هآرتس - بقلم عاموس هرئيل-
صور جمهور الفلسطينيين الذين يجتازون ممر نتساريم سيراً على الأقدام في الطريق إلى ما تبقى من بيوتهم في شمال قطاع غزة، تعكس بدرجة كبيرة نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس. صور أمس تحطم وهم “النصر المطلق” الذي نثره رئيس الحكومة نتنياهو ومؤيدوه خلال أشهر كثيرة. خلال فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة ترتيبات اليوم التالي في القطاع، ولم يسمح بثغرة لتدخل السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل شامل. الآن، يمكن الافتراض أنه اضطر للتنازل والموافقة على أقل بكثير من ذلك.
في هذا الأسبوع، حقق رئيس الحكومة طلبه. حماس وضعت عقبات أمام تنفيذ النبضات التالية في المرحلة الأولى لصفقة التبادل، لكن نتنياهو نجح في التغلب عليها. حتى منتصف ليل الأحد، أخر المصادقة على انتقال مئات آلاف الفلسطينيين إلى الشمال بعد أن تراجعت حماس عن وعد بإطلاق سراح المواطنة المخطوفة أربيل يهود. في نهاية المطاف، اضطرت حماس للتراجع أمام تهديد نتنياهو وضغط الجمهور على الأرض. حماس وعدت، وأيضاً دول الوساطة العربية، بعودة أربيل يهود بعد غد مع اغام بيرغر ومخطوف آخر. سيتم تنفيذ النبضة الثالثة التي تشمل ثلاثة مخطوفين، السبت القادم. وبناء على ذلك، أدى تصلب نتنياهو إلى تبكير إطلاق سراح ثلاثة مخطوفين إسرائيليين بأسبوع، وهذا ليس بالأمر القليل.
لكن في الصورة الكبيرة حماس قدمت تنازل تكتيكي لاستكمال عملية استراتيجية – عودة السكان إلى شمال القطاع. بعد عودتهم إلى بلداتهم المدمرة سيكون من الصعب على إسرائيل استئناف الحرب وإخلاء المدنيين مرة أخرى من المناطق التي ستقوم باقتحامها، حتى لو انهار الاتفاق بعد انتهاء الستة أسابيع للمرحلة الأولى. اضافة إلى ذلك رغم نشر متعهدين أمريكيين من قبل البنتاغون في ممر نتساريم، الذين سيقومون بفحص والتأكد من أنه لم يتم تهريب سلاح في السيارات، إلا أنه لا توجد رقابة على الجمهور الذي يسير مشيا على الأقدام. من المرجح أن حماس يمكنها تهريب بذلك عدد غير قليل من السلاح. أيضاً الذراع العسكري لحماس، الذي لم ينسحب في أي يوم بالكامل من شمال القطاع، يمكنه استئناف بالتدريج كادره التنفيذي.
كل ذلك هو قيود عملياتية جوهرية تقف بين إسرائيل وبين استئناف القتال. إلى جانب ذلك لا يوجد أي سبب لتصديق الرواية الكاذبة التي تقول بأن حماس تحاول تسويق موضوع الانتصار في الحرب. “الصمود” والتمسك بالأرض في الحقيقة تتغلب حتى الآن على التهديد بالطرد و”النكبة” الإسرائيلية. ولكن كل من تجول في شمال القطاع في الأشهر الأخيرة يعرف ما سيكتشفه الآن الفلسطينيون: هذه منطقة أجزاء كبيرة منها تم تدميرها بشكل كامل. الوضع في خانيونس ورفح وجنوب القطاع ليس أفضل بكثير. رسميا الفلسطينيون تكبدوا أكثر من 46 ألف قتيل، ولكنهم في الجيش الإسرائيلي يقدرون أن العدد أكبر من ذلك، لأن آلاف الجثث ما زالت تحت الانقاض. وهكذا لا يظهر أن هناك نصر للفلسطينيين.
إخلاء المباني والبنى التحتية المدمرة يمكن أن يستغرق سنوات كثيرة. وهذا أحد اسباب أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بدأ في التحدث فجأة وبصوت عال عن إخلاء سكان القطاع في فترة إعادة الإعمار – الفكرة التي زعماء الدول العربية المعتدلة، التي يتم انتظار منها تمويل هذه العملية الضخمة، يتحفظون منها جدا. في حماس يعرفون أنه طالما أن قيادة حماس هي صاحبة البيت في القطاع فهي ستجد صعوبة في جعل السعودية والإمارات وحتى قطر توقع على الشيكات. في مثل هذه الحالة تزداد المخاطرة بأن تقوم حماس باستفزاز إسرائيل، الأمر الذي سيؤدي إلى حرب أخرى، ستجلب الدمار للقطاع. حتى الأموال من دول النفط محدودة.
حماس تكبدت في هذه الحرب ضربة عسكرية كبيرة، يبدو أنها الاقوى من بين الضربات التي أوقعها الجيش الإسرائيلي على أحد أعداء إسرائيل. مع ذلك، لا توجد هزيمة هنا (كما يكرر المذيعون في القناة 14 منذ بداية الحرب). هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها وزير المالية سموتريتش، الذي ما زال يجلس على الكرسي رغم معارضة صفقة التبادل، بشأن العودة بسرعة إلى الحرب التي ستحل المشكلة بمرة واحدة. الحقيقة بعيدة عن ذلك. فاستئناف الحرب تقريبا لا يتعلق بنتنياهو، وبالتأكيد شركائه في اليمين المتطرف. القرار النهائي يوجد كما يبدو في يد ترامب، الذي يتوقع أن يستضيف في القريب رئيس الحكومة نتنياهو في واشنطن للقاء، الذي لا يمكن وصفه في هذه المرة إلا بأنه لقاء مصيري.
ترامب يعشق الضبابية وعدم الوضوح إلى حين اتخاذ القرار. لذلك، يصعب جدا توقع سلوكه. ولكن حسب الدلائل التي تركها في الأسابيع الأخيرة فإن أساس اهتمامه ليس باستئناف الحرب، بل بإنهائها. في هذه الأثناء يبدو أن هذا هو الضغط الذي سيستخدمه على نتنياهو لاستكمال الصفقة، وصفقة كبيرة بين السعودية وإسرائيل، وربما الاعتراف، بضريبة كلامية على الأقل، بحلم مستقبلي لإقامة الدولة الفلسطينية.
نتنياهو الذي صمم خلال السنين على أنه مستعد لإدارة الدولة والامتثال للمحاكمة، انجر أمس مرة أخرى لتقديم شهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه كان واضحا بأنه لم يتعافى من العملية التي أجريت له في بداية الشهر. هو استغل الفرصة لنفي الشائعات بأنه يعاني من مرض عضال. ولكنه لم يشرح علنا عن حالته الصحية. الآن بسبب ضائقة شخصية وضائقة صحية وجنائية وسياسية ربما يجب عليه الصمود أمام الضغط الأكبر الذي يستخدمه رئيس أمريكي على رئيس حكومة إسرائيلي.