المقابلة المشوقة للغاية التي لم تقرأوها تصدر هذا الشهر في "هلوحيم" (المقاتل) – المجلة الناطقة بلسان منظمة معوقي الجيش الاسرائيلي. ربما بسبب المنصة الصغيرة، ربما بسبب ظروف المقابلة وربما لانه ببساطة حان الوقت، اللواء احتياط اوري سغي يروي فيها بتفصيل نادر عن المفاوضات التي اجراها مع السوريين في عامي 1990 – 2000. "فشل سياسي استراتيجي من الدرجة الاولى"، يسمي سغي، الذي كان رئيس شعبة الاستخبارات ورئيس الفريق المفاوض للمحادثات مع سوريا في عهد ايهود باراك في رئاسة الحكومة، تفويت الفرصة مع الاسد الاب، تسوية كان يمكن لها أن تمنع كل حروب العقد الاخير وتغير وضع اسرائيل في المنطقة من اساسه. حسب سغي، ليس مسألة انزال الاقدام السورية في مياه طبريا هي التي منعت التسوية، بل ضعف الزعماء. فبعد مفاوضات طويلة في ارجاء العالم، في قسمها السري شارك مبعوثو الرئيس حافظ الاسد وضباط عسكريون، وفي قسمها العلني تصدر وزير الخارجية فاروق الشرع، نجح الطرفان في جسر معظم المواضيع المختلف عليها. ويقول سجي: "ليس لطيفا من جانبي ان اقتبس بشار الاسد. ولكنه محق حين يقول ان 80 في المائة من المشاكل حلت". واضح لي ايضا أنه رغم التصريحات الاسرائيلية عن "عودة الى مفاوضات دون شروط"، فان كل محادثات مستقبلية مع سوريا ينبغي أن تستأنف من ذات النقطة. اولمرت قطع ويكشف سغي النقاب عن واحدة واحدة من الحقائق التي يحاول زعماء اسرائيل في العقدين الاخيرين تشويهها او اخفاءها: وهو يقول صراحة بان خمسة رؤساء وزراء، من رابين وحتى اولمرت بما في ذلك نتنياهو، قبلوا مبدأ ان يتضمن الاتفاق انسحابا كاملا في الجولان الى حدود الرابع من حزيران 67. مصادر مقربة من الاتصالات اياها تؤكد اقواله، وتضيف بانه توجد ايضا سبل متفق عليها لجسر الخلاف حول اين مر خط الحدود في 4 حزيران، والذي كان مؤشرا عليه في حينه بـ 41 حجر حدودي. وهكذا، بالمناسبة، يناقض سغي تصريحات نتنياهو بعد أن فقد السلطة في الانتخابات في ايار 1999، وبموجبها لم يوافق مبعوثه رون لاودر على انسحاب الى خطوط 4 حزيران. وبصفته ورث المفاوضات مع السوريين من رجال نتنياهو، كمبعوث لايهود باراك، يفترض بسغي أن يعرف. ويواصل سغي القول بانه وجدت حلول لمعظم المسائل في مواضيع الحدود، الامن والمياه: في الموضوع الاخير سبق أن قيل ان تراجع مستوى بحيرة طبريا في السنوات الاخيرة خلق وضعا مغايرا جوهريا عن ذاك الذي جرى الحديث عنه قبل عقد من الزمان. الخط الذي تحدث عنه السوريون كان خط المياه في المستوى الاقصى لبحيرة طبريا – 208.9 متر تحت سطح البحر. التراجع في مستوى سطح المياه في السنوات الاخيرة أبعدت الشاطىء في نقاط الخلاف الى مئات الامتار غربا، الى مكان متفق عليه بين الجميع بانه في الاراضي الاسرائيلية. ولكن أكثر مما هو الكشف التاريخي، مهمة جملة واحدة يقولها سغي في المقابلة. "اسرائيل تجلد نفسها بعد اخفاقات عسكرية في الحروب، (لكن) لا تفحص نفسها بعد اخفاقات سياسية استراتيجية – في العام 2000 كان هناك فشلا سياسيا استراتيجيا أول في مستواه لدولة اسرائيل"، يقول – ولا يتطرق صراحة الى الفشل السياسي الاستراتيجي الاول في مستواه في اسرائيل بعد تسع سنوات من ذلك، في المحادثات التي ادارها ايهود اولمرت مع سوريا بوساطة تركية. في الحديث الاخير، حسب مصادر مطلعة، سأل الاسد الابن اولمرت اسئلة ملموسة ترمي الى تعزيز وتحريك من جديد لاتفاقات 2000، ولا سيما في مواضيع الحدود. جواب رئيس وزراء اسرائيل كان ينبغي أن يؤكد بان بالفعل يقف هو خلف وعد اسلافه. "اولمرت استنفد المداعبة التمهيدية مع السوريين"، يقول مصدر كان في سر الامور. غير أنه في حينه قطع رئيس وزراء اسرائيل الحديث، عاد الى البلاد وبعد عدة ايام شرع في حملة "رصاص مصبوب". وهنا ينبغي العودة الى اقوال سغي عن عدم الاكتراث الاعلامي والجماهيري بالاخفاقات السياسية. ربما، لو ثارت صرخة بعد تفويت التسوية مع سوريا في العام 2000 لكان اولمرت – مع وزير الدفاع ايهود باراك، رئيس الوزراء في الجولة السابقة من المحادثات مع سوريا – سيتصرف بشكل مغاير. ربما ما كان سيسارع جدا الى قطع المفاوضات المتبلورة مع الاسد ويبدأ حملة موضعية، مهما كانت هامة، في الجنوب. لعله في حينه ما كنا ننشغل مرة اخرى بتحقيقات عديمة المنفعة عن حملات عسكرية دون حسم، بل في مسألة لماذا نحن نحرص على تفويت الفرصة للتسوية – ولماذا حقا لا يهمنا الامر عندما يحصل هذا. هذه لازمة متكررة في تاريخنا: الحرب تقرر مصائر الشخصيات العامة، ولكن أحدا لا يبكي على تسوية تم تفويتها. حرب لبنان الثانية، التي صفت الشرعية القيادية لاولمرت قبل وقت بعيد من ريشون تورز وهولي لاند، كانت في نهاية المطاف حدثا غير هام على نحو خاص في التاريخ السياسي – الامني لاسرائيل: صدام محلي، نقطة أزمة اخرى في الرسم البياني للمواجهة بيننا وبين حزب الله وايران. ولكنها كانت حربا، ومع الحرب نحن نتعاطى بجدية. اما الحروب التي لم تمنع، فنحن لا نتعاطى معها على الاطلاق. قتلى التفويت هذا لا ينبع من الحرص على حياة الانسان. فالحروب التي لم تمنع كلفت اسرائيل حياة اكثر بكثير من الحروب الفاشلة. جزء من 2.500 قتيلا في حرب يوم الغفران نبعوا من القصور الاستخباري والاخفاقات التكتيكية، التي انشغلوا وينشغلون فيها حتى اليوم؛ كل القتلى ماتوا بسبب تفويت تسوية مع مصر قبل سنتين من ذلك. ولكن لم يقف أي موطي اشكنازي في 1971 امام ديوان رئيس الوزراء وبالتأكيد لم يجرف وراءه الالاف للمظاهرات التي اسقطت الحكومة في نهاية المطاف. وهكذا ايضا قد يكون مع سوريا. منذ عقد وضباط الجيش الاسرائيلي الكبار يحذرون من أنه اذا ما اندلعت مواجهة مع سوريا فانها ستكلف حياة الكثيرين – وعندها سنعود الى نفس النقطة حقا، التي يكشف سغي الان النقاب رسميا عن أننا سبق ان وقفنا فيها. ولكنهم لا يفعلون ذلك علنا بل في الغرف المغلقة. وباراك، الرجل الذي ارتعدت فرائصه في لحظة الحقيقة، هو ايضا يكرر ذات الشعار ولكنه لا يفعل شيئا لتحقيقه. تماما مثل الفلسطينيين نحن نتعامل مع التسوية التي فوتت كقوة طبيعية، دليل على الطبيعة المتقلبة والعنيدة للطرف الاخر. في حرب فاشلة مذنب القادة والجنرالات ورؤوسهم يجب أن تعلق في ميدان المدينة. في السلام الذي فوت مذنب الوضع، ونحن اناس عمليون، وعندها فاننا لن ننزل باللائمة على الوضع. ولكن الحرب القادمة مع سوريا، التي سبق أن حامت في الهواء اكثر من مرة واحدة في العقد الاخير، كانت ستمنع بالتأكيد لو كان يهمنا الامر. اسألوا اوري سغي، الرجل الذي كان هناك. 27 ابريل 2010