على شاطئ البحر ،نصبت أعمدة المرسم، ووضعت الواني فوق منضدة لا لون لها ،وبعفوية الصغار مددت يدي التمس حبات رمل طرية عن الشاطئ، كأنني أول مرة المس فيها الرمل .لرمل الشاطئ لون أخر وشكل أخر وبُعد أخر..وعلى الجانب الأخر كانت خيوط الشمس تمتد بلون الحنون ولون العشب ولون حب الرمان، ولون حديقة بيتنا الذي كان.. ومن بين كل خيوط الشمس المترامية على وجه الماء..كان وجه مدينتنا يطل حزينا ،مثل وجه حبيبتي أو العكس، فلا فرق بينهما، فكل شيء صار سيان.. نفضت حبات الرمل من بين أناملي ، وأمسكت بلون لست ادري كيف كان ..ورسمت خيوط الطول، وخيوط العرض ،ورسمت أشياء وأشياء..وفجأة أتيتِ أنتِ، كأنني كنت منك، على ميعاد.. رأيتك في كلٍ أبعاد الكرة الأرضية،ورأيت كيف كانت الشمس تتهادى ،وتبتعد خلف الأفق الأبعد عنا، وتهدأ شيئا فشيئا فوضى عصافير المساء فوق الأشجار،ويعم السكون المكان،سوى تنهيدة حرى، تصدر من صدر امرأة تجلس بجانبي ،تخاف من ظلمة الليل ،ومن رجل على شاطئ البحر، ينتابه النسيان أحيانا، وأحيانا يُحبذ أن يقول العشق شعرا في المساء .. تشعل المرأة سيجارتها ،وتبدأ تنفث الدخان بعصبية كأنها تقول لي ،أنا هنا أجلس مثلك على الشاطئ، أداعب حبات الرمل، وأنتظر القمر حين يطل من وراء الأفق الأخر،أنظر إلى السماء ،وأعود أنظر نحو وجه لا تظهر كل ملامحه في الظلام.. تسألني فجأة..ألا تُحب العشق في المساء..؟؟ يسقط في يدي،وأتساءل بيني وبين ذاتي..أية امرأة هذه التي، تسألني عن العشق كأنها ،من عالم الخيال ؟؟ أحاول الحديث ولكنها، تسبقني بالسؤال..ألا تحاول الرسم في الظلام...؟؟ أمد يدي،أتلمس خصلات من شعرها المنساب على كتفيها، كشلال ماءٍ بين الحقول أو عند منابت الأشجار.. يا ربُ،كيف يصير الجالس فوق الرمل،وفي الظلمة بلا عنوان..؟؟وكيف تموت أحلام البطولات في صدور الرجال..؟؟وكيف تنوء بحملهن نسوةً لسن من هذا الزمان..؟؟يا ربُ ،لا ترحم من لا يعشق امرأة في الظلمة وعند الشاطئ وفوق الرمل وعند المرسم ،ولا يقول كلام العشق في المساء ،ولا يداعب في العتمة ضفائر حبيبته أو يُسكنها فوق جدار القلب،أو لا يسمع أنات تخرج من عمق الصدر عند مغيب الشمس أو بزوغ القمر، أو على صوت زقزقة، عصافير الصباح..!!