متى وكيف يرتدع نتنياهو عن استئناف الحرب على غزة؟

الأربعاء 19 مارس 2025 08:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
متى وكيف يرتدع نتنياهو عن استئناف الحرب على غزة؟



القدس المحتلة/سما/

 تواصل حكومة الاحتلال الحملة العسكرية على غزة، لليوم الثاني على التوالي، بعد قتل وإصابة نحو ألف من الغزيين، جلّهم مدنيون، وسط انتهاك متعمد لاتفاق وقف النار، و”اتفاق يناير” مع حركة “حماس” بوساطة الوسطاء، لأن تل أبيب لا ترغب بالالتزام بكل شروطه، رغم انتقادات إسرائيلية واسعة لنتنياهو، تتهمه بخلط الأوراق، وتغليب الحسابات الفئوية، وسط تصاعد الاحتجاجات في الشارع بدوافع مختلفة.

ويواصل مراقبون ومحللون إسرائيليون كثيرون القول إن دوافع العدوان الجديد على غزة ترتبط بحسابات نتنياهو الداخلية: تلبية شهوة اليمين الصهيوني، واستعادة الوزير المستقيل بن غفير، ضمان المصادقة على مشروع قانون الموازنة العامة في نهاية الشهر الجاري، تثبيت الائتلاف والبقاء في الحكم.

 ويعبّر عن هؤلاء المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول، في تحليل بعنوان “من أجل نتنياهو”، إن العملية العسكرية سيتم تبريرها بالحاجة لتخليص المفاوضات من جمودها، وفي ذات الوقت تحقيق وعد نتنياهو بإلحاق الهزيمة بـ “حماس”، رغم أن جدولي زمن هذين الهدفين لا يسيران بالتزامن.

ويضيف هارئيل: “هنا يوجد في الأساس سلة غايات سياسية ملّحة لا يتحدث عنها نتنياهو بصوت عالٍ: إعادة بن غفير وكتلته للحكومة- هدف تم تحقيقه بسرعة لافتة. هذه المرة حقًا هي حرب سلامة نتنياهو بشكل كامل، بما في ذلك محاولة صرف الأجندة الإخبارية الراهنة عن الاحتجاجات المتزايدة ضد الحكومة. بالنسبة لنتنياهو، يمكن التضحية بحياة المخطوفين في الطريق لتغيير النظام”.

 هدف القتال: استعادة بن غفير لا المخطوفين
ويتكاتب مع هارئيل الجنرال في الاحتياط نوعم تيفون، الذي حاول هذه المرة، بخلاف تصريحاته السابقة، اتهام الجانب الفلسطيني أيضًا، وقال للإذاعة العبرية العامة، اليوم، إن هدف القتال استعادة بن غفير للحكومة، لا استعادة المخطوفين، وإن نتنياهو مثل “حماس” ينتهك الاتفاق ويرفض الانتقال للمرحلة الثانية، زاعمًا أن نتنياهو شوّش كل شيء، ومكّن “حماس” أيضًا من تشويش إضافي.

ويضيف: “لا يمكن إبقاء حماس في السلطة، ولكن أين كنتم طوال سنة ونصف؟ هناك سلّم أولويات، وينبغي استعادة المخطوفين دفعة واحدة”. ولكن نتنياهو يقول إن المؤسسة الأمنية هي التي أوصت بالعملية العسكرية.

ردًا على سؤال الإذاعة العبرية، قال تيفون إنه “لا أحد يثق بنتنياهو. من هم أعلى من قائد الجيش، أيال زامير، لديهم حسابات مختلفة”.

في هذا المضمار، تفيد تسريبات صحافية أن المؤسسة الأمنية منقسمة على نفسها، فمعظم قادتها يؤيدون القصف الجوي ويرفضون تصعيده خوفًا على الأسرى، مثلما يرفضون الاجتياح البري تحاشيًا لخسائر محتملة في صفوف الجيش أيضًا، علماً أن أحدًا من هؤلاء، عدا قائد الجيش زامير، لم يسمع بصوته يقول إنه مؤيد لانتهاك وقف النار.

غايات نتنياهو
 لا شك أن نتنياهو مهتم بنفسه، وأولويته الأولى الحفاظ على بقائه في الحكم، ومحاولة استبعاد لجنة التحقيق الرسمية، ومحاولة إضعاف الاحتجاجات المتزايدة على خلفية قراره بإقالة رئيس “الشاباك” وصرف الأنظار عن التحقيقات الخطيرة مع عدد من مستشاريه، لكن هناك حسابات ودوافع إضافية لا تقل أهمية عن تصميمه على مواصلة العدوان الذي اضطر لوقفه قبل نحو الشهرين بضغط من ترامب.

 كان نتنياهو، ولا يزال، يرفض التسليم بنتائج الحرب الفاشلة في تحقيق أهدافها، رغم أنها كانت الأكثر شراسة وتوحشًا والأطول من بين الحروب الإسرائيلية، وهو يصارع من أجل تحقيق مآربه المعلنة، خاصة تدمير “حماس”، على أمل أن يشفع له ذلك فيغفر له الإسرائيليون الذين يعتقدون في أغلبيتهم أنه هو المسؤول عن الفشل الذريع الإستراتيجي في السابع من أكتوبر.

نتنياهو يسعى لنيل ما هو أكبر وأخطر: ترميم هيبته وصورته و”أناه” المتضخمة وذكراه في التاريخ، كيف لا وهو ابن المؤرخ المسكون بهاجس التاريخ وبجنون العظمة، ويرى نفسه “سيد الأمن”، و”أبو علي” الشرق الأوسط، و”تشرتشل الإسرائيلي”، لا يكترث بمصير الأسرى الإسرائيليين ولا بنزيف غزة، ولا تهمه كلفة الحرب ومستعد للقيام بكل شيء من أجل الظفر بانتصار، حتى لو قدمّت إسرائيل لمحكمة الجنايات الدولية عشر مرات جديدة.

نتنياهو، الذي راوغ وناور وكذب من أجل مواصلة هذه الحرب الطويلة، أشار بنفسه لذلك في إطلالته المتلفزة ليلة البارحة، حيث قال بعد التهديد بأنها مجرّد البداية، إنه مصمم على تحقيق هدفي الحرب: استعادة الرهائن وتدمير “حماس” والتثبت من عدم قيام تهديد جديد في غزة.

من يردع نتنياهو؟
وزادت هذه الأطماع لدى نتنياهو بعدما زاود عليه ترامب من اليمين بتهديده “حماس” بالجحيم وبتهجير غزة والغزيين وغير ذلك.

ترامب ذاته، الراغب بصفقة سياسية إقليمية في الشرق الأوسط، دفع نتنياهو لوقف الحرب، قبل شهرين، لكنه عاد والتقى بموقف نتنياهو الذي لا يدّخر جهداً لتضليل الإدارة الأمريكية (بشيطنة “حماس” وإبقاء الكرة في ملعبها) بسبب رغبته المَرضيّة بالتخلّص من كل موروث من بايدن، بما في ذلك الاتفاقية على مراحل.

لن يتوقف نتنياهو عن أطماعه الدموية، إلا إذا تصاعدت الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي بشكل واسع جدًا (على غرار احتجاجات 2023) على هجره للأسرى في غزة، الذين تُعرّضهم الهجماتُ الجوية العنيفة للموت، وعلى مواصلته المساس بـ “حراس العتبة” و”كوابح الديمقراطية”، وآخرها إعلان قراره بإقالة رئيس الشاباك، استئناف “الانقلاب القضائي” أو/و تغيّر موقف ترامب نتيجة تقلب مزاجه، أو ضغط صادق من قبل الدول العربية (التمسّك بخطتها لترميم غزة) والغربية من أجل وقف الحرب التي تقتل المدنيين الفلسطينيين بالجملة.

الشارع الإسرائيلي المرهق، وربما اليائس، أو الآمل بالخلاص من واشنطن لا تل أبيب، والإدارة الأمريكية، ربما يتحرك بقوة أكبر اليوم ليس بسبب الدم الفلسطيني المسفوح بين الركام في غزة، بل خوفًا على مصير الأسرى، والخوف من استشراء الفساد، وتغيير هوية إسرائيل و”تحويلها إلى دولة استبدادية كبولندا”، كما قالت الرئيسة السابقة لمحكمة العدل العليا دوريت بينيش اليوم مجددًا.

وهذا شعار رفعه عشرات الآلاف من المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب، ليلة أمس، بمشاركة عشرات من قادة سابقين للمؤسسة الأمنية، منهم رئيس سابق للشاباك يوسي كوهن، الذي تحدث في المظاهرة عن علاقة مكتب نتنياهو ومستشاريه المقربين بقطر، داعيًا نتنياهو للاستقالة وإعادة القرار للشعب. وتابع: “نتنياهو لن يهرب من المسؤولية”.