غزة / "مقبولة" البالغة من العمر 55 عاماً من حي الزيتون شرق مدينة غزة، عاشت تجربة أليمة ستظل ترافقها طيلة حياتها، وتعيش ذكرياتها الفاجعة لحظة بلحظة وهي ترى أبناءها يحملون مصائب الحرب في أجسادهم وأرواحهم. وتقول: "ألمي لا يمكن التعبير عنه، فعندما اشتدت الحرب غادر الجيران الحي وبقيت أنا وأولادي وحيدين نتلقى القذائف والصواريخ، ولكن هذا قضاء الله وقدره". قصة الفلسطينية "مقبولة" واحدة من 220 قصة معاناة لنساء فلسطينيان عايشن عدوان "الرصاص المسكوب"، ورصدها كتاب بعنوان "النساء والحرب" أصدره مركز شؤون المرأة في غزة بمشاركة 17 صحافية. ويمثل الكتاب قيمة قانونية بالإضافة إلى قالب القصة الإنسانية التي وردت فيها معاناة النساء، خصوصاً وأن الروايات الواردة موثقة بطريقة قانونية من خلال البيانات والمعلومات والوثائق التي تسرد تفاصيل الحادثة بدقة، وفقاً للمشرفة على تحرير وتدقيق الكتاب الصحافية دنيا الأمل إسماعيل. وقالت: "قصص النساء أخذت من أفواههن مباشرة من دون زيادة أو نقصان، وتحدثن بحرية عن معاناتهن وتجربتهن خلال الحرب، وهي قصص لم تسلط وسائل الإعلام الضوء عليها". وأضافت: "كما أننا وثقنا في بعض الحالات بالصور طبيعة الانتهاك التي تعرضت لهو النساء لإثبات الواقعة قانونياً، ومن ثم الاستفادة منه حقوقياً أمام المحاكم الدولية المختصة بمحاكمة جرائم الحرب التي اقترفت ضد المدنيين". وأكدت إسماعيل أن الكتاب يمكن استخدامه كوثيقة مرجعية خصوصاً بعد ترجمته إلى اللغة الإنكليزية، مشيرة إلى الحرص على التدقيق القانوني في كافة الألفاظ والمعلومات المستخدمة في الكتاب حتى لا تكون هناك إشكاليات قانونية تعيق الاستفادة منه. واعتبرت المديرة التنفيذية لمركز شؤون المرأة أمال صيام أن عملية توثيق الجرائم الإسرائيلية يشكل هدفاً أساسياً لإصدار الكتاب، خصوصاً وأن العدوان الأخير شكل مرحلة أساسية في التاريخ والمعاناة الفلسطينية، لافتة إلى أن المركز سيتواصل مع المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية لتزويدها بالكتاب باعتبارها وثيقة قانونية متكاملة العناصر لإدانة الاحتلال الإسرائيلي. وقالت: "نتمنى من العالم أن يشعر ولو بجزء يسير من معاناة النساء الفلسطينيات خلال الحرب وفي أعقابها، خصوصاً وأن طابع السرد الإنساني لأوجه الألم والمعاناة يرسم صورة واقعية وحقيقية لما حدث وما زال يحدث". وبينت صيام أن الفكرة وجدت استحساناً كبيراً من قبل النساء اللواتي تحدثن لفريق العمل عن قصصهن مع الحرب وتداعياتها، مشيرة إلى أن ما ورد في الكتاب جزء من 360 قصة لنساء عانين خلال الحرب تم رصدها وتوثيقها. وذكرت أن المركز بصدد توزيع الكتاب على مختلف المؤسسات الأهلية والرسمية والجامعات والحقوقيين والباحثين، معبرة عن آمالها أن يحقق هذا الإنتاج الإعلامي والقانوني النتائج المرجوة منه عبر العمل على التخفيف من معاناة المرأة الفلسطينية. وبينت الصحافية نجوى شمعون التي شاركت في إعداد الكتاب أن حجم المعاناة التي واجهتها النساء خلال الحرب أكبر من قدرتهن عن التعبير عنه بالكلمات أو اختزله في قصة صحافية، مؤكدة أهمية إبراز معاناة النسوة التي لم تركز عليها وسائل الإعلام واختصرت المشهد الفلسطيني في عدد محدود من أوجه المعاناة. وأوضحت أن القصص التي تضمنها الكتاب أخذت من جميع محافظات قطاع غزة مع التركيز على المناطق الأكثر تضرراً من الاعتداءات الإسرائيلي خصوصاً الحدودية، معتبرة أن رصد هذه الروايات بعد الحرب مباشرة زاد من قدرة النساء على سرد تفاصيل مع حدث معهن. وانتهي الكتاب بقصة سعدية شمالي (46 عاماً) مع استشهاد زوجها فايز في قصف لبيت عزاء الجيران في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. وقالت: "أبحث بين الجثث والأشلاء المتراكمة فوق بعضها البعض، خرجت من دون وعي لأتفقد زوجي وأولادي، ملأ الدم ملابسي ووجهي، كنت حينها أبكي بحرقة ولم أستطيع إخراج صوتي الذي اختنق في صدري، ذهبت لتفقد مكان القصف من دون حذاء، قلبت الجثث الممزقة حتى وصلت إلى نهايتها وعندها كانت الفاجعة، وجدت زوجي مقطع الأطراف لأشعر بقهر ما زال يصاحبني ليل نهار".