لقد كنت ومنذ زمن بعيد – وما زلت – من المطالبين بتطهير أجهزتنا الأمنية من كل العناصر المشبوهة والمدسوسة وغير الموثوقة وغير الأمينة على مصلحة الوطن والمواطن،وذلك لما تشكله هذه العناصر من خطر على بنائنا الأمني والسياسي وذلك من خلال ما قد تقوم به من عمليات تخريب وتدمير وإساءة لعقيدتنا الأمنية في أذهان الناس،وكنت على الدوام ممن يتبنون ويدافعون عن وجهة النظر التي تقول ،إن أجهزتنا يجب أن تكون قلاع محصنة ومسيجة، وأن تكون على أعلى درجات التميز والبناء والمتانة والحرفية، لأن جهاز الأمن قلعة لا تقتحم إلا من الداخل... لقد شكلت أجهزة الأمن على مدى التاريخ البشري أدوات فاعلة تستخدمها الطبقات الحاكمة ضد الطبقات المحكومة ،وقد أُنشئت هذه الأجهزة عندما استدعت مصالح الطبقات الاجتماعية الحاكمة حماية مصالحها وتحقيق أهدافها وخوفها من قيام المحكومين بانتفاضاتٍ وثوراتٍ وانقلابات، أو الخوف من تعرض هذه المصالح للخطر. إن المتتبع لتاريخ ونشأة أجهزة الأمن الفلسطينية، سيدرك أنها تأسست وتكونت في ظل ظروف عمل قاسية وغير طبيعية ،حيث أنها لم تتكون فوق ارض وطنية من ناحية، وان تكوينها قد جاء في وقت كانت فيه الثورة الفلسطينية تتعرض لكل محاولات الذبح والقتل والمطاردة والتهجير من مكان إلى أخرمن قبل الأنظمة العربية المختلفة ،ومن قبل أجهزة الكيان الصهيوني المتعددة في داخل فلسطين وخارجها والذي كان يقف في مقدمتها جهازي الأمن العام "الشاباك "وجهاز "الموساد" القوي،هذان الجهازان اللذان يمتلكان كل المقومات بلا استثناء من جمع المعلومة حتى القتل والاغتيال، فكان لا بد من إنشاء جهاز امني فلسطيني قادر على أن يقف في مصاف أجهزة مخابراتية واستخباراتية عريقة ،بحيث يكون قادراً على المساهمة الفاعلة في حماية الثورة والقادة ومصالح شعبنا ،وقد اثبت الأمن الفلسطيني قدرته وجدارته في أكثر من قضية وموقف وحالة وظرف،وذلك بفضل وقوف ثلة من الجنود (القادة) الموهوبين الذين اخلصوا وتفانوا وعملوا بحرفية في مواقعهم النضالية والقيادية من خلال وجودهم على هرم الأمن الفلسطيني الموحد. وقد تطور الأمر نحو تبلور جهاز امني محترف بعد عودة منظمة التحرير الفلسطينية إلى ارض الوطن،وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو المعروفة،حيث تم تشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ذات الاختصاص ووفق التقسيمات الأمنية المتبعة في معظم دول العالم، ،فكان تطوير تشكيل جهاز المخابرات الفلسطيني ضمن أسس ومفاهيم أمنية تأخذ الواقع والمستجدات والتطورات الجديدة بعين الاعتبار ضمن هذه التشكيلة الجديدة. ولم يكن جهاز المخابرات الفلسطيني خارج دائرة استهداف وفعل وخطط كافة الأعداء والخصوم والقوى السياسية الأخرى،وذلك لما يتمتع به هذا الجهاز من خصوصية نادرة في ظل ظروف وأحوال استثنائية على أكثر من مستوى وصعيد وطني..وقد رأينا ذلك من خلال ما تعرضت له مستويات مختلفة من قادة وضباط وعناصر هذا الجهاز طوال تاريخ تأسيسه، حيث عمليات الاغتيال التي طالت عدد ممن يقفون على هرمه إضافة إلى المطاردات والاعتقالات والنفي وتدمير المقرات ..الخ، هذا من جهة،ومن جهة أخرى تلك المحاولات المحمومة التي كانت تهدف إلى إدخال اكبر عدد من الأفراد المرتبطين والمدسوسين والموجِِهين من قبل أطراف أخرى إلى صفوف الجهاز بهدف ضربه وتخريبه وحرفه عن مساره من الداخل ،وقد تبين ذلك من خلال جملة ما اكتشفه الجهاز من عناصر وأفراد انتظموا أو أرادوا الانتظام في صفوفه .. وللأسف فقد نجح الأعداء والخصوم وأطراف أخرى، في تحقيق عدة اختراقات خطيرة ومؤذية، ساهمت في توجيه عدة ضربات موجعة لجهاز المخابرات،كادت إن تقضي على الكثير من انجازاته وبرامجه وتبعده عن أهدافه الحقيقية.. ولن أذيع سراً حين أقول أن المستوى السياسي والقيادة العليا للشعب الفلسطيني تتحمل مسؤولية رئيسية وأساسية في ذلك، عندما فتحت الباب على مصراعيه أمام كل ما هب ودب لدخول جهاز المخابرات الفلسطيني وحمل بطاقة عضويته ،وحين كانت تستجيب لمطالب هذا المتنفذ أو ذاك لتفريغ الأبناء وذوي القربى والأصدقاء المتنوعين ،وكأن جهاز المخابرات أصبح " اتقيــــــــه" لسد الاحتياجات الخاصة ،أو مصدر رزق للعاطلين عن العمل. وقد شكل ذلك مصدر قلق دائم لعدد كبير من قادة الجهاز الذين لم يكن بمقدورهم إيقاف الكم الكبير من العناصر التي تدفقت إلى صفوف جهاز المخابرات العامة الفلسطينية كاستجابة لذوي النفوذ والمصالح الخاصة،والذين كانوا يطمحون وما زالوا في تكوين جهاز مخابراتي محترف وأصيل وذو بُنية صلبة وقوية.. إن من اخطر الأمور أن لا يلجا الجهاز أو المؤسسة إلى استخدام مبضع الجراح من اجل استئصال مكامن الإمراض أو الأعضاء الخطيرة في الجسم حين يتطلب الموقف أو الحالة ذلك، وهذا ما نرى وسنرى نتائجه – إن بقيت الأمور على ما هي عليه – ألان ومستقبلا. حين وقف الجهاز عاجزا عن كشف احد عناصره وهو يمارس دوراً تخريبياً من خلال سرقة مجموعة من الوثائق والملفات السرية ليمارس عن طريقها إشكالا رخيصة من الابتزاز والسوقية والسقوط. إنني لا أدافع عن أي كان في مواقع المسؤولية كان أو في خارجها حين يمارس سلوكيات وأفعال رخيصة أساءت وتُسئ لأخلاقيات شعبنا وكراماته كائن من كان ،لأنه لن يختلف في ذلك عن أولئك الذين يستخدمهم العدو والخصم السياسي بهدف تدمير بنيتنا وتحطيم إرادتنا الوطنية، ولكنني فقط أريد القول أن أولئك المندسين والخونة لو لم يجدوا التربة الخصبة والنفوس المريضة في أجهزتنا الأمنية، وفي مجتمعنا الفلسطيني، لما مارسوا هواياتهم وانحطاطهم وأهداف وبرامج الأعداء . ويخطئ من يظن أن أجهزة المخابرات – كل أجهزة المخابرات في العالم- لا تلجأ إلى العديد من الأساليب والطرق للإيقاع بخصومها وأعدائها بشتى الوسائل ، وكلنا يذكر أن اكبر الدول وأعظمها قوة وجبروت في العالم قد أسقطت رؤسائها وزعمائها ومسئولي المواقع الأولى وقادة معارضتها، بعد أن مارست عليهم كل إشكال الوقيعة والإسقاط والفضائح من اجل ابتزازهم وإسقاطهم والتخلص منهم . ولكن هذا لا يعطي المبرر لأي موقع كان، أن يتلاعب بمصائر البشر وحيواتهم وأمورهم الخاصة، تحت ذرائع وحجج لا تمت لانتمائنا وأخلاقنا وأجهزتنا الوطنية بصلة. لقد كنا نأمل أن لا يُنشر غسيلنا على الحبال ،وان لا يلجأ من كان يأخذ مكاناً متقدماً في صفوف جهاز المخابرات إلى أسلوب وضيع ومخزي وخطير إلى حد الخيانة ،حين مارس دوراً تخريبيا ولصوصياً وسرق ملفات وأشرطة ومعلومات من جهاز كان هو أحد عناصره المؤتمنين – إن جاز لنا التعبير - وصار يدلل عليها في سوق رخيصة مثله، لنشرها والاعتياش من ورائها،معتقداً أنه سيكون البطل المنقذ لشعبنا ومؤسساتنا من المفُسدين والفاسدين ... ولا ادري كيف يرتضي لنفسه من كان يُعتبر في موقع المسؤولية ، ومن كان يرى في ذاته بطلاً ،أن ينزل إلى هذا المستوى الوضيع والتافه ويقوم بتصوير شخص ما – أي شخص – في وضعية لا أخلاقية- كما يقول - كالتي مارسها مع "رفيق الحسيني"..؟؟؟دون أن تكون لها علاقات وارتباطات وتشعبات أخرى..؟؟. ليس من العيب أن يخطئ المرء ،ولكن من العار عليه أن يستمر في الخطأ ويتمادى فيه إلى أقصى الحدود،وسيكون في قمة الشجاعة واحترام الذات حين يقف على الملأ ويعلن أنه أخطأ وأنه مستعد لإصلاح أخطاءه ، والعودة إلى جادة الصواب قبل أن تقع الواقعة التي سيجد الكثيرون أنفسهم يدفعون ثمنها بهذه الوسيلة أو تلك.. إنني أضم صوتي إلى صوت أخي وصديقي ناصر اللحام ، في مطالبته للسيد" رفيق الحسيني" تقديم استقالته للسيد الرئيس ووضع نفسه تحت تصرف القضاء الفلسطيني المشهود له بالبراعة والكفاءة والعدالة ..إلى حين إصدار القرار الفاصل بالبراءة أو الإدانة ،حيث سيكون حينها لكل حدث حديث .. في الوقت الذي نأمل فيه من قيادتنا الوطنية ،الإسراع في إظهار الحقائق كاملة لشعبنا التواق إلى معرفة الحقيقة مهما كانت وكيفما كانت،هذا في الحين الذي نطمح فيه أن نرى جهاز المخابرات الفلسطينية قد اخذ زمام المبادرة وأغلق كل المنافذ التي قد يستخدمها المندسون والمرتزقة للولوج منها، في محاولة منهم لضرب جهاز مخابراتنا من الداخل. وان غداً لناظره قريب ..!!!