يقف سفيرنا في مصر امام مدير دائرة اسرائيل في وزارة الخارجية المصرية. كلاهما دبلوماسيان وخبيران، يتحدثان العربية بطلاقة، يجران وراءهما اقدمية في شؤون المنطقة، ولا يمكن لاحد أن يضحك عليهما. سفيرنا، اسحق لفنون ولد في بيروت. لمحادثه، طارق الكوني، تاريخ طويل في الشؤون الاسرائيلية، من سنواته خدمته التي طالت في تل ابيب. على الطاولة يفككان الى مقاطع ثماني كلمات قالها وزير الخارجية المصري في نهاية الاسبوع في لبنان: فقد أوضح الوزير، احمد ابو الغيط، للصحفيين قائلا: "لم آتِ لنقل تحذير لدولة شقيقة من دولة عدو". في القدس قرأوا الترجمة وحثوا حضرة السفير في القاهرة على رفع احتجاج رسمي. أمسكنا به! فهو يتجرأ على أن يصفنا بدولة عدو؟ حالا سنريه. ولكن حسب مصر، التي تقدم الان معالجة جذرية لتهدئة رياح الحرب في لبنان فان "دولة عدو" هي بالفعل اسرائيل، ولكن المقصود (في الصياغة غير الناجحة جدا للوزير) العلاقات المتوترة بين بيروت والقدس، والقاهرة لا توجد في المعادلة.في ذات الوقت الذي اندفع فيه سفيرنا نحو وزارة الخارجية في القاهرة، كي يرفع الاحتجاج من القدس، اغلق الرئيس مبارك على نفسه مع رئيس وزراء لبنان سعد الحريري واقسم بان ليس لاسرائيل خططا لجولة حربية جديدة. انا على اتصال بهم، ولا التقط قرع للطبول، قال له. مرت ساعة اخرى، ومبارك اتفق هاتفيا مع نتنياهو ان يلتقيه بعد أربعة ايام في شرم الشيخ.أو بكلمات اخرى: هكذا لا تعامل "دولة عدو". ولكن، وهذه لكن كبرى، توجد لنا بالتأكيد مشكلة – ليست جديدة – في الشارع المصري. هنا نحن نوجد في مكانة اسوأ بكثير من "عدو". فالاتحادات المهنية ليس فقط تقاطع اسرائيل، بل تهدد بان تقدم الى المحاكمة (وسبق أن كانت محاكمتان هذه السنة) كل من يمسك به وهو يقيم علاقات معنا. التطبيع، الذي هو الاسم المصطنع الذي اخترعوه لكل ما هو واجب من اتفاق سلام، اصبح كلمة منكرة على حدود كشف العورة. من جهتنا، حلم السلام الحقيقي آخذ في الابتعاد. السلام الذي حلمنا به لا يلوح في الافق المصري، بالضبط مثلما لا يلوح في الافق الاردني. بقينا مع علاقات في القيادة، اتصالات استراتيجية، وبالاساس تعاون خفي عن العيان. إذن من أجل ماذا ينبغي الشجار؟ فبالاجمال اعلنا بان اسرائيل هي ليست دولة عدو لمصر، ذكرنا اتفاق السلام قبل 30 سنة، واوصينا وزير الخارجية بتدوير اللسان في صياغة اكثر حذرا. ومن يعرف ابو الغيط يعرف بانه لا ينذعر. فهو لا يرى نفسه عدوا لاسرائيل، ولكن سبق أن اقسم بان احدا لن يمسك به يقف امام وزير خارجيتنا، "واذا ما التقيت بالسيد ليبرمان صدفة، فسأحرص على ان تبقى يداي مدسوستين عميقا في جيبي". حسن أن كفوا عندنا عن الاستجداء لزيارة من الرئيس المصري. كما أن الملك الاردني لا يسخن المحركات كي يصل. الجدال في ما اذا كنا دولة عدو أم محبين وساعين للسلام يجدر بنا أن ندخله عميقا الى الجارور. للسلام الكامل، الحقيقي، توجد شارة ثمن عالٍ. ليس مؤكدا أننا نريد أو نستطيع دفعه.