يقولون في المثل الشعبي المعروف: "اللي بيجرب اللي مجرب عقلو مخرب"، وهكذا طلبت منا الرباعية تجريبها مرة أخرى ورابعة. إذن هم يطلبون سنتين من الهدوء والصبر لتطبيق خارطة الطريق وقرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة وعلى أساس الانسحاب الإسرائيلي من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967، ولا أحد يعرف كيف سيجري ذلك فيما يسأل الطيبون من العرب ألم تكن سبعة عشر عاماً من المفاوضات منذ أوسلو كافية لذلك؟ الحقيقة أن السنتين مهمتان للأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء، وتصبح هاتان السنتان ذات معنى ربطاً بخطة فياض لإقامة الدولة الفلسطينية ومؤسساتها خلال سنتين، والحال أنه قد مضى على خطة رئيس حكومة تصريف الأعمال الفلسطينية سنة كاملة وبقيت أخرى لتحقيق إنجازه العظيم. المهلة التي طلبتها الرباعية ستجعل خطة فياض ثلاث سنوات، لكن هذا لا يهم الإدارة الأمريكية فهي المتحكمة برواتب موظفي الدولة الموعودة وتعرف حدود سلطة رام الله. لماذا لم يأخذ أطراف الرباعية قراراً بتطبيق قرارات الأمم المتحدة فوراً وبدون تأخير إذا كانوا مقتنعين كما بيانهم بأن من حق الشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة في أرضه وبأن أراضي عام 67 هي أراضي محتلة بما فيها القدس الشرقية ويجب الانسحاب منها على حد تعبير بان غي مون أمين عام الأمم المتحدة في كلمته أمام الصحفيين برام الله أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع سلام فياض؟ لماذا السنتين وقد جرى نقاش كل شيء وبات ملحاً إبلاغ إسرائيل أن عليها الرضوخ للشرعية الدولية ومن ثم يمكن النقاش حول آليات الانسحاب وغيره من القضايا؟ لماذا لا يستخدم الفلسطينيون الطريقة السورية في إدارة مفاوضاتهم مع إسرائيل والرباعية إن رغبوا حقاً في تحقيق نتائج إيجابية وليس البقاء في دائرة مغلقة إسمها المفاوضات العبثية؟ الأمريكيون والإسرائيليون في حاجة للسنتين من أجل تكوين جبهتهم لمواجهة إيران وملفها النووي الذي يختفي تحته كل التقييم الأمريكي للجمهورية الإسلامية ودورها المقلق في المنطقة. هم يريدون هدوءً يتيح لهم التفرغ كلياً لملفات ساخنة ومزعجة للسياسة الأمريكية كالملف العراقي والأفغاني والأهم كما ذكرنا الإيراني، ويدركون أنه بغير الهدوء في الملف الفلسطيني لن يستطيعوا فتح معركة أخرى في المنطقة وحشد التأييد العربي لها، أو إعداد حلف باتت معالمه واضحه ضد إيران. إن منح هكذا فرصة للأمريكيين والإسرائيليين ليس فقط جريمة بحق الأمة العربية وإيران المسلمة والمؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني بل هي جريمة بحق القضية الفلسطينية ومستقبل العمل الوطني كله لأن انتهاء الأمريكيين من الملف الإيراني وغيره سيريحهم ولن يعودوا مهتمين بحقوق الفلسطينيين ولا غيرها من الحقوق العربية، وبدل أن نتقدم للأمام لمحاصرة الكيان الصهيوني وهو ينكشف الآن للعالم نقدم له طوق نجاة هو والبيت الأبيض الغارق في وحول أفغانستان والعراق، وتعقيدات الملف الإيراني. إن تصريحات القادة العسكريين في الجيش الأمريكي حول الدور الإسرائيلي التخريبي على السياسة الأمريكية بعد تصريحات السياسيين وقبلها ومتناغمة معها توحي بأن الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لتليين موقفها وهذا صحيح ولكن تلينه بأي اتجاه؟ المرجح أن أمريكا ترغب في أن تتجاوب إسرائيل ولو مؤقتاً مع دعوات وقف الاستيطان لتعطيها السلاح الذي تلجم به أية معارضة عربية أو فلسطينية للهدوء والعودة للمفاوضات ولمدة سنتين تمنح أمريكا الوقت اللازم لتسوية الكثير من مشاكلها المستعصية. البيان الصادر عن الرباعية فيما يخص الاستيطان والدولة الفلسطينية لم يضع جدولاً محدداً للأمرين بل ترك كل شيء مفتوح للمستقبل ومن هنا فإن أكثر المراقبين تفاؤلاً لا يرى أي أمل في تحقيق الحل المؤدي للسلام وإقامة الدولة لا في سنتين ولا في عشرة لأنه لا جدية في بيان الرباعية، وكل ما نسمعه ونراه حول تعارضات أمريكية إسرائيلية هو مجرد تكتيك لتمرير المدة المطلوبة ولهذا يجب على الفلسطينيين أن لا يرضخوا لهذا المنطق وأن يستخدموا كل أسلحتهم المتاحة للضغط على الأمريكيين والإسرائيليين بما في ذلك المقاومة المسلحة، وكما نلاحظ فإن الجماهير في الداخل مستعدة لتقديم المزيد من التضحيات والقيام بانتفاضة جديدة شريطة أن تتوحد فصائلهم وينتهي الانقسام، وشريطة أن لا يجرب قادتهم المجرب مرة أخرى. Zead51@hotmail.com