هزة سياسية وأمنية في إسرائيل.. إقالة رئيس الشاباك تؤجّج الانقسامات وتهدد مستقبل الصفقة

الإثنين 17 مارس 2025 06:10 م / بتوقيت القدس +2GMT
هزة سياسية وأمنية في إسرائيل.. إقالة رئيس الشاباك تؤجّج الانقسامات وتهدد مستقبل الصفقة



القدس المحتلة/سما/

تزامناً مع حرب لم تنته بعد وفي ذروة خلافات داخلية حادة حول تشكيل لجنة تحقيق رسمية بملابساتها، تشهد إسرائيل هزة سياسية/أمنية غير مسبوقة تتمثل بإعلان رئيس حكومتها نتنياهو مبادرته لإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار.

وهذه خطوة من شأنها أن تؤدي لأزمة دستورية وهي تصب فوراً الزيت على نار حالة الانقسام بين معسكرين متصارعين على قضايا جوهرية، وأن تنعكس على مستقبل الحرب والصفقة العالقة، وربما تدفع نحو زيادة احتمالات تعطيل الصفقة ومعاودة العدوان على غزة بعمليات محددة ونار عن بعد.

للمرة الأولى في إسرائيل يعلن رئيس حكومة عن نيته إقالة رئيس “شاباك”، وسيتمّ طرحها على طاولة الحكومة في اجتماعها بعد غد الأربعاء للمصادقة عليها، علماً أن هناك أغلبية من الوزراء المؤيدين لها، ومن المتوقع أن يخلف بار، في حال تمّت إقالته ولم تتدخل المحكمة العليا لمنعها، واحدٌ من مرشحين مركزيين هما “م” نائبه الذي أنهى عمله، والنائب الحالي “راء”.

 السبب المعلن والدوافع الحقيقية
وعلّل نتنياهو قراره في شريط فيديو، ليلة أمس، بفقدان الثقة برئيس الشاباك، حيث قال: “إنه في حرب وجودية كالتي نحن فيها يجب أن تكون هناك ثقة كاملة لدى رئيس وزراء برئيس شاباك. للأسف فإن الوضع معكوس. هذه الخطوة ملحّة لترميم التنظيم ومنع كارثة قادمة”. وهو بذلك يلمح تلميحاً غليظاً لمسؤولية جهاز الشاباك عن فشل السابع من أكتوبر وتحميله المسؤولية.

ولكن لماذا الآن، بعد 14 شهراً من الفشل الذريع، يبادر نتنياهو لإقالة رئيس الشاباك المحمّل مسؤولية فشل السابع من أكتوبر طبقاً للتلميح الغليظ المذكور؟ هذا السؤال يقود لحسابات ودوافع أخرى غير معلنة خلف هذه الخطوة الدرامية، منها مواصلة سعي المستوى السياسي لإلصاق المسؤولية عن الفشل الكبير والحدث التاريخي الجلل المكلف والمهين أكثر من حرب 1973 (“طوفان الأقصى”) بالمستوى العسكري، فقد سبق واتهم نتنياهو رؤساء المؤسسة الأمنية بذلك، وساهم في دفعهم للاستقالة (هم قائد الجيش وعدد من قادته ويضاف لهم وزير الأمن السابق غالانت).

ومما زاد من تحامل نتنياهو على رؤساء المؤسسة الأمنية على ما يبدو بعض استخلاصات لجنة التحقيقات الداخلية في “الشاباك” التي أقرّت بالمسؤولية الذاتية عن الفشل، لكنها أشارت بوضوح لفشل حكومات نتنياهو في منع تطبيق توصيات باغتيال قادة “حماس” منذ سنوات وبالرهان على أنها مرتدعة وتريد الهدوء والسماح بإدخال أموال قطرية لها ساهمت في بناء قوتها العسكرية وبناء تحصيناتها.

وربما الأهم من كل ذلك فتح ملف تحقيق جديد مع أقرب المستشارين لنتنياهو حول علاقاتهم بقطر والشبهات بتلقيهم أموالاً منها، كما يوضح كاريكاتير ساخر في صحيفة “هآرتس” اليوم يظهر فيه بار داخل المطبخ السياسي وهو يفتح غطاء طنجرة الطهو من تحتها النار كتب عليها “قطر غيت” ليكتشف أن نتنياهو داخلها وهو يقول: “نحن في ذروة حرب على عظمة وجودية”، وهذه مقولة تتكاتب بسخرية مع تصريح نتنياهو بأننا في ذروة حرب وجودية.

كذلك، ربما هذا مرتبط أيضاً بقضية تحقيق أخرى داخل مكتب نتنياهو كشفت عن حقيقتها صحيفة “هآرتس” ويمنع نشر تفاصيلها بأمر منع نشر قانوني. يضاف لذلك من المرجّح أن نتنياهو يقتدي بالرئيس ترامب الذي يتصرف منذ اليوم الأول كالحاكم بأمره ويعيّن من هم موالون له شخصياً، للملك لا للملكة، لا يكترث بقانون محلي أو دولي ولا أخلاق أو ديمقراطية، ففور عودته من زيارته الأخيرة من واشنطن كان يلمح لذلك.

الحرب على غزة
وهناك من يضيف سبباً آخر بالإشارة للتوقيت والقول إن الإقالة جاءت قبيل الدخول في أيام قتالية في غزة دون صفقة ودون مخطوفين ودون أن يحصل الإسرائيليون على تفسير لماذا يحصل كل ذلك، كما يوضح المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، اليوم الإثنين، لافتاً إلى خطورة تفجّر أزمة ثقة في خضم حرب.

وبعد ساعة من إعلان نتنياهو، قدَّمَ رونين بار تعقيباً غير مسبوق على إعلان إقالته: “واجب الثقة لدى رئيس الشاباك هو في الأولوية الأولى للمواطنين في الدولة. توقعات رئيس حكومة لواجب ثقة شخصية فكرة لاغية من أساسها وتتناقض مع قانون الشاباك”.

وعلى خلفية توجيه أوساط في اليمين والإعلام انتقادات لتصريح بار المذكور، والذي أثار مخاوف من وقوع “حالة تمرّد وأزمة دستورية”، صدر عن “الشاباك” بيان إعلامي جاء فيه أن بار سيحترم كل قرار يصدر بشأنه.

كما سارعت المستشارة القضائية للحكومة (هي بنفسها مهددة بإقالتها من منصبها كما أعلن وزير القضاء لافين قبل أيام) للتحذير من عدم قانونية خطوة نتنياهو بقولها: “لا تستطيع أن تقيل رئيس الشاباك دون قاعدة حقائق وأساس قضائي. وظيفة رئيس شاباك ليست وظيفة ثقة شخصية.. وهناك شبهات أن الخطوة ملوّثة بعدم قانونية وباعتبارات غير موضوعية”.

على خطى بولندا وهنغاريا
وتحذّر الرئيسة السابقة لمحكمة العدل العليا دوريت بينيش من خطوات خطيرة على المجتمع الإسرائيلي، وتقول للإذاعة العبرية العامة إن خطوة نتنياهو تعني تعيين موظفين كبار على أساس ولاء شخصي، وهذا يعني أن إسرائيل في طريقها لنظام دكتاتوري. وأعربت عن قلقها العميق من مساس خطير بقيم الديمقراطية وقارنت بين الوضع الراهن في إسرائيل وبين مسيرة الاستبداد في بولندا وهنغاريا، داعية الإسرائيليين للاستيقاظ بسرعة.

وقال مسؤول سابق في “الشاباك” للإذاعة ذاتها إن قرار نتنياهو غير مفيد لإسرائيل، منوهاً لوجود حالة انكسار ومساس بالثقة المتبادلة التي يفترض أن تتوفر لدى رئيسي الحكومة والشاباك.

 المعارضة تصرخ وتندد
ومقابل الوزراء الذين يباركون، سارعت المعارضة للتنديد بقرار نتنياهو وأعلن رئيسها يائير لبيد إن حزبه (هناك مستقبل) سيتجه للمحكمة العليا لإبطال قرار نتنياهو، وهذا الموقف يعكس ضعف المعارضة والمعسكر المعارض الذي اختار اللجوء للمحكمة بدلاً من الخروج للشوارع وقيادة احتجاجات واسعة ترتقي لمستوى وخطورة قرار نتنياهو الذي استشعر ضعف المعارضة وحالة الإرهاق الملازمة للإسرائيليين فبادر للإقالة، خاصة أنه اكتشف حالة الضعف والتعب واليأس بعدما أقال غالانت في ذروة الحرب وهو قرار قد مرّ دون ضجة حقيقية.

وحالياً يكتفي رؤساء المعارضة بتصريحات إعلامية، فقال رئيس حزب “الديمقراطيين” يائير غولان، وهو نائب سابق لقائد جيش الاحتلال، إن نتنياهو يعلن حرباً على الدولة، فيما قال النائب غادي أيزنكوت، وهو قائد سابق للجيش، إن نتنياهو يقوم بعمليات تطهير تلزم باحتجاج جماهيري واسع.

وهكذا في الإعلام، فقد حملت الأغلبية الساحقة من المراقبين والمعلقين الإسرائيليين على الإقالة، فيقول المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل إن نتنياهو يسيطر على الشاباك وإنه هو المسؤول الأكبر عن السابع من أكتوبر، وهو بدون فرامل يحاول التخلص من بار ضمن خطواته الدفاعية المستميتة، ويضيف: “مستقبل الديمقراطية الآن متعلق بالمستشارة وبالعليا ولكن بالأساس بيقظة الجمهور”.

 حالة جنون وحرب أهلية
ويتوقف المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع عند خطورة قرار نتنياهو بقوله إن الإسرائيليين، من الجنود على حدود غزة حتى قضاة العليا، ينتمون تحت نظام الحكم الحالي لمجموعتين: أولئك الذين يعتقدون أننا نعيش حياة طبيعية وكل ما يحصل حصل في الماضي، ومن يعتقدون أن نتنياهو وزمرته كسروا كل قواعد اللعبة. رونين بار ينتمي للمجموعة الثانية.

ويؤكد أن هذا النزاع بين نتنياهو وبار خطير، فهو يقربنا من نوع من حرب أهلية حالياً بلا سلاح، ولكن نحن الآن في مرحلة فقدان الثقة وعدم طاعة داخل أجهزة الأمن.

ويتابع: “هذا سينتهي بشاباك مختلف، بنيابة عامة مختلفة، محكمة عليا مختلفة، وقوانين أساس مختلفة. رئيس حكومة فقد الكوابح سيصبح الحاكم بأمره وحكومة فاشلة تردد خلفه: سمعاً وطاعة. التصريح الغبي لنداف أرغمان هو القشة التي قصمت ظهر البعير”.

 لحظة شجاعة
وتبعه زميله المحلل السياسي نداف أيال الذي يقول في مقال بعنوان “لا” إن هناك مقولات تحتل مكانة في التاريخ كمقولة رئيس الشاباك “لا”، منوهاً أن إعلان بار عن إخلاصه للجمهور للملكة لا للملك سيسجل في تاريخنا كلحظة شجاعة استثنائية مقابل زعامة سياسية.

ومن جهتها، تقول زميلته المحللة السياسية في ذات الصحيفة سيما كادمون: “نتنياهو بقي وحيداً. نتنياهو يطالب الجميع تحمل المسؤولية عدا نفسه. علماً أنه الأول الذي كان يجب أن يتحمل مسؤولية وإعلان استقالته، يقوم بالتخلّص من كل “أبطال” السابع من أكتوبر وبقي وحيداً”.

في المقابل، تقول زميلتها في ذات الصحيفة نافا درومي، صاحبة التوجهات اليمينية: “بدون عواطف حان الوقت لحكم منتخبي الشعب لا حكم الموظفين… هكذا هي الديمقراطية”.

يشار إلى أنه قانونياً يستطيع رئيس حكومة إقالة رئيس شاباك، ولكن يحتاج لمسوغات وصيرورة إجراءات صحيحة.