قبل اسبوعين فقط نشر استطلاع للرأي عن معهد "غالوب" عن مكانة اسرائيل في الرأي العام في الولايات المتحدة. كان كثيرون أخيار راضين. فلم يكن وضع اسرائيل قط، بحسب استطلاع الرأي، اذا استثنينا ايام ضبط النفس في حرب الخليج الاولى أفضل مما هو عليه. فالتأييد آخذ في الازدياد فقط. وهكذا يستطيع الرئيس اوباما ومساعداه اليهوديان، ديفيد أكسل رود ورام عمانوئيل أن يحلموا فقط بالضغط على اسرائيل. انهم أسرى رأي عام مفرط في المناصرة. وما زلنا لم نتحدث عن الكونغرس بمجلسيه. الحديث عن موقع وحصن سيطرتهما قوية كالبؤر الاستيطانية في المناطق وسيدافعان عنا. سنفعل ما يحلو لنا وننشيء المستوطنات والبؤر الاستيطانية لان لنا حصنا للدفاع عن البؤر الاستيطانية. مرت اسابيع قليلة وبدا وضعنا سيئا حتى بغير الوقوع في كليشيه "لم يكن وضعنا قط أسوأ". في واقع الأمر توجد مسيرة زاحفة للمس بمكانة اسرائيل عند النخب. ففي الأحرام الجامعية اصبحت الظاهرة معروفة لا بين الطلاب فقط. احدى الجهات الأشد عداوة لاسرائيل هي "ميسا"، وهي المنظمة العليا لمعاهد دراسات الشرق الاوسط. أحد اصدقاء اوباما المقربين منذ ايام شيكاغو البهيجة هو الاستاذ رشيد الخالدي، أحد المتحدثين البارزين بالرواية الفلسطينية، الذي يرأس اليوم معهدا باسم ادوارد سعيد في جامعة كولومبيا. إن عدد النشرات المعادية لاسرائيل لم يسبق له مثيل. أبرزها كتاب الاستاذين الجامعيين وولت وميرشهايمر، وليس باتفاق ان استقبله معادون للسامية مثل ديفيد ديوك الذي كان في الماضي من رجال كو – كلوكس – كلان، بابتهاج. اجل إن عداوة اسرائيل محصورة في هذه المرحلة في النخب المثقفة. وقد تغلغل هذا ايضا الى قيادة الحزب الديمقراطي. إن جزءا من النقاش الفكري في الحزب مصاب بخطابة يأسرها تماما الخطاب المعادي للصهيونية. وهكذا فاننا نستطيع أن نوهم أنفسنا بأن الامر بقي في دوائر معينة. بيد أن هذا قد يكون خطأ استراتيجيا. فاذا كان الجنرال باتروس، وليس هو بالضبط من الدوائر الجامعية المعادية، تصدر عنه نغمات تأثير السياسة الاسرائيلية في حياة جنود الولايات المتحدة في العراق وافغانستان، فلن يكفي أن نقول له انه تزحلق على العقل. فرجال طالبان أو القاعدة لا يعلمون مكان اسرائيل على الخريطة، ولا يعلمون من هو ايلي يشاي، وهم يرون اسرائيل نوع شيطان يستحق القضاء عليه، بلا صلة برخص بناء اللجنة المحلية في القدس. المسألة أن باتروس يمثل توجها ما يرى علاقة بين اسرائيل وبين كل أمر في انحاء الشرق الاوسط وآسيا والعالم كله. من يعلم فربما تكون اسرائيل مسؤولة ايضا عن المذبحة في السودان وذبح المسيحيين في نيجيريا وقوة القاعدة في اليمن. لم تبق توجهات وولت وميرشهايمر وأناس "ميسا" فوق رف الكتب. انها تتغلغل الى المستويات العليا. وهكذا لا يوجد أي تناقض بين استطلاع الرأي عن موالاة اسرائيل وبين معاداة اسرائيل في الدوائر الجامعية والادارة. ففي اسرائيل ايضا فرق مذهل بين الجمهور العريض وجزء من النخب فيما يتعلق باسرائيل. والامر أن الزمن لا يلعب لمصلحة اسرائيل. توجد مسارات بعيدة الأمد. حتى لو قوي الجمهوريون فلن يغير ذلك المواقف السائدة بين النخب ولا تأثيرها في الادارة وفي الرأي العام ايضا في الأمد البعيد. ألا لا نقولن معاداة السامية. فهذا سهل جدا يعفي من المسؤولية. لا نعني انه لا توجد معاداة سامية. فمن المؤكد انها موجودة وتشتمل على معاداة سامية يهودية. الأمر هو أن لنا تأثيرا فيما يحدث. يصعب على اصدقاء قريبين مشايعين احيانا فهمنا. لندع اولئك الذين يعترضون على مجرد حق الدولة اليهودية في الوجود. انهم خاسرون. والحديث عندهم عن وسواس. يوجد كثير آخرون. وهم مؤيدون لنا. بيد انهم لا ينجحون في فهم لماذا تصر اسرائيل على البناء اليهودي داخل أحياء عربية، ولماذا يصعب على اسرائيل أن تزيل بؤرا استيطانية مفرقة وعدت اسرائيل بازالتها، وهو أمر يُحدث انطباع خداع. بدأت الازمة الجديدة بسبب اعلان غبي في وقت حرج. بيد أن ما حدث يصور أكثر من كل ما نحن مستعدون لفهمه اسباب عداوة اسرائيل حتى لو كانت محدودة في هذه الاثناء عند دوائر معينة في النخب وفي الادارة.