خبر : زمن الفزع /بقلم: بن كاسبيت/معاريف 14/3/2010

الأحد 14 مارس 2010 11:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT
زمن الفزع /بقلم: بن كاسبيت/معاريف 14/3/2010



علق بنيامين نتنياهو أمس كما كان متوقعا، في حالة فزع. هذا أمر روتيني بالنسبة له. في البداية يحرق الطبخة، بعد ذلك يركض بلا حيلة من المطبخ المدخن، ليصل بعدها الى مرحلة النفي، يقنع فيها الجمهور بان كل شيء على ما يرام وان هذا لذيذ جدا، وينزل الرأس امام الضربة الاخيرة التي تضع الامور في نصابها ورئيس الوزراء في خداعه. وعندها، كما اسلفنا، يأتي الفزع: اجتماع ليلي لوزراء السباعية، مداولات حثيثة حتى ساعة متأخرة، مكالمات ميراثونية مع زعماء اوروبيين والكثير من العرق البارد. هذه المرة، لغرض التغيير، فزع نتنياهو مبرر. التفكير بان يوم الخميس نشر رجاله الاحبولة الاعلامية بان القصة انتهت. وبالفعل، البيبيبوق، بوق العائلة، اشترى كل شيء ونشر بان "زيارة الرئيس انتهت باجواء ايجابية. مكتب رئيس الوزراء: الازمة خلفنا". وبينما إسفرت اعداد يوم الجمعة الاحتفالية، الازمة في ذروتها، تتصاعد الى ذرى جديدة. وهي تبدو أخطر بكثير من كل ما شهدنا في العقد الماضي، وربما اكثر من ذلك. ينبغي لنا أن نقول منذ البداية: علاقات اسرائيل – الولايات المتحدة ستنجو ايضا من هذه الجلبة. فهي اقوى من نتنياهو، بل واقوى من اوباما. الموضوع هو ان الحميمية والثقة لن تعودا الى سابق عهدهما. لا في السنة – السنتين القريبتين. والسنة – السنتين القريبتين هما الفترة الزمنية التي تحتاج فيها اسرائيل الى الحميمية مع امريكا وبالشكل الاكثر يأسا، الاكثر وجوديا والاكثر حرجا منذ قيامها. اكثر حتى مما تحتاجه الى حي جديد في رمات شلومو. نحن نسير نحو ايام مصيرية. النووي الايراني يحتاج الى رئيس وزراء يكون الابن العزيز للرئيس الامريكي. وبدلا من ذلك، نحن نحصل على رئيس وزراء قريبا جدا سيكون شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن. هذا حزين، بل ومقلق.والان الى الازمة "التي باتت خلفنا". من الصعب القرار بماذا نبدأ: حديث التوبيخ الطويل (43 دقيقة، حسب الاستعراضات الصادرة عن البيت الابيض) بين هيلاري كلينتون وبين نتنياهو يوم الجمعة؟ قائمة المطالب العسيرة التي املتها وزيرة الخارجية على رئيس الوزراء، وعلى رأسها الالغاء الفوري لخطة البناء في  رمات شلومو والتجميد بحكم الامر الواقع في القدس في اثناء المفاوضات؟ العناوين الرئيسة والافتتاحيات في "واشنطن بوست" و "نيويورك تايمز"؟ حقيقة أن مسؤولين امريكيين كبار، بينهم وزيرة الخارجية، يتحدثون عن امكانية "ضرر في العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة"؟ بيان الرباعية الشديد جدا من ناحية اسرائيل، والذي نشر اول أمس؟ التسريبات اللاذعة من البيت الابيض ضد نتنياهو؟ حقيقة ان رئيس وزراء اسرائيل يعقد على عجل المحفل الوزاري الكبير لديه في بحث ليلي في منتهى السبت للبحث في "علاقات اسرائيل والولايات المتحدة"؟ هذه قائمة جزئية. ما الذي مس الامريكيين بالجنون؟ قبل كل شيء، حقيقة أن نتنياهو، مرة اخرى لم يفِ بكلمته. بعث مولكو ليعد ميتشيل بانه لا يوجد تجميد في القدس، ولكن ايضا لن يكون بناء في القدس في الاشهر القريبة ولن تكون مفاجآت طالما كانت هناك مفاوضات. هو لا يمكنه ان يقول هذا بصوت عالٍ، ولكنه لن يحرجهم. اما هم، اولئك البائسين، فقد صدقوا. بعد ذلك ميتشيل سمع هذا بنفسه من بيبي. فصدق. وعندها، بعد أن نسجوا هذه الخطوة بجهد عالمي عابر للقارات ومعقد، وتغلبوا على ضجيج الخلفية،  وعلى الجامعة العربية، وعلى ابو مازن، وعلى ايران وسوريا، واخيرا بايدن جاء الى هنا كي يعلن الاعلان، حصل ما حصل.ولكن هذا مجرد القسم الاول من القصة. إذ أن هذا التصريح ايضا في أن "الازمة باتت خلفنا" الصادرة عن رجال نتنياهو في نهاية الاسبوع، مس واشنطن بالجنون. نتنياهو، بدلا من ان يتبجح كان بوسعه أن يصمت بضعة ايام. كان هذا افضل له. المشكلة مع هذه الازمة هي أنها قبل كل شيء ليست خلفنا. فهي تقف، بكامل عريها، امامنا. وثانيا، فانها عاطفية اكثر منها عقلانية. الامريكيون لا يلعبون الان دور الراشد المسؤول بل أزعر الحي الذي شعر بالخيانة. ذاك الذي جاء ليفرض النظام فصب عليه سطل من المياه وبيضة عفنة على الرأس من الفتى الهلع في الطابق الرابع (في الشيخ جراح). في الدقائق الاولى صعد الدم الى رأسه وبات يبحث عن احد ما يقتله. بحث، فوجد نتنياهو. ومع ذلك لا يزال هناك جانب عقلاني للازمة. الامريكيون يأملون باستغلالها لانتزاع اكثر ما يكون منها. وهم يحرقون الان النادي كي يلقنون نتنياهو درسا، وكي يردوا له الاهانة الصاع صاعين، ويدخلونه الى العلبة. وهم سيخرجون من هذه القصة مع تجميد في القدس بحكم الامر الواقع وكذا مع تجميد بعد ايلول. وهم يقبلون التحدي ويوسعون الصندوق، ولكنهم ينسون بان مخاطرتهم ايضا عالية.فليس منطقيا تماما ارسال هيلاري كلينتون الى هذا الحديث التوبيخي مع بيبي، قبل اسبوعين من دعوتها لان تكون ضيف الشرف في موتمر ايباك. وليس منطقيا خلق هذه الحرب العالمية مع القدس في هذه المرحلة، حين يكون الاصلاح الدراماتيكي في التأمين الصحي الامريكي يدخل الى "الايام العشرة الاهم له". اذا كان الامريكيون مستعدين لاخذ كل هذه المخاطر، فهذا يعني انهم مصممون. واذا كانوا مصممين، فهذا يعني ان نتنياهو في مشكلة. بعد اقل من سنة من تسلمه مهام منصبه، كل شيء يغلق على نتنياهو. المنصة مليئة بالمسؤولين مثل جو بايدن وهيلاري، ولكن المعركة الحقيقية تدور بينه وبين براك اوباما. حتى لو ضعف الرئيس الامريكي، كثيرة الاحتمالات بان يستقبل في البيت الابيض رئيس الوزراء التالي (ويمكن أن يكون هذا مرة اخرى بيبي). فهو هناك حتى كانون الثاني 2013. مشكلة بيبي مزدوجة: أولا، هو واثق بانه يعرف امريكا وهو لا. امريكا التي يعرفها توجد الان في المعارضة. المشكلة الثانية هي الغلاف الفكري والعملي لديه.  لقد سبق لهذا ان كتب هنا في مرات لا حصر لها، ولكن محظور التوقف: رئيس الطاقم هو نتان ايشل الذي يفهم امريكا مثلما يعرف بايدن اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في القدس. المستشار السياسي هو شاب كفؤ ومليء بالنوايا الطيبة ويدعى رون ديرمر. ولكنه عديم التجربة السياسية الداخلية أو الخارجية. المستشار السياسي الثاني، ورئيس مجلس الامن القومي، هو عوزي اراد. يكفي سماع رأي الامريكيين به، لمعرفة حجم المشكلة.  ليس لنتنياهو قدرة على التصدي للوضع الذي خلقه بكلتي يديه، ليست لديه الادوات لتخطيط الردود او الاستراتيجيات الذكية لشل فعالية القنبلة، كل ما يمكنه أن يفعله هو عقد للسباعية في بحث عاجل وربما ايضا رفع مكالمة هاتفية لشلدون ادلسون. دوما سيكون ممكنا اصدار عدد خاص بمناسبة "انهاء الازمة".  جملة عن الامريكيين: هم ايضا، كما يتبين ليسوا عباقرة الجيل. للخطأ الاستراتيجي الجسيم في البداية، والذي دفعهم الى أن يضيعوا سنة على الهراء، يضيفون الان رد فعل زائد على قضية رمات شلومو. في كل كتاب دبلوماسي في العالم مكتوب، في الفصل الاول المكرس لاسرائيل، بان لا يوجد منطق وظيفي في المبادرة الى ازمة مع حكومة اسرائيل على القدس. وبالتأكيد ليس في البداية. مثل هذه الازمة يجب أن تحفظ الى النهاية، عندما يصلون اليها حقا. وها نحن بصعوبة في البداية. من جهة اخرى، نتنياهو ايضا الذي قال أمس ان "كل حكومات اسرائيل، من اليمين ومن اليسار، بنت في القدس" يمكنه ان يشكو من ذاته اساسا. اذا كان الجميع بنوا وله فقط يحطمون الرأس، فليفحص نفسه. كيف حصل هذا؟ يحتمل أنه حصل بسببه.  لو كان بنيامين نتنياهو زعيما حقيقيا، لكان يقول اليوم الامور التالية: "في الاسبوع الماضي وقع خلل أدى الى مس بالولايات المتحدة، صديقتنا وحليفتنا الاكبر. انا آسف على الخلل، ولكنه لم يكن فنيا فقط. من الافضل الا تنشر عطاءات البناء في القدس في زمن زيارة نائب الرئيس هنا، عشية استئناف الاتصالات مع الفلسطينيين. ليس هكذا يستقبل الضيوف الاعزاء. ولكن يجب قول الحقيقة: نحن سنواصل البناء في القدس. ليس لنا نية بوقفه.  "في الانتخابات الاخيرة في اسرائيل اعطى الشعب اغلبية واضحة لليمين وصوت في صالح استمرار البناء في القدس وعليه، مع كل الاسف الذي ينطوي عليه ذلك فاني اوجه اليوم النظر الى واشنطن والى رام الله واقول بصوت واضح وكبير: "دولة اسرائيل لا يمكنها أن تجمد البناء في عاصمتها. انا وعدت بمواصلة البناء في القدس وانتخبت استنادا الى هذا الوعد. ليس لي نية لخيانة ناخبي. أتطلع وآمل الى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، ولكني غير مستعد لان اكذب وابني واقعا موهوما من أجل ذلك. هذه هي الحقيقة، وكل الحقيقة. لا يمكن الفرار منها".  أريحوا بالكم. الاحتمال في أن يفعل نتنياهو ذلك صفري. اولا لانه ليس زعيما حقيقيا. ثانيا ليست لديه شجاعة. ثالثا، ليس مستعدا لان يدفع الثمن او انه يعتقد ان ليس لشعب اسرائيل القدرة على دفعه. يدور الحديث، بالتالي، عن ثمن اثقل من الاحتمال، ولكنه يستحق التجربة. مرة واحدة والى الابد. هذه المحاولة ستؤجل الى المرة التالية. في هذه الاثناء نتنياهو يواصل محاولة الامساك بالعصا من طرفيها. الحديث عن السلام مع بيرس، ضمان المفاوضات على اساس خطوط 67 لمبارك، ارسال مولكو الى ميتشيل واللغز في نفس الوقت تماما لبيني بيغن والمستوطنين. وهو يقفز بين هذين العرسين ويسأل نفسه في أي منهما سيقع حين تتوقف الموسيقى. وبالفعل، الموسيقى توقفت وقد وقع، كالمعتاد، في الوسط. لا هنا، ولا هناك.