قراءة رد الفعل الذي نشره امس مكتب وزير الدفاع في أعقاب النبأ عن النية لتمديد ولاية رئيس الاركان أعطت انطباعا بانه يكرر قصة سابقة. المرة الاخيرة التي سجل فيها سلوك وحشي من هذا النوع كان في العام 2000. في حينه ايضا، كان هذا ايهود باراك، رئيس الوزراء ووزير الدفاع، الذي وصل الى وزارة الخارجية (بعد الاستقالة الصاخبة لدافيد ليفي)، دخل الى غرفة المدير العام ايتان بنتسور، قال للدبلوماسي القديم: "قررت أن اقيلك"، وببساطة طيره من منصبه. وقد نفذت الاقالة فورا، بين ليلة وضحاها، بضربة بلطة. باراك تمكن أيضا من العرج لعدة اشهر اخرى، الى أن فقد ائتلافه، وحكمه. فقد أقاله الجمهور بضربة لا تقل وحشية عن تلك التي قطع فيها رأس بنتسور. هذه المرة، على الاقل، كان هذا عن حق. أمس حطم باراك رقمه القياسي نفسه. كل شيء بدأ بنبأ مشروع نشره يوآف ليمور، المحلل العسكري للقناة الاولى امس في برنامج "مباط" الاخباري. وحسب ليمور، هناك احاديث عن تمديد ولاية رئيس الاركان غابي اشكنازي لسنة خامسة. نبأ منطقي، رغم أنه من السابق لاوانه تقرير ذلك. اشكنازي سيكمل يوم الاحد سنته الثالثة، لديه سنة اخرى كاملة في المنصب ولا يوجد لاحد أي سبب للاسراع، ولكن اذا كان احد يريد أن يمنع مسبقا معركة وراثة وحشية وتنظيم هدوء صناعي في سنة بهذا القدر من الحرج مثل 2010، فان هذا حل لا بأس به على الاطلاق. هذا نبأ من النوع الذي لا ينبغي الرد عليه. لا توجد اصابات، لا توجد اضرار. اما في مكتب وزير الدفاع فاعتقدوا خلاف ذلك. فقد أجرى الناطق بلسان الوزير جولة مكالمات هاتفية بين المراسلين العسكريين ونشر التعقيب التالي: "يوجد تقدير كبير لعمل اشكنازي"، هكذا يقول الناطق بلسان باراك، "ولكن موضوع تمديد ولايته لم يطرح في أي بحث او محفل وكله جاء من مصنع آفي بنيهو، وهو يحدث تآكلا في مكانة رئيس الاركان". يقرأ المرء ولا يصدق. بيان كهذا، من الناطق بلسان وزير الدفاع، ضد ضابط برتبة عميد لا يمكنه أن يرد عليه، لم يسبق أن صدر لوسائل الاعلام في مطارحنا. والان، الى القصة الحقيقية: لشدة الاسف، يمكن فقط نشر بعض يسير منها. أولا، النشر امس في القناة الاولى. كل من فحص يعرف بانه لم يأتِ من محيط رئيس الاركان. ولا من محيط الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي. فقد جاء، بمسؤولية، من محيط آخر تماما، اقرب بكثير لاولئك الذين اصدروا النفي ضد الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي أمس. ولكن هذا لم يمنع رجال باراك من الهجوم فورا، بغضب، مع الدم والنار في العينين، على الناطق العسكري وعبره، في واقع الامر، على رئيس اركان الجيش الاسرائيلي. هجوم علني نادر، بالنسبة لضرب السكاكين السري اليومي الجاري بين هذين البرجين في وزارة الدفاع. اشكنازي، بالمناسبة، لا يريد حقا سنة خامسة. عندما عين رئيسا للاركان، وتقرر تحديد ولاية رئيس الاركان بعدد ثابت من السنين منعا للحاجة الى "تمديد" مصطنع، فضل اشكنازي ان تتواصل الولاية لثلاث سنوات وليس اربع. اما عمير بيرتس، الذي عينه، فضغط باتجاه أربع سنوات وهذا ما كان. عندما أكمل سنتين، مزح اشكنازي وقال انه "قلب الاسطوانة". فهو لا يتحدث، لا يجري مقابلات صحفية، لا يسرق مجدا، لا يبتلع تغطية اعلامية، يقوم بالعمل القاتم والصعب، يأكل الرمل والغبار ويترك لباراك الساحة بشكل منفرد. فقد تلقى جيشا اسرائيليا مضروبا، منهكا ومترديا، وسيعيده، على ما يبدو، مدربا، مصمما وفخورا. وهو متوتر ومشدود، كل الولاية تمر عليه هكذا، يعد الايام والدقائق نحو غرفة القيادة. اذا ما فرضوا عليه في أي وقت ما سنة خامسة، فانه لا يمكنه أن يرفض، ولكنه لن يفرح ايضا. لا مصلحة له في التوجه الى السياسة، ثلاث سنوات تبريد ستجعله غير ذي صلة في وقت ما في منتصف 2015 بحيث لا يوجد أي سبب للتنكيل به. كما أنه لا يستحق ذلك على الاطلاق. كل هذه الامور لا تغير شيئا بالنسبة لايهود باراك. وعندما يحدد هدفا، لا احد يمكنه أن يوقفه. السنة الاخيرة في علاقات الرجلين لم تكن سهلة، ولكن الوضع كان محتملا، بعد. وكل شيء تغير عندما وصل رئيس القيادة الجديد – القديم لباراك، يوني كورن. الى جانب الناطق، باراك سري، رجل غير لطيف بحد ذاته، مدير عام الحزب فيتسمان شيري، الذي كان يمكنه أن يكون استفزازيا ممتازا في كل سوق ما، المبعوث السياسي السري صالح طريف، الذي ادين بمخالفة جنائية (ويمثل باراك في مهمات خفية في ارجاء العالم العربي)، وعدة اصحاب أذرع وصلوا بالصدفة، جعل محيط باراك منطقة مجنونة، عنيفة، أليمة، مصابة بالهوس. الضحية الاولى كان مدير عام وزارة الدفاع، بنحاس بوخارس. فقد فر من هناك طالما لا تزال فيه روح. والان، الرفاق يوجدون في ذروة حملة تطهير واسعة بين أزقة القصبة في وزارة الدفاع. مسؤولون كبار كثيرون آخرون على الطريق، وهم لا يعرفون ذلك على الاطلاق. الاسلوب عنيف وفظ، ونزعة القوة تصرخ. بالتوازي، يتبين أن كورن مسؤول عن عدة تعيينات وامور: هكذا منسق الاعمال في المناطق ايتان دنكوت، الذي يعتبر مقربه (تعيينه نفذ رغم معارضة رئيس الاركان). هكذا جيء بمرشح غير متوقع وليس قويا على الاطلاق ايضا، مثل اودي شني لمنصب مدير عام وزارة الدفاع. وغيرها وغيرها. كما أن شخصية قائد المنطقة الجنوبية يوآف جلانت، صديق قريب آخر لكورن، تحوم من فوق (جلانت واشكنازي غير مجنونين الواحد بالاخر). ولاجل اشعال كل هذا، ينبغي لكورن ان يحرص لان يرتب لنفسه شروط المدير العام، ووزيره يخرج دفاعا عنه بتسويغ هذه الخطوة ويمسك به متلبسا بفساده. لو لم يكن الحديث يدور عن احد المكاتب الاكثر حساسية في اسرائيل، لكان يمكن الهزء. ولكن هذا مقلق. بدلا من الدخول الى المكان الحساس الذي وصل اليه بمهابة مقدسة، لخلق انماط عمل منطقية، لتأسيس محور حوار ونشاط مع رئيس الاركان، قرر كورن الصدام مع كل ما يراه يتحرك. وهذا لا شيء بعد، لو لم يكن هدفه المركزي هو رئيس الاركان، من خلال الناطق بلسانه، العميد آفي بنيهو. ماذا فعل بنيهو لكورن؟ ماذا افسد لباراك؟ لا يمكن لنا ان نعرف. رد مرتين مناشدات باراك له كي يكون رئيس قيادته (أصر على اكمال الولاية مع اشكنازي)، ولكنه حمى ويحمي وزير الدفاع في كل مناسبة منذ 15 سنة. بنيهو يرى بركة في عمله: الجيش هادىء، رئيس الاركان يعمل، كل شيء يسير كالساعة. الى ان جاء كورن. وما الذي يحاول كرن تحقيقه في هذه الطريقة؟ من الصعب علينا ان نعرف. ان يفرض الرعب والارهاب في وزارة الدفاع؟ ربما. هذه الطريقة للصدمة والرعب كان تكتيك الامريكيين في الهجوم على العراق. المشكلة هي أنه بعد أن يتبدد الغبار تبقى أنت مع الازمات والنتائج. كورن، الخبير في التصغير، هو احد المستشارين الذين قالوا في حينه لوزير الدفاع بنيامين فؤاد بن اليعيزر الانسحاب من حكومة شارون والتوجه الى الانتخابات. نهاية فؤاد معروفة. في الحملة الاخيرة صنع كورن المتقاعدين. وهناك النهاية معروفة ايضا. قبل ذلك، ذهب الى الاعمال التجارية الخاصة، تسلم مكتب اعلانات متوسط واعاده اصغر مما كان. اما الان فتوجد لكورن فرصة أخيرة: حصل على وزير دفاع صغير ويحاول ان يخرجه كبيرا. من المشوق ان نعرف كيف سينتهي الحال هذه المرة.