تصريحات الرئيس ترامب في حضور صديقه العظيم نتنياهو ليست بالمطلق غريبة عنه، فكل شيء لدى الرئيس ترامب عادة يكون في نطاق الأمور غير العادية، وغير الواقعية، بل هي في باب المستحيل، لكن رجل الصفقات الذي يبحث عن جائزة نوبل للسلام يعتقد أن لا مستحيل أمامه، فهو رجل المهمات المستحيلة "يبدو انه متأثر كثيرا بالممثل الامريكي “توم كروز"، وكما يبدو هو من عشاق افلام هوليويد المتعددة والتي تعكس صورة أمريكا العظيمة، فمن "كابتن امريكا" إلى "رامبو" امريكا..الخ، هو نفسه الرئيس ترامب، لانه يرى نفسه المنقذ والعظيم والذي بسببه ستعود أمريكا عظيمة، ولأجل ذلك يحق لأقوى رجل في العالم ان يفعل ما يريد ويفعل ما يريد ويفرض ما يريد، لأن الرجل يتعامل بمنطق لعبة الشدة، فهو الجوكر وهو الولد الذي يقوش كل شيء في لعبة "الباصرة"، هو المطلق في هذا الكون لانه يخطط ايضا لرفع العلم الأمريكي على "المريخ"، ومن يريد أن يحتل "المريخ" فكيف إذا ب "غزة" ولكن كانت وستبقى غزة لعنة على من يفكر فيها بإستخفاف.
طريقة البلطجة الأمريكية ووفق مفهوم رجل الكابوي الذي يرى القوة فوق القانون، ويرى ان امريكا هي القانون الدولي ولا قانون آخر فوق امريكا، وقانون "لاهاي" أوضح من الشمس، "وهو قانون ينص على استخدام القوة ضد محكمة الجنايات الدولية اذا قامت بإعتقال امريكي او حليف لأمريكا بتهمة جريمة الحرب"، ولذلك تصريح التهجير وإحتلال غزة حتى ولو بالقوة يأتي في سياق طبيعة العقلية التي تحكم رجل نرجسي بصفات الرئيس ترامب
الكل توقع ان يبحث لقاء الرئيس ترامب ورئيس وزراء إسرائيل نتنياهو الملفات التقليدية والمعلن عنها، لكن تحول كل شيء وفقا لأهواء الرئيس ترامب إلى ملفات أخرى، ملف تهجير سكان غزة وملف السيطرة الامريكية المباشر على غزة حتى لو إضطر لإرسال جنود امريكان وهذا يخالف توجهاته وبرنامجه الإنتخابي "لاحقا نفت المتحدثة بإسم البيت الأبيض بأنه سيرسل جنود امريكيين لإحتلال غزة ويتم بحث السيطرة بشكل غير مباشر"، طبعا في الغرف المغلقة تم بحث الملفات المهمة "المحكمة الجنائية الدولية وصفقة تبادل الاسرى وإيران والضفة الغربية والتطبيع مع المملكة العربية السعودية" ولكن السؤال هنا، لماذا هذا التغيير العلني الإستعراضي الذي فاجأ الجميع تقريبا؟!!، بل كما قال "يائير لابيد" زعيم المعارضة في إسرائيل "الرئيس ترامب ألقى قنبلة نريد ان نعرف ماهيتها وتكوينها"
صحيح ان الرئيس ترامب قام بتفجير قنبلة بحجم المستحيل، ولكن هذا المستحيل يريده رجل المهمات المستحيلة ان يتحول إلى ممكن، لذلك دعونا نجيب على لماذا؟
اولاـ يبدو أن رجل المقاولات والذي وفق بعض المعلومات كان "فاشلا في عمله في العقارات" يريد ان يعمل وفقا لمفهوم رفع السعر للحصول على سعر افضل، هو يريد ان يُخفض ثمن التطبيع مع المملكة العربية السعودية ويحوله ليصبح مقابل منع التهجير، بدل مقابل دولة فلسطينية او بالحد الادنى مسار للتسوية السياسية بجدول زمني تؤدي لقيام دولة فلسطينية.
ثانيا- تخفيض سقف المفاوضات للمرحلة الثانية، بحيث تبدأ عملية الضغط على حركة حماس لتخفيض مطالبها وتحت عنوان عدم إغضاب الرئيس ترامب، لأن تسهيل الوصول لإتفاق بدون تشدد وتعقيد قد يكون عائق أمام التهجير.
ثالثا- مقايضة حماس ليس كحكم فقط وإنما نزع سلاح المقاومة، اي الموافقة على شروط الإستسلام لأن المقاومة ستكون في مواجهة أمريكا وقائدها العظيم الرئيس ترامب، وليس وفقا لمطالب إسرائيلية فقط، لذلك سيضغط الوسطاء لكي توافق حماس وذلك لمنع تنفيذ فكرة التهجير والإستيلاء الامريكي على غزة.
رابعا- الفكرة المستحيلة تصبح بعد طرحها من قبل الرئيس ترامب ممكنة، أي سيتم العمل عليها وفق مفهوم الخطة "ب" في مواجهة حركة حماس، هذا إذا لم تكن هي الخطة "ألف" اصلا، وهنا اقصد التغيير الجيو سياسي، وتغيير معالم الشرق الاوسط الذي بشر فيه رئيس الوزراء نتنياهو قبل عدة أشهر وبالتالي الهدف هو تصفية شاملة للقضية الفلسطينية، والشيء الذي يدعو لذلك هو ردة فعل رئيس الوزراء نتنياهو أثناء حديث الرئيس ترامب وبما يوحي بأنه كان في صورة ما سيقوله الرئيس ترامب، وكأن كل الأمور قد تم ترتيبها خلال زيارات الوزير "ديرمر" وزير الشؤون الإستراتيجية المقرب من نتنياهو وحافظ صندوق أسراره وخططه والمقترح من قبل نتنياهو ليترأس وفد المفاوضات المتعلقة بصفقة تبادل الأسرى، وهنا نشير إلى أن تغيير معالم الشرق الأوسط تتطلب إنزياحات جغرافية وديمغرافية تحدثنا عنها سابقا لأجل وأد القضية الفلسطينية إلى الأبد من وجهة نظرهم ولأجل أن تُصبح إسرائيل عظيمة لقائد عظيم "نتنياهو" وتحت ولاية الإمبراطور الجديد للعالم الرئيس "ترامب".
وأيضا يبدو ان الرئيس ترامب يريد ان ينجز ما لم تستطيع إسرائيل إنجازه طوال فترة عملية الإبادة والتطهير العرقي التي إستمرت أكثر من خمسة عشرة شهرا، بالمعنى التطبيقي لفكرة التهجير أو بالمعنى التفاوضي، وهذا يوحي أن التوجه الأمريكي وبالذات توجه إدارة الرئيس ترامب تجاه القضية الفلسطينية يندرج في سياق الحل بالقوة وعلى طريقة "الهنود الحمر"، أي إنهاء الملف الذي لا حلّ له بدون دولة فلسطينية وعودة اللاجئين.
تصريحات الرئيس ترامب تريد قلع الفلسطيني من جذوره وإنهاء الصداع الدائم الذي تعاني منه إدارات البيت الأبيض المتعددة من خلال توجيه ضربة قاضية تمحو فيه الفلسطيني كشعب وقضية، ف "الغزيين" للتهجير و"غزة" مزرعة من مزارع الرئيس ترامب لكن بعد عقد من الزمن ستقدم هدية لإسرائيل، في حين "الضفة" هي من نصيب إسرائيل كسيادة مطلقة وبالطبع ستكون بدون سكان او بالحد الأدنى تهجير اللاجئين منها وكل من يدعم تنظيمات المقاومة وعلى راسها حماس.
هكذا يُفهم من تلك التصريحات، ولكن إذا أردنا التعامل وفقا لمنطق الأشياء، فكل هذه التصريحات ليست سوى مجموعة افكار أعلنها للترهيب وفرض معطيات اخرى غير معلنة تتعلق بتسريع الانجازات من حيث تحقيق الاهداف الإسرائيلية عبر الإبتزاز بعد أن فشلت في تحقيقها عبر الإبادة والحرب، وفي نفس الوقت إنجاز التطبيع وفرض ما اسماه الرئيس ترامب سابقا السلام بالقوة في الشرق الاوسط، سلام يتم فيه مراعاة الحدود القصوى للمتطلبات الإسرائيلية من حيث الجغرافيا والترتيبات الأمنية، إضافة لفرض السيطرة غير المباشرة على قطاع غزة عبر تحويلها إلى منتجع للشركات متعددة الجنسيات التي سوف تعمل في سواحل البحر المتوسط بعد إنفكاك العقدة السورية وسقوط الدولة التي كانت ترفض كل هذه المخططات، ومجيء نظام جديد مُستعد للتعاطي مع كل المشاريع الأمريكية في المنطقة وبما يخدم دخول إسرائيل للمنطقة عبر التطبيع والذي سيشمل الدولة السورية لاحقا إن لم يكن حتى قبل المملكة العربية السعودية التي لها شروط صعب تقبلها من قبل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
لذلك يجب ان يتم الرد على القرارات المستحيلة بالرفض اولا، ووضع مقاربات جديدة اساسها التركيز على قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين، ولكن للوصول لذلك فلا بد من إنهاء الحرب على قطاع غزة اولا، والايواء والإعمار ثانيا وفق خطة غير قابلة للدحض، أي وضع مخطط عربي ودولي لإعمار غزة، وهذا يستدعي من الفلسطيني ان يذهب لمفهوم وحدوي شامل برنامجه وطني يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية وبحيث تكون هناك مشاركة بالحد الأدنى عبر التفاهم، فالوقت من دماء معاناة اهلنا في غزة، وكل مسؤول فلسطيني ومهما كانت صفته أو حزبه ستكون هذه الدماء والمعاناة في رقبته إلى الأبد، وكما دفنت المؤامرات السابقة التي كانت تهدف لتهجير الفلسطيني ستفشل هذه المؤامرة، ونبشر الكل بأن في غزة الآن 114 ألف إمرأة حامل، وهذا وحده رد على جعجعة ترامب ومن معه.
لن يستطيع لا ترامب ولا جوقته ولا عظيمه نتنياهو أن ينالوا من عزيمة وإرادة الحياة للكل الفلسطيني، فهذه أرضه وهو صاحبها وسيبقى كذلك شاء من شاء وأبى من أبى.