غزة / سما / بعد سبع سنوات على مقتل الناشطة الاميركية ريتشيل كوري التي دهستها جرافة عسكرية اسرائيلية في غزة، بدأت تبرز ادلة يبدو انها تدين القائد العسكري الاسرائيلي في غزة انذاك لمحاولته تضليل التحقيقات الرسمية في حادث وفاتها. وكتبت صحيفة "ذي انديبندنت" البريطانية تقول ان ما قيل من تدخل الجنرال الاسرائيلي دورون ألمونغ، الذي كان يرأس ما يسمى القيادة العسكرية الاسرائيلية الجنوبية، موثق في الشهادة التي حصلت عليها الشرطة العسكرية الاسرائيلية في اليوم التالي لمقتل كوري في 16 آذار (مارس) 2003. وقد اطلعت الصحيفة البريطانية على شهادة مشفوعة بقسم قدمت خلال النظر في قضية مدنية رفعتها عائلة كوري ضد دولة اسرائيل. وعندما توفيت كوري كانت تبلغ من العمر 23 سنة، وقد اصيبت بجراح خطرة نتيجة قيام الجرافة بدفنها تحت التراب قرب الحدود بين غزة ومصر. والفتاة الاميركية التي كانت ترتدي سترة برتقالية لماعة وتحمل بيدها مكبر صوت كانت من بين مجموعة متطوعين ينتمون الى حركة التضامن الدولي المناوئة للاحتلال حاولت لثلاث ساعات في ذلك اليوم منع هدم اسرائيل لمنازل فلسطينية. وقال الجيش الاسرائيلي انه لا يجوز توجيه اللوم الى قواته في حادث مقتل كوري، وان قائد الجرافة لم يشاهدها. واتهم كوري وحركة التضامن الدولية بالقيام بتصرفات "غير قانونية وغير مسؤولة وخطرة". وبعد ثلاثة ايام من مقتل كوري، اعلنت وزرة الخارجية الاميركية ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون وعد الرئيس الاميركي انذاك جورج بوش بان الحكومة الاسرائيلية ستقوم باجراء "تحقيق شامل وصدقي وشفاف". وحسب ما جاء في تقرير محققي الشرطة العسكرية الاسرائيلية الذي ظهر الان الى العلن، فان "قائد" الجرافة "دي-9" كان يدلي بشهادته عندما دخل القاعة عقيد في الجيش الاسرائيلي أوفده الجنرال المونغ وقطع شهادته. وسجل محقق الشرطة العسكرية ما يلي: "في الساعة 18:12 دخل القاعة العقيد الاحتياطي باروخ كيرهاتو، وقال للشاهد ان عليه الا يدلي بأي شهادة والا يكتب اي شيء وان هذه اوامر الجنرال قائد القيادة الجنوبية". اما قائد الجرافة فكان من الاحتياطي ويدعى ادوارد فاليرموف. وكان على الجرافة مع سائقها. وفي شهادته قبل ان تصدر اليه الاوامر بالتوقف، قال لمحققي الشرطة العسكرية انه لم يشاهد كوري قبل ان تصاب. وفي شهادتها أمام المحكمة قالت أليس كوري، التي كانت من نشطاء حركة التضامن الدولية وكانت على مقربة من كوري عندما وقع الحادث، انه "كان بامكان سائق الجرافة حسب علمي ان يشاهد كوري وهو يهيل التراب على جسدها". وقال حسين ابو حسين، وهو محامي لعائلة كوري، ان تدخل الجنرال ألمونغ حجب امكانية ظهور ادلة يمكنها ان تحدد ما اذا كانت اقوال فاليرموف بانه لم يشاهد كوري معقولة. واضاف: "هل اصدقه؟ بالطبع لا. ليس هناك من شك في ان الواقعة حادثة قتل غير متعمد. ونحن نقول أولا ان الدولة مسؤولة عن مقتل كوري، وثانيا نقول ان التحقيق لم يلتزم بقواعد التحقيق". وقال ايضا "عندما تفشل دولة اسرائيل بصفتها السلطة التي تقوم بعمليات تحقيق ذي مصداقية، وعندما يهبط مستوى اعمالها عن المستويات المعقولة والايجابية فان ذلك يسيء الى أدلة الاثبات". وقد اتصلت "ذي انديبندنت" بالجنرال ألمونغ، احد من تعتبره اسرائيل بطلا لدوره في عملية الاقتحام العام 1976 لانقاذ رهائن عنتيبي في اوغندا، فنفى ان يكون قد أصدر اوامره لقائد الجرافة بالامتناع عن تقديم شهادته. وكان الجنرال قد تحاشى القاء القبض عليه العام 2005 في بريطانيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب لدوره في اصدارا تعليمات لتدمير 50 منزلا مدنيا في رفح العام 2002، حيث قتلت كوري في وقت لاحق. فقد ابلغ الجنرال ألمونغ بشأن قرار القاء القبض عليه، ولذا فانه لم يخرج من الطائرة في مطار هيثرو، وعاد الى اسرائيل على طائرة "العال". اما فاليرموف فقال في شهادته ان الجرافة التي يقودها اثنان، تلقت اوامر بالاستمرار في اعمالها رغم وجود محتجين من حركة التضامن الدولية. وقال ان القوات الاسرائيلية التي كانت في ناقلة جنود مدرعة القت بقذائف صوتية واستخدمت الغاز المسيل للدموع كما اطلقت عيارات نارية لبث الرعب في نفوس المحتجين. وقال "ان ذلك لم يُجْد نفعا، ولذا فاننا قررنا مواصلة العمل بكل دقة ممكنة بناء على اوامر قائد الفرقة". وقد انقطعت الشهادة بعد ان قال فاليرموف ان سائق الجرافة، وقد عرف باسم يفجيني فحسب، وانه لم يكن يعرف ان كوري اصيبت بعملية التجريف التي تقوم بها دي-9. وقال "انني لم اشاهدها الا بعد ان رجعنا بالجرافة الى الخلف. كانت مستلقية في موقع لم تصل اليه المعدات. وفور مشاهدة الفتاة المصابة، رجعنا الى الممر المركزي وتوقفنا عن العمل بانتظار الاوامر". وجاء في اخر شهادة للجندي قبل صدور الاوامر بالتوقف قوله "كانت مهمتي ان اوجه الجرافة. فالسائق لا يستطيع ان يوجه ذاته نظرا لان مدى رؤيته غير واسع". وأشارت وثيقة عسكرية أخرى بقوة إلى معارضة الميجور جنرال ألموغ لتحقيق الشرطة العسكرية. ففي تاريخ 18 آذار (مارس) 2003 قدم محقق بالشرطة العسكرية التماسا لأحد القضاة للحصول على إذن لتشريح جثة كوري قال فيه: "لقد وصلنا اليوم فقط بسبب حدوث جدال بين القائد العام للمنطقة الجنوبية والمحامي العسكري العام حول فتح تحقيق وتحت أية ظروف". ومنح القاضي موافقته على الطلب بإجراء التشريح في حضور أحد الدبلوماسيين الأميركيين كما طالبت عائلة كوري. لكن تم تنفيذ الأمر من قبل الطبيب الشرعي الرئيسي في إسرائيل دون حضور أي مسؤول أميركي، في انتهاك واضح للحكم القضائي. ونفى ألموغ قيامه بوقف شهادة فاليرموف. وقال: "لم أصدر أمرا كهذا، ولا أعلم بوجود هذه الوثيقة. لقد أجريت تحقيقي الخاص، ولا أذكر ماذا وجدت. كان هناك 12 ألف حادثا "إرهابيا" حين كنت قائدا للمنطقة الجنوبية. وقد أنهيت خدمتي قبل سبع سنوات، وإذا أرادوا استدعائي (لتقديم شهادتي) فإنهم يعرفون العنوان. لكنني بالتأكيد لم أعرقل أي تحقيق، هذا هراء. خلال فترة خدمتي لم أمنع أحدا من الإدلاء بشهادته". وعند سؤاله ما إذا كان قد أصدر أمرا بإيذاء الناشطين الأجانب الذين يتدخلون في عمل الجيش، رد ألموغ بالقول: "عم تتحدثون؟ إنكم لا تعلمون ما هو القائد العام. إنه مسؤول عن 100 ألف جندي، عم تتحدثون؟" وقال المعلق القانوني لإذاعة "صوت إسرائيل" الحكومية عن تناقض ألموغ: "إذا منع القائد شاهدا من الإدلاء بشهادته فهذا يعتبر عرقلة للتحقيق، وهذه جريمة جنائية عقوبتها السجن ثلاث سنوات". أما كريغ كوري، والد ريتشيل، فقال إن التدخل المزعوم في شهادة فاليرموف كانت "مشينة". وأضاف: "حين ترى أحدا في ذلك المنصب يتخذ إجراءات فإنك لا تكون غاضبا فحسب، بل عليك ان تتساءل ما الذي يخفونه، وما الذي فعلوه ليحتاجوا هذه الإجراءات من أجل إخفائه؟" وقال متحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: "أي تحقيق تجريه الشرطة العسكرية مستقل تماما ولا يمكن التأثير عليه من قبل مصادر خارجية". ورفض محامو الدولة في إسرائيل الذين يتولون القضية أن تتم مقابلتهم. ومن المقرر استئناف المحاكمة في أيلول (سبتمبر) المقبل. القصة الكابوس لريتشيل قبل أن تصبح رمزا سياسيا، كانت ريتشيل كوري طالبة أميركية في برنامج دراسة في الخارج. كانت جزءا من عائلة من الطبقة المتوسطة من أولمبيا بولاية واشنطن، وكانت تذهب إلى كلية محلية حين سافرت إلى غزة بغية بناء مشروع توأمة بين مدينتها أولمبيا ومدينة رفح. ولدى وصولها إلى غزة في كانون الثاني (يناير) 2003، انضمت إلى حركة التضامن الدولية، وقضت شهرين كناشطة. وفي الأسابيع التي سبقت موتها كتبت سلسلة من الرسائل الإلكترونية إلى أصدقائها وعائلتها مفصلة انطباعاتها حول الحياة في غزة. وفي رسالة إلى أمها قالت: "أحلم أحلاما مزعجة حول الدبابات والجرافات، إنني أشهد هذا التطهير العرقي المزمن الخطير، وأنا حقا خائفة...يجب ان يتوقف هذا. أعتقد انها فكرة جيدة لنا جميعا أن نترك كل شيء ونكرس حياتنا حتى نجعل هذا يتوقف". وتنتهي سلسلة الرسائل الالكترونية- التي ألهمت لاحقا كتابة مسرحية عرضت في لندن وألغيت في نيويورك وتورونتو- برد من والدها قال فيه: "أنا خائف عليك، وأظن أن لدي سببا لذلك، لكنني أيضا فخور بك- فخور جدا...لكنني قد أغدو قريبا فخورا بابنة شخص آخر". وتوفيت ريتشيل في السادس عشر من آذار (مارس) 2003. ومثل مقتل الناشط البريطاني توم هيرندال في ظروف مشابهة بعدها بعام، أثار ذلك احتجاجات دولية حول الممارسات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية.