرائيلي للجدار الى رقم قياسي. في بيت حنينا وفي العيسورية لم تتبقى شقة لطبيب. بعض من السكان الجدد تنازلوا فسكنوا باكتظاظ، حتى في الاقبية.             وعندما "سدت" الاحياء العربية، بدأ السكان الذين انتقلوا الى الجانب الاسرائيلي من الجدار يشترون ويستأجرون الشقق في الاحياء اليهودية من القدس ولا سيما في الشمال. واليهم انضمت شريحة مثقفة من الاكاديميين، رجال التعليم والاطباء العرب، بعضهم مسيحيون من الجليل، ممن طلبوا لانفسهم مكان سكن في محيط غربي يقدم خدمات على  مستوى عال وكذا حفنة من العملاء الذين اسكنهم جهاز الامن هناك.             معهدان للبحوث وثقا ما يجري: معهد القدس للبحوث الاسرائيلية والمركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية. ولكن الهيئة الوحيدة التي عنيت بالمتابعة المنهاجية للظاهرة كانت "سلطة شكاوى الجمهور لشؤون شرقي القدس"، وهي هيئة ذات طابع يميني صرف، يرأسها آريه كينغ.             في العام 2007 درس رجال كينغ 100 شارع في الاحياء اليهودية من القدس. وبلغوا عن 380 وحدة سكن ومحلات تجارية اشترتها او استأجرتها عائلات عربية. في كانون الثاني 2010 اجري استطلاع متجدد في ذات المائة شارع، وعثر على 576 وحدة سكن اشتراها او استأجرها العرب – ارتفاع بمعدل 42 في المائة.             التقدير في بلدية القدس هو أنه انتقل الى الاحياء اليهودية في شمالي المدينة حتى الان نحو الف عائلة عربية.             ولكن ليس فقط الشمال يتغير. فقد بدأ العرب يشترون شققا في وسط القدس ايضا، في شوارع مثل كيرن هيسوت، يافو، حفتسيلت، الملك جورج، الحاخام كوك او البلماخ، وكذا في الاحياء الجنوبية: غيلو وتلبيوت الشرقية. بالاجمال يدور الحديث عن نحو 1.500 عائلة عربية تسكن في الاحياء اليهودية بالاجمال. هذا الرقم لا يتضمن الاحياء التي تسمى "مختلطة". وهو أعلى بكثير من عدد اليهود الذين استوطنوا في شرقي المدينة. إن هذه الظاهرة، التي أخذت تزداد زخما في السنين الاخيرة تؤثر في الحقيقة في نسيج الحياة في الاحياء التي يهاجر اليها العرب، لكن لها معنيين أعمق بأضعاف مضاعفة.             الأول: على حسب الانطباع عند الباحثن الذي يقوم على أحاديث مع سكان عرب، تقسيم المدينة بهدي من مخطط كلينتون الذي يحاول الفصل بين الاحياء العربية والاحياء اليهودية سيفضي الى موجة هجرة عربية أوسع بكثير (لنفس الاسباب الاقتصادية)، لكن الى قلب المنطقة اليهودية في غربي القدس هذه المرة.             والثاني: أن نشطاء اليمين الذين "يحتلون" قطع أرض وبيوتا في شرقي القدس، يستعملون الهجرة العربية الى الاحياء اليهودية ويقولون علنا إنه اذا كان لا يحل لليهود شراء شقق في الجانب العربي، فانه لا يحل للعرب أيضا شراء شقق في الجانب اليهودي. وهم يتركون نصف المعادلة الآخر لليسار. فهؤلاء يزعمون أنه اذا كان يحل لليهود استيطان احياء عربية فأنه يحل للعرب أيضا استيطان أحياء يهودية.             مهما يكن الأمر – السكان اليهودي في الأحياء التي يتم فيها هذا المسار في حرج ويصعب عليهم هضمه. يقول ابراهام ريفلين من بسغات زئيف انه ينقض على كل شقة تعرض للبيع في شارعه "عشر عائلات عربية تعرض مالا أكبر. المحافظون والمتدينون لا يبيعون لكن الجمهور العلماني يبيع. عندنا رائد من الجيش الاسرائيلي أجرى تفاوضا مع طبيب نصراني. تحدثنا معه وارتدع. وفي شارعنا امرأة أخرى هددها الجيران بأن يلقوا عليها اللعنة بواسطة حاخامات كبار اذا باعت الشقة، ورجعت عن ذلك أيضا، لكن برغم ذلك بيعت في شارعنا أربع دارات من عرب".             يقول ريفلين، وهو في الثانية والسبعين وكان في الماضي محاسب صندوق المرضى العام إنه ليست في قلبه ضغينة على العرب. "إن بعضهم جيران أماثل، لكنني اخترت العيش في دولة اسرائيل لأعيش بين يهود لا بين عرب".             تقول رفيت كوهين وهي محامية تسكن شارعا مجاورا: "من فرط ديمقراطيتنا، نسينا أننا يهود ايضا. ليست المشكلة هي العرب، بل اليهود الذين يبيعونهم. إن لي أولادا ولا أريد ان اراهم يصادقون أبناء العرب وبناتهم. تدرس في صف ابني بنت عربية أيضا. يستطيعون أن يكونوا الناس الألطف في العالم، لكن السكن معا سيفضي بالضرورة الى الذوبان فيهم".             يقول يهود غباي، ويسكن شارع زيلبر شتاين المجاور الذي دخله أيضا عائلات عربية، إن هذا الشأن يمزق قلبه: "لو أردت أن أعيش معهم، لعشت في فرنسا او في بريطانيا. أتيت لأسكن دولة يهودية". أما ايلي بن حامو، رئيس الادارة الجماهيرية في بسغات زئيف فيتابع ما يحدث، لكنه يعترف بأنه "لا يمكن فعل شيء. فالحديث على العموم عن جيرة طيبة، لكن لا يمكن تجاهل أنه توجد شوارع يتغير طابعها رويدا رويدا. ليس هذا ما رجوناه".             سلاح اقتصادي             ان الحاخامات هم الذين يرفضون التسليم للواقع. قبل بضعة أشهر اجتمعوا في جفعات زئيف وأعلنوا سلسلة من المقاطعات ليهود يبيعون أو يؤاجرون شققهم لعرب. كان بين الحاخامات حاخام صفد، الحاخام شموئيل الياهو، والحاخام يعقوب يوسف ابن الحاخام عوفاديا يوسف. أعلن الحاخامات أن من يبيع عربيا شقته لا يستطيع الصعود الى التوراة ويبعد عن الكنيس. بل إنهم هددوا بنشر صور أناس يريدون بيع عرب شققهم.             تحدث ارييه كينغ في المؤتمر عن "مقاول كبير يبني في افرات وفي بيتار باع عربيا شقته. توجهنا الى الناس هناك كي لا يشتروا شققا منه". وفي مناسبة أخرى أتى حاخامات يهوديا متدينا باع عربيا شقته في بسغات زئيف وانتقل الى معاليه ادوميم. عملوا في ابعاده عن الكنيس ونشروا اسمه على الملأ.             في التل الفرنسي يعملون على نحو مختلف. فرئيس الادارة جدعون يجير يعمل كي تنشىء البلدية والسلطات في حي العيسوية القريب حدائق عامة، وفرع بريد ومصرفا وخدمات أساسية اخرى.             "اذا أصبح عندهم هذا هناك فلن يأتوا الى هنا"، يقول. زار يجير قبل بضعة أشهر الطور. "بين لي أفراد الادارة الجماهيرية هناك عشرات البيوت بناها محليون. تركت في اللحظة التي أنشىء فيها الجدار وبقيت هذه البيوت خارجه. انتقل الجميع الى الجانب الاسرائيلي والى الاحياء اليهودية ايضا".             لا يحاول يجير تحسين الواقع: "توجد احتكاكات بين يهود وعرب في التل. ويوجد أناس يخافون الخروج ليلا. وتوجد احتكاكات في الملاعب وفي البركة. ولا يستطيع آباء أولاد صغار ارسالهم وحدهم للعب خارجا. هذا وضع غير طبيعي".             تقول جنيت روتمان وتسكن التل الفرنسي انه "يتنافس في الشقق التي تخلو عرب وحريديون. اذا رفع العلمانيون أيديهم وتركوا، فيفضل أن يدخل الحريديون كي يظل الحي يهوديا. الحريدون الذين يأتون الى هنا هم من الولايات المتحدة وبريطانيا. لا من متطرفي مئة شعريم. هم أكثر انفتاحا وتقبلا للآخر". وتؤكد روتمان ايضا انها لا تحمل ضغينة على العرب: "كثير منهم لطفاء، لكن مجرد حقيقة أنهم يسمون شارع بار كوخفا عندنا اليوم "جادة سخنين" يقول كل شيء، وبرغم ذلك لا نستسلم". ***             قال تيدي كوليك ذات مرة انه يريد ان يرى القدس مثل "فسيفساء أحياء متجانسة، المتدينون على حدة والعلمانيون على حدة والعرب على حدة واليهود على حدة. فالناس يحبون ان يعايشوا أنفسهم"، كما شخص كوليك، "انهم يحبون سماع أصوات تشبه ما يصدر عنهم وأن يشموا روائح تشبه ما ينبعث عنهم، وكلما ساكنوا أنفسهم قل خطر أن تنفجر المدينة على خلفية التوتر الذي يسودها".             إن أرييه كينغ، الذي أنشأ مع رفاقه في ظاهر رأس العامود الحي اليهودي معاليه هزيتيم مستعد للتوقيع على صيغة كوليك، بشرط أن يتخلى العالم واليسار الاسرائيلي من خطتهم لتقسيم القدس. ما زال لا يوجد معه شركاء في هذه الصفقة، والسكن المشترك في الجانب اليهودي وفي الجانب العربي، عنصران آخران في المعادلة  المعقدة التي تسمى القدس.