فرحة يوم الاستقلال في اسرائيل تركزت دوما على تشديد تراكم انجازات الدولة، وباحساس التقدم نحو مستقبل أفضل – مستقبل سلام، تحسين الأمن الوجودي، انخراط في أسرة الشعوب وفي المنطقة وتطبيع عام للوجود. عدد سنوات وجود الدولة التي في عقودها الاولى كان يعتبر انجازا كبيرا وقيمة بحد ذاتها، بات ثانويا امام مسألة أهم: ما هي الدينامية التي تعمل في داخلها. هل السنوات تحسن لاسرائيل؟ هل هي ترسم لنفسها أهدافا وتسعى الى تحقيقها؟ هل نضجت فيها سياقات الرشد؟ هل سكانها آمنون وسعداء أكثر؟ هل هي تتقدم نحو المستقبل بأمل؟ لشدة الأسف، يوم الاستقلال الـ 62 يجد دولة اسرائيل في مثابة شلل سياسي، أمني ومعنوي، لا يشكل مبررا للاحتفال: معزولة سياسيا في العالم، تعيش نزاعا مع القوة العظمى التي رعايتها وصداقتها حيوية لمجرد وجودها، عديمة كل خطة ومسار سياسي غير السيطرة في المناطق، خائفة من كل حركة، تعيش احساسا بالتهديد الوجودي، احتدم فقط مع السنين، تجمع كل مظهر للاسامية سواء كان حقيقيا ام موهوما كحجة لمواصلة اثارة الشفقة والسلبية. من نواح عديدة، يبدو كأن اسرائيل فقدت الدينامية والأمل في عقودها الأولى، وعادت لتغرق في عقلية الغيتو والبلدة التي تمرد آباؤها ومؤسسوها. صحيح أن اسرائيل ليست المتحكمة الحصرية بمصيرها؛ ولكن كل تلك الظواهر التي رافقت وجودها كالظل، على أمل أن تتبدد مع السنين – التركيز على الذات، هيمنة الجيش والمتفرغين السياسيين المتدينين، الفوارق الاجتماعية، استعباد للمستوطنين، التفكير المقلق والسجود للمعتقدات التافهة – كل هذه فقط رفعت رأسها وجمعت قواها. ضعفت روح التفاهم، البرغماتية والمحبة للسلام التي دقت في قلب الشعب الاسرائيلي كجزء من الثورة الصهيونية التي سعت الى تغيير المصير اليهودي وليس واضحا اذا كانت الحكومة الحالية تعمق الثورة المضادة الرجعية، أم فقط تعبر عنها بدقة. في عشية يوم الاستقلال من العام الماضي كتبت هنا السطور التالية: "الجمود احتل مكان التغيير. الحكومة، التي اقيمت لتوها، ليست فقط لا تبشر بتغيير وأمل بل إنها تمجد علم العودة الى الوراء: في المجال السياسي وفي المسألة الفلسطينية، بالنسبة للمستوطنات، في مواضيع الدين والدولة، في الموقف من عرب اسرائيل، في المعاملة العامة تجاه جيراننا والعالم. من يتمسك برؤيا "ادارة النزاع" وهو يائس من حله – سيجد نفسه يراوح في المكان معنا جميعا في مياه ضحلة لتديره هو نفسه الأزمات بدلا من أن ينمو ويتجدد". يؤسفنا أن نتبين أن كل هذه المخاوف تجسدت هذه السنة أكثر من ما كان متوقعا. حين تكون الرسالة الاساس لرئيس الوزراء للشعب تتلخص اليوم في أننا نوجد مرة أخرى عشية كارثة، وأساس الرؤيا هو التعمق في التوراة، تطوير رموز وطنية والاعتماد على "مواقع التراث" – يخيل أن النهضة العبرية أصبحت كاريكاتور لنفسها. يتبقى فقط الأمل في أن القوى في الشعب ستستيقظ في موعدها لتصمم الدولة والقيادة المناسبتين لنا جميعا.