كان من المؤكد سلفا ان أساطين منظمة «أيباك» الصهيونية في أمريكا سيضغطون على الزر المناسب لتهيئة لقاء بين مجرم الحرب الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والإمبراطور الأمريكي المعتوه المرتهن للحركة الصهيونية دونالد ترامب، وقد حصل هذا فعلاً، إذ أعلن الأخير أنه سيلتقي نتنياهو في واشنطن «قريباً جداً». وقريباً جداً إذن سنرى مشهداً يتكرر: سيقف أعضاء الكونغرس المدجنين الذين مولت منظمة «أيباك» اليهودية حملاتهم الانتخابية مصفقين مرات كثيرة، كما لو كانوا قردة تجيد تقليد أي كلام تافه وافتراءات كاذبة، ينطق بها رئيس الوزراء الإسرائيلي.
مرة أخرى عاد ترامب ليقول يوم الاثنين 27 كانون الثاني/يناير 2025، إنه يود نقل سكان غزة «للعيش في منطقة، حيث يكون بإمكانهم العيش من دون اضطرابات وثورة وعنف»، أي أن هذا الرئيس الأمريكي الذي لا يمكن اعتباره رجل دولة، أو حتى مجرد رجل متزن العقل، يحرص على مصلحة الفلسطينيين ويود لهم العيش في أمان، ولكن بشرط أن يغادروا وطنهم ويتركوا مكانهم فيه لغلاة المستوطنين اليهود، أبناء «شعب الله المختار» ولصهره تاجر العقارات الصهيوني جاريد كوشنر ليبني بمحاذاة شواطئ غزة ما يحلو له من الفيلل والمنتجعات السياحية، بعد ان يتم تهجير نحو مليوني فلسطيني من وطنهم التاريخي.
من الجدير بالذكر هنا أن ترامب في فترته الرئاسية الأولى أظهر علائم عبادة للذات وصلف وعنجهية وركاكة في استخدام اللغة، ومحدودية في عدد المفردات التي يستخدمها وعجز عن اتخاذ القرارات الصائبة وسوء تعامل مع الأزمات الخطيرة مثل وباء كورونا. والأرجح انه سيكرر سلوكه هذا في فترة رئاسته الثانية هذه، وربما تصبح تصرفاته وقراراته أكثر سوءاً نظراً لانقياده للحركة الصهيونية، ولأصحاب المليارات الذين كانوا في الصف الأمامي خلال الاحتفال بتنصيبه، ولحبه لجمع المال لنفسه وأفراد عائلته، وما من شك في أن ثمة إشكالاً في رأس هذا الرئيس الأمريكي. هل يعقل ان يكون ترامب قد نسي أنه هو شخصيا قد هدد بالويل والثبور إن لم يتوقف القتال في غزة ويتم إطلاق الأسرى الإسرائيليين، وهل نسي أن الولايات المتحدة هي الضامنة لاتفاق وقف القتال في قطاع غزة إلى جانب مصر وقطر والأمم المتحدة، وهو اتفاق ينص بوضوح على عودة سكان القطاع، الذين هجرهم جيش إسرائيل داخليا وهدم بيوتهم إلى أماكن سكناهم في شمال القطاع؟ هل نسي ترامب أن اتفاق الهدنة في غزة ينص على إدخال المساعدات الإنسانية، بما فيها الغذائية والطبية والوقود ومستلزمات إزالة الأنقاض، إضافة إلى بدء التخطيط لإعادة بناء البنى التحتية من ماء وكهرباء وشبكات صرف صحي ومستشفيات ومؤسسات مدنية ومدارس وجامعات وطرق، إضافة إلى بناء ما لا يقل عن ستمئة الف مسكن بدلاً من تلك التي هدمها جيش إسرائيل وسلاحه الجوي بذخائر وقنابل ثقيلة امريكية الصنع؟
لقد وقع مبعوثو الولايات المتحدة على هذا الاتفاق، وإذا كان ترامب يتنصل الآن منه فمن سيثق عندئذ بأي التزام أمريكي؟ ليت ترامب اكتفى بتوقيع مراسيم تنفيذية تحظر على الرجال لبس سراويل الجينز الضيقة، كما فعل أمس، وليته اكتفى بطرد مسؤولي محاكم اتهموه بارتكاب جرائم متنوعة من وظائفهم، وبالعفو عن مؤيديه المجرمين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول (مقر الكونغرس) بعدما خسر انتخابات الرئاسة أمام جو بايدن وحطموا نوافذ وابوابا وتسببوا في موت عدد من رجال الشرطة. لقد اقترح هذا الرئيس الأمريكي المعتوه على الأردن ومصر استقبال سكان قطاع غزة، وربما بعد قليل استقبال سكان الضفة الغربية لكن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أبلغه أن هذا «خط أحمر» وأن موقفه يمثل ايضا موقف الأصدقاء المصريين. وليت الرئيس عبد الفتاح السيسي ينطق شخصيا بكلمات مماثلة لكلمات العاهل الأردني، ولكن يبدو أنه اكتفى بالبيان الذي اصدرته وزارة الخارجية المصرية، وهو بيان واضح في رفضه لتهجير الفلسطينيين من بلادهم وفي تشديده على عدم الإخلال بالحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف وضرورة إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس إلى جانب إسرائيل. وليت كل رؤساء وملوك الدول العربية والإسلامية يستنكرون كلام ترامب ويعلنون رفضهم لنياته الخبيثة ويقفون فعلا وليس قولا وحسب، ضد مخطط التهجير الترامبي – الصهيوني هذا.
كاتب فلسطيني