رام الله / سما / قال مصدر مقرب من السلطة الفلسطينية إن "الرئيس عباس جاء الى باريس حاملاً هموم السلطة" قبل الولوج في مرحلة ضبابية بعد مدة بسيطة يقدرها "أيضاً بستة شهور". ولكن حين تسأل الناطق الرسمي لوزارة الخارجية برنار فاليرو عن أهداف الزيارة، يعيد ترداد مع عكف الكي دورسيه على ترداده منذ انتقال الملف الفلسطيني إلى الإليزيه: "إنها فرصة لوضع النقاط على التقدم الذي حصل في مجهود السلام"، قبل أن يضيف "إنها مناسبة لإبراز كون الدبلوماسية الفرنسية نشطة". كان هذا قبل ظهور تصريح وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، لصحيفة "جورنال دو ديمانش" التي صدرت أمس بالتزامن مع وصول عبّاس. كوشنير تطرق إلى القضيّة الفلسطينية عبر الرد على مجموعة أسئلة، بدأت بالسؤال ما إذا كانت "إسرائيل دولة داعرة؟"، في إشارة لاستعمالها جوازات سفر دول صديقة لاغتيال أعدائها، فندد بالقتل المتعمد واستعمال الأوراق المزورة، مشيراً إلى أن "العملاء لم يستعملوا جواز أحد مواطنينا، كما هو الحال مع البريطانيين"، بحسب تقرير "الاخبار" اللبنانية اليوم الاثنين. ثم قفز عن هذه القضيّة للتشدّيد على ضرورة تجاوز الأزمة "وتأكيد دور أوروبا لفرض طريق السلام وخلق دولة فلسطيية وبسرعة". وأضاف بأن عباس يحمل "حل الدولتين" وأن السؤال الذي يفرض نفسه هو "بناء الواقع". وبعدما أشار إلى أن فرنسا "تدرب الشرطة الفلسطينية"، تابع "بعد ذلك يجب التبصر بالإعلان سريعاً عن دولة فلسطينية والاعتراف بها فوراً من قبل المجتمع الدولي حتى قبل التفاوض على الحدود". واعتبر كوشنير أن هذه الفكرة "تغويه شخصياً"، قبل أن يستدرك بأنه لا يعرف ما إذا كان "معه حق في هذا الأمر وما إذا كانت الدول الأوروبية سوف تتبعه". وعندما "أصر السؤال الثالث" على العودة إلى وصف إسرائيل بعد فعلتها، رأى كوشنر بأن "ما فعلته اسرائيل يشير إلى ضرورة قيام دولة فلسطينية فوراً". وأضاف بأنه "عندما تكون إسرائيل في أمان فهي سوف تعود لتلاقي المبادئ التي قامت من أجلها والتي من أجلها نتمسك بوجودها". إلا أن هذا لا يدل على ما يمكن أن يقوله عباس لكوشنير والعكس بالعكس، فحسب مصادر مقربة من السلطة فإن الرئيس عباس جاء وفي جعبته "شيئاً مخالفاً بشدة لطرح الفكرة التي تغوي كوشنير"، وهي تنطلق من "اقتراب الاتفاق بين السلطة وحماس" ورغبة عباس بالطلب من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي "الضغط" على واشنطن للقبول بحكومة وطنية تشارك بها "حماس". وتقول المصادر إن "صاعق اطلاق هذه المبادرة" جاء عقب لقاء الرئيس عباس وزويرة الخارجية هيلاري كلينتون في أبو ظبي ونتيجة "الإحباط الذي أصابه"، بعدما سمع منها بأن "تجميد بنيامين نتنياهو كافٍ"، فعاد ليعلن اعتزاله المقبل. إلا أنه، حسب المصدر فوجئ، "بعدم اهتمام الطرف الأميركي بتاتاً"، لا بل على العكس فقد فوجئ المقربون منه بأن بعض الدوائر بدأت تتحدث عن "وثيقة أحمد يوسف (المقرّب من حماس) ودانيال بن سيمون" في سويسر، والتي تقول بالقبول بمبدأ "التفاوض على قاعدة أوسلو لمدة 5 سنوات شرط وقف الاغتيالات وفتح الطرقات" وإنشاء مجالس لإدارة المشاريع وصرف أموال المساعدات. وحتى وقت قريب كان الرئيس عباس ومعاونوه يعتبرون أن "قاعدة حماس لا يمكن أن تقبل بهذا الأمر". إلا أن "تجربة حزب الله وحكومة الوحدة الوطنية" غيرت المعطيات لدى "حماس"، كما يقول المصدر، وهو ما وافقه عليه السفير السابق. وبات يمكن لحماس المشاركة في حكومة "وبوزن ثقيل" مع اعتبار أن التفاوض لا يتم عبرها، بل عبر منظمة التحرير، وبالتالي يمكنها "إدارة الشؤون الداخلية" وترك مسألة التفاوض مع إسرائيل. ورأى المراقبون في السلطة عاملين يمكن أن يشكلا دافعاً للتحرك:1 - جزء من الأوروبيين بات عنده قناعة بأن "حماس" هي البديل وهي فرضت نفسها كقوة وتحاول اليوم الخروج للعودة للعمل على الأرض لإعادة بناء شبكة خدماتها. 2 - أن المنطقة مقبلة على نزاع مع إيران "قبل الخريف"، وحسب قراءة السلطة الفلسطينية يمكن بالتالي السعي لإغراء "حماس" بإعطائها دوراً داخلياً "شرط موافقة أميركا". على هذا الأساس وهذه القراءات سوف يطلب اليوم (الإثنين) عباس مساعدة ساركوزي لإقناع واشنطن بالقبول بضيغة هذه الحكومة الوطنية، والكف عن محاولة "ضرب وجوه السلطة البارزة ببعضها البعض" وإلقاء أسماء "يمكنها أن تلعب دوراً محل عباس"، حيث بدأت عدة أسماء تدور في فضاء السلطة من أبو ماهر (محمد غنيم) أو أبو أديب (سليم زعنون) ومروان البرغوثي مروراً بمحمد دحلان وجبريل الرجوب، مع إعطاء أفضلية إلى سلام فياض "الذي بات يدشن كل يوم معملاً ومدرسة" حسب المصدر. إذاً عباس جاء يطلب "المساعدة من ساركوزي"، ولكن ما هو الثمن الذي يمكن أن يطلبه قاطن الإليزيه اليوم على الغداء؟ هل القبول بطرح كوشنير يذهب في اتجاه ما يريده عباس "حكومة وحدة وطنية لها حق التفاوض"؟ وهل يكون الأمر ضمن "مؤتمر دولي موجود على الطاولة"، كما صرح فاليرو لـ"الأخبار"، ويكفي أن يوافق عليه "من لا يريد الجلوس مع إسرائيل على طاولة واحدة"؟ ولكن هل يحمل عباس موافقة "حماس" على هذا الأمر أم أنه يريد أخذ الموافقة لـ"بيعها" للحركة الإسلاميّة؟في طريق عودته سوف يمر رئيس السلطة الفلسطينية على دمشق، وبالطبع قد يكون فك لغز رحلته هذه في عاصمة الأمويين.