خبر : مشاهدو 'الجزيرة' افتقدوا برنامجه 'اكثر من رأي': غياب سامي حداد ترك فراغا في الاعلام العربي

الأربعاء 31 مارس 2010 01:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مشاهدو 'الجزيرة' افتقدوا برنامجه 'اكثر من رأي': غياب سامي حداد ترك فراغا في الاعلام العربي



كتب د. حسين علي شعبان : افتقد المثقفون واهل الاختصاص من مشاهدي فضائية ’الجزيرة’ برنامج ’أكثر من رأي’ الذي كان يبث مساء كل يوم جمعة لمعده ومقدمه الاعلامي المرموق الدكتور سامي حداد. احترف سامي اتحاف مشاهديه بحلقات صرف مهنية وبرصانة علمية ووقار بحثي أكاديمي جعل البرنامج غاية ومسعى كل مختص بامور السياسة والاقتصاد والطب احيانا، وكان لنا شرف ان نشاركه في حلقات كثيرة خلال السنوات المنصرمة. هاتفنا أصدقاء من داخل المملكة المتحدة وكندا والدنمارك في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، مستفسرين عن سبب توقف حلقات برنامج ’أكثر من رأي’. وعلى الرغم اننا لا نحمل اية صفة تخولنا الاجابة الا اننا اجتهادا رددنا السبب الى فرضية أن حداد على سفر او ربما وعكة صحية. لكن احد السائلين المتابعين اكد حلول برنامج جديد يبث في نفس اليوم والتوقيت. في 15/12/2009، وخلال زيارة عمل له في جامعة اوكسفورد، علق الباحث سهيل الناطور على الموضوع بالقول ان برنامج ’أكثر من رأي’ موجه للمثقفين وأهل الاختصاص. لا زال القائمون على ’الجزيرة’ مدينين للمثقف العربي بتفسير قرارهم هذا لوضع حد للاشاعات والتفسيرات الشخصية والفردية. واحدة من هذه الاشاعات الاكثر رواجا وقابلة للتصديق تحدثت عن نتائج دراسة امريكية قالت ان برنامج ’اكثر من رأي’ لا يتمتع بشعبية في أوساط المشاهدين، وهذا أمر عجب ان صح القول؛ ذلك لأن اي مؤسسة أجنبية وبغض النظر عن تفوقها التقني والمهني هي لأسباب لغوية ونفسية اعجز وان ابتاعت لنفسها قدرات وخبرات عربية على اصدار الحكم على شعبية أي برنامج سياسي او نشاط اعلامي لما للأمر من تشعب وتنوع ليس غاية مقالتنا هذه. اكثر من ذلك فان صدقية المؤسسات الامريكية مطعون فيها كونها فشلت في اقناع المشاهد العربي بصوابية السياسة الامريكية وبقيت فضائية ’الحرة’ كمثال لا للحصر بشعبية كفيلة باغلاقها الى الابد لولا سخاء المال الحكومي - مال دافعي الضرائب الامريكيين عليها. هل ترك برنامج ’أكثر من رأي’ فراغا في الفضاء العربي؟ الاجابة القاطعة تقول بنعم. وندعم ادعاءنا هذا بمقالة ’أين أنت يا سامي حداد’ التي نشرتها بعد ان عز الناشرون، الجريدة الالكترونية ’التجديد العربي’ بتاريخ 8 أيار/ مايو 2008، في حين ان ما قدمناه اعلاه عن استفسارات الاصدقاء وشهادات بعضهم هي بالتأكيد دليل آخر على صحة ما ندعي.موسوعة ثقافية وعلميةلا يحتاج المختص والمراقب المتزن الى كثير عناء ليكتشف أسباب نجاح سامي حداد و’برنامج أكثرمن رأي’. وهنا على عجل غيض من فيض الاسباب:أولا: يحمل سامي حداد شهادة دكتوارة في العلوم وهو من القلة النادرة بين مقدمي البرامج السياسية والاقتصادية على شاشات الفضائيات العربية الذين يحملون شهادة علمية متخصصة. ثانيا: عمل سامي في مجال الاعلام خلال العقود الاربعة الماضية 1974 1994 في الـ ’بي.بي.سي’ القسم العربي. وشغل منذ العام 1978 منصب رئيس قسم البرامج الاخبارية السياسية. في العام 1994 انتقل الى فضائية الـ ’بي.بي.سي’ رئيسا للقسم العربي ومقدما للبرنامج الحواري ما ’وراء الخبر’.ثالثا: يجيد سامي اللغات، الانكليزية، الفرنسية، الايطالية والعربية طبعاَ. وهو مهتم بالموسيقى والمسرح ويقرض الشعر ايضا. قبل هذا وذاك فانه صاحب شخصية قوية لا تعرف الطأطأة أو المهادنة، في حين ان الخوف يهاب نظرات عينيه التي تخفي مكرا ودهاء تناوب على صقلهما حب المعرفة والتجربة المتمرسة.رابعا: التعامل المهني الصرف وتقبل الرأي الآخر: يتعامل سامي مع ضيوفه بجدية واحترام مهني قل مثيلهما في الفضائيات العربية. فهو يختار الضيوف انسجاما مع مواقفهم وتوجهاتهم العلمية والشخصية، ليخرج بذلك حلقة قوية ومتماسكة تنفذ الى عقل وقلب المشاهد.خامسا: تجمع شخصية سامي بين الجدية والصرامة مع القدرة على التدخل والمقاطعة بلباقة وحذاقة مهنية وقت تنفيذ الحلقة، والمرح والانفتاح الشخصي على الاخر بعد انتهاء الحلقة أو اثناء الاعداد لها. له وجه واحد لا يتقلب ولا يتلون. سادساَ: على عكس ظاهرة النفاق والتملق بل والرياء التي تجتاح معظم الاعلاميين أثناء مقابلاتهم للرؤساء والملوك يبرز سامي حداد كحالة نموذجية تتميز بفرادتها؛ فهو من وصفته الصحف البريطانية في احد الايام بالصحافي الوقح، كونه أحرج توني بلير بأسئلته المدبجة بحذاقة الخبير والعارف بتفاصيل الحياة السياسية في المملكة المتحدة والغرب. واتسم حداد برباطة الجأش والجرأة أثناء مقابلته الرئيس معمر القذافي.اضافة الى الاسباب اعلاه فان هناك سببا جوهريا في النجاح الباهر لسامي حداد ويتمثل في الفارق بل والهوة الشاسعة بينه وبين من نقارنه بهم من نظرائه في الفضائيات العربية او الناطقة بها. ولعل الفحص الدقيق للكفاءات العلمية والخبرة المهنية لهؤلاء تؤكد ان جلهم لا يحمل حتى شهادة الماجستير في الاعلام او الصحافة؛ تنحصر شهاداتهم في المراحل الدنيا من دراسات الاعلام، في حين أن خبرتهم لا زال عودها غض.يصنف برنامج ’أكثر من رأي’ في خانة البرامج السياسية والعلمية المرجعية، أي انه يقدم للباحث معلومة موثقة يعتد بها. وينفرد حداد بتقديم سيل من المعلومات المعرفية المتنوعة المصادر التي تنم عن تحضيره واعداده الجاد والمتقن لحلقات البرنامج والاختيار الدقيق للضيوف. لن يبوح العارف بسر ان قال ان برنامج ’أكثر من رأي’ بقي بشكل عام محصنا وبعيدا عن متناول الغوغائيين محبي الظهور الاعلامي المجاني وحجز لنفسه منزلة مرموقة تنأى بنفسها عن برامج الوجبات السريعة المشحونة.على المشتغلين في الفضائيات العربية، أن يدركوا ان التراكم هو اساس ومصدر التطور والنجاح، احترام الكبار واهل الخبرة والتعلم منهم واجب كونه قانونا اجتماعيا يقع كل من يسعى للقفز فوقه على عنقه فيكسره. ليس صدفة ان قانون ’الحالة القضائية’ يشكل اساس القضاء في المملكة المتحدة. فالقضاة ملزمون على اتباع تراث من سبقهم من الزملاء وما اتخذوه من احكام وقرارات قضائية مماثلة قبل عقود او قرون لا فرق. لكل هذا بقى القضاة على وقارهم وجلالهم الذي يتوافق عليه العامة والخاصة. أما السياسيون امثال توني بلير فيجلبون الى لجان تحقيق تدقق في ممارساتهم وأدائهم السياسي والمهني لا لسبب الا للتعلم من تجربتهم وتعميم اخطائهم على اللاحقين من القادة ليتعظوا. ننصح صادقين، القائمين على ’الجزيرة ’بشكل خاص ان يشكلوا لجنة مستقلة من باحثين مهنيين بصلاحيات واسعة، يؤخذ بتوصياتها وقراراتها بمهنية خالصة. هذا مع تأكيدنا أن الخبراء العرب في شتى أصقاع المعمورة تعج بهم المؤسسات الامريكية والبريطانية، فهذا ليس احجية او ادعاء بل واقعا ملموسا يعيشه كل من له عينان واذنان وضمير. باحث فلسطيني يقيم في بريطانيا