حتى عصر أمس الثلاثاء، كانت القاهرة لا تزال تكتفي بنفي رسمي مجهول المصدر نقلته وسائل إعلام رسمية لأن يكون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد تحادث مع نظيره الأميركي دونالد ترامب حول قضية نقل سكان من غزة إلى مصر. وأكد "المصدر" مجهول الهوية نفسه أن أي اتصال هاتفي للرئيس المصري يتم الإعلان عنه وفقاً للإجراءات المتبعة مع رؤساء الدول. جاء هذا النفي بعد تصريحات أدلى بها ترامب، في وقت متأخر من مساء الاثنين، لصحافيين على متن الطائرة الرئاسية، قال فيها إنه تحدث إلى الرئيس المصري بشأن إمكانية نقل سكان غزة إلى مصر. وأضاف ترامب أن السيسي "صديق لي وأنا متأكد من أنه سيساعدنا"، مشيراً إلى أن الرئيس المصري يريد السلام في المنطقة.
وعلى الرغم من خطورة تصريحات ترامب، لم تبادر القاهرة إلى تكليف وزير الخارجية بدر عبد العاطي على الأقل لتظهير الرد الرسمي المصري على الكلام الأميركي، واكتفت بالطلب من وسائل إعلام حكومية نفي حصول الاتصال نقلاً عن مصدر رسمي مجهول. وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، قد يكون السبب في هذا النمط من النفي أن مناقشات كانت تجري خلال الأيام الماضية بين مسؤولين في واشنطن والقاهرة بخصوص غزة ورغبة ترامب بنقل جزء من سكانها إلى دول مجاورة، ولم يكن هناك اتفاق على الإعلان عنها، في ظل حساسية الموضوع ولأن المسؤولين في مصر أكدوا لنظرائهم الأميركيين أن مجرد الحديث عن هذه القضية إعلامياً من شأنه أن يتسبّب في أزمات شعبية واسعة، وذلك في ظل الممانعة المصرية الرسمية للخطط الأميركية والإسرائيلية الرامية لتفريغ قطاع غزة من سكانه أو تهجير جزء منهم.
السماح بتظاهرات في مصر؟
وفي إطار السيناريوهات المطروحة لمواجهة الخطة، علمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة أن السلطات المصرية لا تزال تدرس مسألة السماح بتنظيم تظاهرات شعبية محدودة احتجاجاً على خطة ترامب تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن. وأوضحت المصادر أن القرار النهائي بالسماح بهذه التظاهرات لم يُحسم بعد، وتعكف الجهات الأمنية على دراسة المخاطر المحتملة، لا سيما مخاوف تحوّل هذه التظاهرات إلى هجوم على النظام نفسه، في ظل التوترات السياسية والاجتماعية الحالية.
وفي هذا السياق، كانت الحركة المدنية الديمقراطية (حركة سياسية مصرية تأسست في 2017 تضم عدداً من الأحزاب تتراوح أيديولوجياتها بين الليبرالية واليسارية) قد أخطرت وزارة الداخلية رسمياً بنيتها تنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة الأميركية يوم السبت المقبل، بمشاركة قيادات ورؤساء الأحزاب، للتنديد بخطة ترامب. وأكدت الحركة أن الوقفة تأتي في إطار الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وسيادة مصر ضد مشاريع الهيمنة.
وبحسب المعلومات المتوفرة، هناك توجه داخل دوائر السلطة لتنظيم تظاهرة محدودة في مدينة رفح، تحت إشراف اتحاد القبائل الذي يرأسه رجل الأعمال المقرب من النظام إبراهيم العرجاني. وأشارت المصادر إلى أن اختيار رفح موقعا للتظاهرة يأتي نظراً لعزلتها النسبية وسهولة السيطرة عليها أمنياً، ما يضمن تفادي أي مخاطر تتعلق بتوسع الاحتجاجات إلى مناطق أخرى أو خروجها عن السيطرة.
إعمار شمال غزة
في سياق موازٍ، كشفت المصادر الدبلوماسية عن ضغوط أميركية على القاهرة لسرعة تسمية سفير جديد لمصر في إسرائيل قبل مارس/آذار المقبل، واعتماد أوراق السفير الإسرائيلي الجديد في القاهرة. ويبدو أن واشنطن تمارس ضغوطاً على القاهرة لتسريع تبادل السفراء، في إطار سعي أميركي لتوطيد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
في المقابل، علمت "العربي الجديد" أن ستيفن ويتكوف مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، قدّم خلال لقائه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قبيل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، تعهدات بتعطيل إعادة إعمار مناطق شمال غزة، وترحيل عملية إدخال المنازل الجاهزة "الكرافانات"، إلى مناطق شمال غزة المتاخمة للمستوطنات، إلى مدى زمني أبعد، لحين التوافق على الخطط الأمنية التي من شأنها ضمان أمن المستوطنات المجاورة لغزة. وبحسب المعلومات، فإن هناك مخططاً أميركياً يتضمن تصورات ومشروعات أمنية ستكون بتمويل أميركي ـ خليجي متعلقة بالمنطقة العازلة الدائمة بين مستوطنات غلاف غزة والقطاع، لضمان عدم تمثيل القطاع أي تهديد مستقبلي لدولة الاحتلال. ووفقاً للمعلومات، فإن التعهدات الأميركية لنتنياهو لحثه على المضي في الاتفاق، تهدف في مضمونها لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة من القطاع، من خلال عرقلة وإبطاء عملية إعادة الإعمار وجعل مناطق شمال غزة غير صالحة للحياة على المدى البعيد.